حمزة باشر

.... وأنت تدركين ذلك كم فاتني، أن أقف حين كنتِ تكلّمينَ خالتك لو أني انتظرتُ برهة، حتى أقلّك لو أني انتظرتُ قليلا، قليلا فقط... لاستقبلنا Afrotronix بالرقص حبواً... ولشاهدتِ معي كيف بدت لنا الأرض عاليه؟ وكيف أطلّ منها السماء؟ بل لشاهدتِ كيف طارت الأشجار؟ وظل الدخان يشيّعها بصمت و N'djamena...
بدلا من الاحتماء المتواصل... لو كنت أملك القليل من الفسحة والمساحة لفكرت في نفسي، طيبتي لأولئك... في غباء البشري، الذي يتهمنا عنوا بالحيونة!! ألا يفكر برهة، في عنفه المستميت... لو أعطيت مساحة، لحلمت بأكثر من أبي لفكرت في تجاوز الغابات لسيطرت على عوالم أخرى في المحيطات، والبر... لأسست شراكات...
لا أقوى على احتمال النهاية كعادة كل البشر، غراس... لأني أغرق في كل البدايات لا أعرف بعدها كيف انطلقت؟ لأنني جيوش كثيرة توقعي، أن تهاجمك أي منها حتى تلك التي لا أعلم، كيف قامت ذلك أفضل، من لا شيء لأنها مني، تقبليها ولو على مضض، لأكبر بركاني الثائر، ذاك الجمود على شاكلة سلسلة تبستي،...
أمام المرآة، مباشرة على الهواء أتحدث عن تلك المسافة خالية المعنى، حين تفصل بين وجهي الذي ارتديه وذاك الذي يخاطبني، يجسد كل شيء، قابل للتصور تلك الشفاه النهمة، عيوني الغرقى رمشي الذي يتعجب! حيرتي، وتكاثري ببطء... غير أن ذاك الوجه، يطل من خلفي، ليبحث في ذاك الفضاء كراسي تضج بالصمت، فتاة...
كأنها بارقة، تلك النظرات التي لمحت - خلسة - رغيفا يابسا بجانب السور الذي تقف عليه، ساكنة... كم أسعدَ ذلك دموع الطفلة التي من أجل ذلك الرغيف شاهدت المشهد، دون أن تعكر صفو اللقاء وأنتِ تودعينني مُوصِية... ألا أُعَكِر صفو الأطفال حين يحتفلون بطلوع الفجر، هناك ضجر، وشغب، وشيء من الملل...
جعلني أكبَر، هذا الظمأ الذي يتآكل من رزاز الضوء، يفلت شعاعا، هو فتيل وقتي الذي يتقطع، جعلني أصمد هذا البريق تلك المسافة، هي قصتي المدفونة بين شفتيك، مساحة النظر أكبر، مع هذا الظمأ أربّي شغفي من نبع المدينة وأنا أتسكع في شرود قرب "شاري" يحلم في إعادة حياة وفيه للمرض إلى المعاناة، أهدي...
نجلس وحدنا أنا... وساكنة... ككل يوم، نرتب فيه مشهدنا للفجر أمسح الأرض بيدي ، أتكلم ببطء، كسل مشدود في الحديث عتمة من وراء الباب، حين تنظر للخلف أنوء بحملِ قلبِ يشهق، يئن، الألم في انتشاء مباغت ذاكرة تتوجّع حد المرض ولا نزال ننتظر... أغفو قليلا، بين يَدي ساكنة صبية يغمرهم الموج ديك...
ذات يوم ما في مثل هذا الوقت عند الصباح ذاك يوم آخر أجثو مليّا لأنعش تعبي الفضي عودي المرافق للوجع ذاكرتي التي تتحطم امرأة التي تربي نهدها بفم الحليب تمشي، في وسط الشارع شاعر يتفقد الجدار ضاعت ساكنة الأخرى بين ذاك الجدار وذا الجدار، يهب الظل ممتدا بداخل جسدي الآثم منذ لعنته الأولى، تجرّه الكلاب...
إنها تُمطرُ، أكثر سِعة من أمس هذا اليوم، ريشة طائر يتعالى قطنٌ يلبس جِلده، أبيض وجه الفلاح، أقلّ حموضة وجه النهار، لإنها تمطر إنهار البشري خلف حصاده، كتب الضجر الفرح، تيمة عُلّقتْ بالأرجل هو الرقص، كتاب العابر يجهلُ بداهة الأشياء، من عمق هاتيك الفجوة، صدى يصدأ، قال المسافرُ أبغير...
ها أنذا... قالت الريح في رحلتها البسيطة ثمة ذكرى ترافق ذاك الشروق الثمل رغم تفتت الأيام وتطاير القشِّ لا يزال الأبنوس يقاوم توغّل الأرضَةَ في جسده الصلب من ركام ذاك الفُتات أسحب لغتي أغنيتي الأولى من فم الثعبان ضرباتي الموجعة لأميَ الأرض أغرس تلك الأشياء في ذاك الكوخ المبعثر أحفظ...
الحياة هنا.. نكهة ذبول هي الصفة التي تثير كل شيء بريق المساءات طلليات الفراغ رعشة الحمّى والغد... ذاك الذي يفيض بالأضداد من قديم الزمان جرى في العهد الأول أن يُكتب هذا الكائن البشري بحبر الغراب هي سمة الإنسان العاشق للأغوار فناداها بالحنين في ألواحه حين كانت تنبض بشيء واحد...
أتأمل نافذة رسمت فيها "الأَرَضَة" حبالا طينية تتحرك تحت جلد "الناموسية" الممتد، إلى أقصى جسدي تصحو ضفدعة تتجول كي تحرس رهافة المنام وأنا... وسط هجين الرؤية المكلل بالغموض أتأمل في اللا شيء الملتبس بالظلام غيابي أطيل نظري المرتد نحوي ببطء لا أرى شيئا غير الفراغ... في هاتيك المدن المطلية...
لم يدم طويلا خريف الأيام التي تداعت لظرف طارئ في السماء لأن الملاك هو من يرتب لها نظافة الأرض ارتضعت بقرة من نهر يلبس لينه أغاظ ذلك كرامة الأرض وصوت الفلاح الكادح تسهر أفئدة هناك، سيدة استقالت من تعب الشمس عاتبتها عيون الصغار تلك التي لم تدم طويلا حين اكتشفت ان الدموع تضج بالفوضى...
ها هو ذا يطل غدنا الذي ما انفك يرسم صورته البائسة هو خرير أغطية كورته حد الوتد كلميني أيتها الأرض علمي طيورك كيف تحلق دون أجنحة دوني في قلبك الممتد صلاة راهب يبحث عن الذهب بشري أحفادك بالخذلان المستمر بالضجر، بالتعب النبيل، بقساوة الفجر بالأنين... أيتها الأرض ها هو ذا نحّات الأقنعة...
الصباح... يبدأ كل شيء في ترتيب الأشياء المنتعشة يتسلل الضوء، يضحك بين ظلال المارة وجه يكسوه وهج النار الملتهب تبدأ ملامحه تتشكل فوضى ضاربة بوجه العدم تعاتب الملكوت في جبروته لا يلوح إلا الفراغ وخطى السيد تجمع الخراب في تنظيم الخطى المتبعثرة أقدام تتحرك، يلفها السعف تلبس نارا تُضرم...

هذا الملف

نصوص
37
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى