حينَ استيقظتُ هذا الصباحُ ..
وجدتُ في نفسي رغبةً شديدةً في الانتحارِ .. شعرتُ كأننّي أمتلكُ عيوناً أخرى للحياة خالية من الدهشة .. تلك التي فقدتها عندما كَاَنَ عُمري ثلاثةَ عشرَ عاماً ..
سأتحلى هذه المرة بالشجاعة أكثر من المرة السابقة التي انتهتْ بالفشلِ عندما تمَ إنقاذي في اللحظاتِ الأخيرة أو ربما كانتْ لدي بقايا رغبة في العيشِ فلم أتمم الأمرَ كما ينبغي ..
فكرتُ في وضعِ الرسالة التي كتبتها لأبي في مكانٍ يَسهل العثور عليها .. كنتُ أريدُ لسطورها أنْ تتحولَ حين يقرأها إلى سياطٍ ملتهبة تجلدُ في كل دقيقة مشاعره القاسية ..
مع كلِ حرفٍ كتبتهُ استرجعتُ اللحظاتَ المؤلمة التي مررتُ بِها وكأني أعيشها الآن ..
لقد جعلني أشعر كأننّي فتاتٍ تحتَ مائدته ..
في البداية كنتُ أهربُ من مشاعري .. لمْ أُدرك أننَّي بالهربِ منها أغريتها بمطاردتي ..
بعد أن عدتُ للحياة خائباً على يديهِ .. تحولتُ بعدها من مراهقٍ صاخب إلى آخر صامت .. أراني الآن أضحك وأغصُ بالضحكِ حدَ البكاء عندما أتذكر طريقتهُ لمنعي من التفكير مجدداً بالانتحار ..
لقدْ حبسني في غرفتي لأيامٍ دونَ طعام أو شراب إلا ما يمنعُ الموتَ عني .. لم يكتفِ بذلكَ .. بلْ سرقَ إنسانيتي حين أجبرني على قضاء حاجتي في نفس المكان .. بعدها تجذر إحساس داخل أعماقي من أننّي وهذه الفضلات شيء واحد ..
لقد سمعته يقولُ لأمي .. بنتِ الجيران التي تزوجتْ هي سبب انتحاري .. أرادَ بذلك رمي عنْ كاهلهِ إحساس المسؤولية تجاه ما حصل .. اكتفى بالمراقبة من خلفِ السِتار ..
ليته عَلِمَ أنني كنتُ آكلُ من ثمارِ الموتِ لأعيشَ حتى تحولتْ روحي لمقبرة موحشة ..
لم يقلق حين أخبرته برغبتي في تركِ المدرسة ..
المدرسة لا تخلقُ التجار بلْ الأغبياء .. أجابني بهذه الكلمات دون أنْ ينظر إليّ ..
في السوق فقدتُ بقيتي حين أمسيتُ عرضة للسخرية بعد تحول اسمي إلى العاشق المنتحر ثم العاشق الصامت ..
لقد كنتُ صامتاً .. لكنْ ما مغمور في صدري يوشكُ على الانفجارِ في أيّةِ لحظة ..
حين فكر هو وأمي في تزويجي .. لم يجدا عائلة ترحبُ بمخلوق مثلي .. وبذلك رميا آخر شيء قد يجلبُ لهما تأنيباً للضمير ..
الليلُ هو الوقتُ الذي تواجهني فيهِ كلُ مخاوفي القادمة من الماضي ..
ربما سيسألُ نفسه .. لماذا كتبتُ له هذهِ الرسالة ؟!..
حقاً .. لِمَ كتبتُ له بعد مرورِ عشرين عاماً على تلكَ الليلة ؟؟
لا أريدُ لشعور الذنب مفارقته حين أخبره بأمر اغتصابي من قبل قريبهُ القادم من مكانٍ بعيد والذي سمحَ له بالمبيتِ في غرفتي تلك الليلة ..
ربما سيتوقفُ عن القراءة لحظات كمحاولة فاشلة منه لاستيعاب الأمر .. لكن بعدها سيعود للقراءة مرة أخرى ..
في تلك الليلة .. وأنا بين النوم واليقظة .. أحسستُ بيد باردة تعبثُ بجسدي ويد أخرى تكمم فمي .. وهو يباعد بين ساقيّ .. باعد بيني وبين الحياة .. بين الأمنيات .. بلْ بيني وبين الموت كنهاية جميلة ..
قربني من العذابِ الذي تمثل لي في تلك اللحظة بصورة رجل ..
تمنيتُ في تلك اللحظة أنْ يُفتح الباب وتُنقذ طفولتي ..
لا زالَ صوت لهاثه ماثلاً في الذاكرة ..
وهو يرتدي ملابسه بعد أنْ نهض من فوقي .. شهر المسدس بوجهي وهددني بالقتل إنْ فتحتُ فمي .. ليس الخوف فقط سببُ صمتي .. بل العار لأني أدركتُ حين أتكلم سأكون الضحية التي تعرض نفسها للجلد والعذاب ..
تلك اللحظات جعلتني أواجه بكلِ ليلة حاضري ومستقبلي وأنا مكبل بمشاعر الدونية والتحقير لنفسي ..
آنَ الآوان لأستريحَ من معاركي مع ذاتي وأمنحها السلام ..
