هالة البدري - الضغـــف.. قصة قصيرة

تكدست البيت حولها بمشغولات من الكريستال والكانفاة والخشب وغيرها.. لم يكن أحد ليصدق إنها من صنع يديها.. كانت غاية في الإبداع والروعة تستوقف كل من دخل إلى بيتها، كانت البداية بسيطة ساعة من العمل الدقيق، ثم زحف حتى ابتلع الوقت كله.. وسرعان ما أصبح يهدد البقية من حياتها.. استغرقتها حتى كانت تصحو من النوم مبكرًا لا تفكر إلا في القطعة الجديدة التي بدأتها مساء الأمس كانت همومها تبدو وكأنها انحصرت في النمو الكامن بين يدها..
ما أجمل هذه الفكرة، إنها تحتاج إلى ألف قطعة من الكريستال على الأقل، أستطيع إنجازها في أسبوع إذا مضيت أعمل على مهل..
سأضع اللون الأبيض أولاً ثم الأسود.. فالأبيض.. تري أي الألوان سيغلب عليها.. لن أضع لها خطة ما، أو شكلا سأرتب الأحجار كما يحلو لي وكما تمتد يدي إليه.. ماذا؟ هل يتغلب الأبيض هذه المرة؟.. ربما..
أشعر بالتعب والرغبة في التمدد فوق البساط لأريح ظهري المتعب وأصابعي المرهقة.. هكذا.. نعم أشعر بحاجة إلى الأنين لكني لا أستطيع، قد يسمعني أحد..
آهين يالقلبي الذي ينخلع من الألم.. إن ملمس البساط خشن يحتاج إلى تغيير.. ماذا لو غيرته إلى لون أكثر بساطة.. إلى الأسود مثلا..
إنه صريح في تجهمه.. ولكن هل يوجد بساط أسود؟ أظنني رأيته في مكان ما.. وهذه الثريا أظنها تحتاج أيضًا إلى تغيير سأقوم بعمل واحدة جديدة فور انتهائي من الستارة، سأجل مها، أجمل وأغرب نجفة من الكريستال، ماذا لو صنعتها من الأصداف؟ إن الطبيعة تهبنا أمتع ما نملك ونحلم لكننا أبدًا لا نقدرها..
مضي ربع ساعة، مازلت مستلقية.. حان الوقت لأكمل جزءاً آخرًا، إنها تنمو بسرعة أكبر مما توقعت.. خير..
أحذرك تمهلي في العمل قليلاً لئلا تضيع صحتك التي لم تعد تحتمل..
في الصباح لم تستطع النهوض، طلبت من صغيرها أن يأتيها بسلة الكريستال.. نظر الجميع إليها في دهشة.. تمسكت بالقطع الصغيرة التي راحت تنمو نموًا سرطانيًا عجيبًا قبل أن يأتي الليل كان الضعف قد تسلل إلى الجسد المنهك، راحت في سبات عميق لم تصح منه قبل ظهر اليوم التالي، وجدت أمها وزوجها بجوار الفراش قال لهم الطبيب الذي لم تشعر بزيارته إنها في حاجة إلى راحة تامة..
سألت عن الكريستال.. بكي طفلها وتعلق برقبتها حين طلبت إليه في عصبية أن يبتعد.. في الأيام التالية فضلت العزلة مع أدواتها الملونة.. أصبحت تصرخ كلما دخل فرد من الأسرة يطلب أو يسأل عن شيء، لم تعد تتذكر متى كان آخر لقاء لها بالناس، تأكل بجوار السلة ولا تفكر في غير غزلها الذي يدمي يديها، تأتيها الغفلة في مكانها فلا تتعب قدميها بالرحيل إلى سريرها..
((قليل وستكتمل.. لا أريد أن تكتمل.. ماذا سأفعل بعد أن أنتهي منك؟ الخوف يقتلني، سأعدل منك ، سأقتطع منك جزءًا من هنا وآخرا من هناك.. سيعطل هذا نهاية العمل يومًا أو يومين، لا أستطيع السيطرة على أصابعي التي تسبقني للعمل فيك.. أنهيك أم أبقيك معي؟ حين دوي المقص ليقطع آخر الأسلاك في الستارة كانت قد وقعت في نور طويل!!

تعليقات

إيحاءات جميلة وعميقة يراهن عليها النص ,,, نهاية النص لخصت ذلك من خلال الربط بين الخوف من إنهاء الأصابع للعمل .. وبين قطع المقص لآخر أسلاك الستارة .. والاستسلام للوقوع في نور طويل.
جميل
 
أعلى