هذه المرة لنْ يُفلح في إنقاذي .. فالسمُ وسيلة سريعة وفعالة للموت ••
- فوز حمزة -
* القصة التي فازت بالمركز الثاني ضمن فعاليات مهر جان همسة الدولي في القاهرة لهذا العام ٠٠
وجدتُ في نفسي رغبةً شديدةً في الانتحارِ .. شعرتُ كأننّي أمتلكُ عيوناً أخرى للحياة خالية من الدهشة .. تلك التي فقدتها عندما كَاَنَ عُمري ثلاثةَ عشرَ عاماً ..
سأتحلى هذه المرة بالشجاعة أكثر من المرة السابقة التي انتهتْ بالفشلِ عندما تمَ إنقاذي في اللحظاتِ الأخيرة أو ربما كانتْ لدي بقايا رغبة في العيشِ فلم أتمم الأمرَ كما ينبغي ..
فكرتُ في وضعِ الرسالة التي كتبتها لأبي في مكانٍ يَسهل العثور عليها .. كنتُ أريدُ لسطورها أنْ تتحولَ حين يقرأها إلى سياطٍ ملتهبة تجلدُ في كل دقيقة مشاعره القاسية ..
مع كلِ حرفٍ كتبتهُ استرجعتُ اللحظاتَ المؤلمة التي مررتُ بِها وكأني أعيشها الآن ..
لقد جعلني أشعر كأننّي فتاتٍ تحتَ مائدته ..
في البداية كنتُ أهربُ من مشاعري .. لمْ أُدرك أننَّي بالهربِ منها أغريتها بمطاردتي ..
بعد أن عدتُ للحياة خائباً على يديهِ .. تحولتُ بعدها من مراهقٍ صاخب إلى آخر صامت .. أراني الآن أضحك وأغصُ بالضحكِ حدَ البكاء عندما أتذكر طريقتهُ لمنعي من التفكير مجدداً بالانتحار ..
لقدْ حبسني في غرفتي لأيامٍ دونَ طعام أو شراب إلا ما يمنعُ الموتَ عني .. لم يكتفِ بذلكَ .. بلْ سرقَ إنسانيتي حين أجبرني على قضاء حاجتي في نفس المكان .. بعدها تجذر إحساس داخل أعماقي من أننّي وهذه الفضلات شيء واحد ..
لقد سمعته يقولُ لأمي .. بنتِ الجيران التي تزوجتْ هي سبب انتحاري .. أرادَ بذلك رمي عنْ كاهلهِ إحساس المسؤولية تجاه ما حصل .. اكتفى بالمراقبة من خلفِ السِتار ..
ليته عَلِمَ أنني كنتُ آكلُ من ثمارِ الموتِ لأعيشَ حتى تحولتْ روحي لمقبرة موحشة ..
لم يقلق حين أخبرته برغبتي في تركِ المدرسة ..
المدرسة لا تخلقُ التجار بلْ الأغبياء .. أجابني بهذه الكلمات دون أنْ ينظر إليّ ..
في السوق فقدتُ بقيتي حين أمسيتُ عرضة للسخرية بعد تحول اسمي إلى العاشق المنتحر ثم العاشق الصامت ..
لقد كنتُ صامتاً .. لكنْ ما مغمور في صدري يوشكُ على الانفجارِ في أيّةِ لحظة ..
حين فكر هو وأمي في تزويجي .. لم يجدا عائلة ترحبُ بمخلوق مثلي .. وبذلك رميا آخر شيء قد يجلبُ لهما تأنيباً للضمير ..
الليلُ هو الوقتُ الذي تواجهني فيهِ كلُ مخاوفي القادمة من الماضي ..
ربما سيسألُ نفسه .. لماذا كتبتُ له هذهِ الرسالة ؟!..
حقاً .. لِمَ كتبتُ له بعد مرورِ عشرين عاماً على تلكَ الليلة ؟؟
لا أريدُ لشعور الذنب مفارقته حين أخبره بأمر اغتصابي من قبل قريبهُ القادم من مكانٍ بعيد والذي سمحَ له بالمبيتِ في غرفتي تلك الليلة ..
ربما سيتوقفُ عن القراءة لحظات كمحاولة فاشلة منه لاستيعاب الأمر .. لكن بعدها سيعود للقراءة مرة أخرى ..
في تلك الليلة .. وأنا بين النوم واليقظة .. أحسستُ بيد باردة تعبثُ بجسدي ويد أخرى تكمم فمي .. وهو يباعد بين ساقيّ .. باعد بيني وبين الحياة .. بين الأمنيات .. بلْ بيني وبين الموت كنهاية جميلة ..
قربني من العذابِ الذي تمثل لي في تلك اللحظة بصورة رجل ..
تمنيتُ في تلك اللحظة أنْ يُفتح الباب وتُنقذ طفولتي ..
لا زالَ صوت لهاثه ماثلاً في الذاكرة ..
وهو يرتدي ملابسه بعد أنْ نهض من فوقي .. شهر المسدس بوجهي وهددني بالقتل إنْ فتحتُ فمي .. ليس الخوف فقط سببُ صمتي .. بل العار لأني أدركتُ حين أتكلم سأكون الضحية التي تعرض نفسها للجلد والعذاب ..
تلك اللحظات جعلتني أواجه بكلِ ليلة حاضري ومستقبلي وأنا مكبل بمشاعر الدونية والتحقير لنفسي ..
آنَ الآوان لأستريحَ من معاركي مع ذاتي وأمنحها السلام ..
هذه المرة لنْ يُفلح في إنقاذي .. فالسمُ وسيلة سريعة وفعالة للموت ••
- فوز حمزة -
* القصة التي فازت بالمركز الثاني ضمن فعاليات مهر جان همسة الدولي في القاهرة لهذا العام ٠٠