من عبد القادر وساط الى احمد بوزفور..

إلى صديقي أحمد بوزفور
ذكّرني حديثك الشيق عن سينية أسقف نجران بقصيدة جميلة للشاعر الصَّلَتان العبدي، يقول فيها:
إذا ليلةٌ هَرّمَتْ يومَها = أتىٰ بعد ذلك يومٌ فَتِي
نَروح و نغدو لحاجاتنا = و حاجةُ منْ عاشَ لا تنقضي
تَمُوتُ مع المرْء حاجاتهُ = و تَبقى لهُ حاجةٌ ما بَقِي
وهناك من ينطق اسمَ هذا الشاعر بتسكين اللام ( الصَّلْتان العبدي ). والمهمّ هو أنه عبديّ، وأن بيني وبينه قرابة مؤكدة، لأن قبيلة (عبدة ) أختٌ لقبيلة ( أحمر). وبالتالي، فهو سيقوم تلقائيا بالتوقيع على العريضة التي تطالب بإطلاق سراحي. خصوصاً وأنه عانى من الظلم خلال حياته. إذْ نُسبتْ قصيدة من قصائده الرائعة لشاعر آخر هو زياد الأعجم. وهي الحائية المشهورة في رثاء المُغيرة بن المُهَلَّب، والتي يحضرني الآن من أبياتها وأنا في زنزانتي المعتمة:
إنَّ السماحةَ و المروءةَ ضُمِّنا = قبْراً بمَرْوَ على الطريق الواضحِ
فقد جاء في كتاب ( المراثي) لمحمد بن العباس اليزيدي أن الأصمعي كان يروي هذه الحائية للصلتان العبدي لا لزياد الأعجم. وعلى أية حال، فزياد الأعجم عبديٌّ هو الآخر، كما لا يخفى عليك يا سي أحمد. واسمه " الكامل " هو زياد بن سُليم العبديّ، حسب ما ذكرَه ابنُ سلّام في ( طبقات فحول الشعراء). وهكذا نرى أن الحائية التي نتحدث عنها تبقى عبدية خالصة، سواء أكان صاحبها هو الصلتان العبدي أم زياد الأعجم.
ويا صديقي العزيز، هناك شاعر آخر لن يتردد في التوقيع على العريضة المذكورة، بحكم النسب الذي يجمع بيننا. إنه علقمة بن عبدة، المعروف بعلقمة الفحل. وهو صاحب قصة ( التحكيم ) المشهورة مع امرئ القيس. وعلقمة هذا تميمي، كما لا يخفى عليك يا سي أحمد. ولكنني أعتبره قريباً لي، ما دام اسمه هو علقمة بن عبدة!
وثمة علَمٌ آخر من أعلام عبدة لا ينبغي أن ننساه. إنه صديقك عائذ بن محصن بن ثعلبة، المشهور بالمثقِّب العبدي. وهو جاهلي قديم، عاش قبل زمن النابغة. وأعرف أنك يا سي أحمد من أشدّ المعجبين بقصيدته التي مطلعها:
أفاطمَ قبْل بَينك مَتّعيني = و مَنْعُك ما سألتُ كأنْ تَبيني
ومن أبيات هذه القصيدة، التي كنتُ أتمثل بها في علاقتي بطاغية تنجداد، حين لمست منه الغدر:
فإما أنْ تَكونَ أخي بحقٍّ = فأعْرفَ منك غثّي منْ سَميني
و إلا فاطَّرحْني و اتّخذْني = عدُوّاً أتّقيك و تَتَّقيني
وكان أبوعمرو بن العلاء - فيما يرويه ابنُ قتيبة - يستجيد هذه القصيدة و يقول عنها: " لو كان الشعرُ مثلها لوجبَ على الناس أن يتعلموه."
وثمة عبديّ آخر، وصديق آخر من أصدقائك، لن نغفل ذكره في هذا السياق. إنه المُمَزَّق العبديّ، صاحب البيت الجميل:
هَوّنْ عليكَ و لا تَوْلَعْ بإشْفاقِ = فإنما مالُنا للوارثِ الباقي
والممزق العبدي، كما تعلم يا سي أحمد، هو ابن أخت المثقّب العبدي. وهذا البيت من قصيدته المعروفة، التي يذم فيها الدنيا ويصف مصيره المؤلم بعد الموت وكيف سيُدرج في الكفن ثم يُحمل على أكتاف الفتيان الذين سيقومون بدفنه.
ثم هناك، بطبيعة الحال، الشعراء و اللغويون، الذين تربطهم قرابة ما بأحمر، والذين لن يخذلوني أبداً في مواجهتي مع الطاغية.
فمنهم الأحيمر السعدي، ذلك " اللص الكثير الجنايات الذي خلعه قومه وخاف السلطانَ فخرجَ في الفلوات وقفارِ الأرض. " وهو صاحب القصيدة المشهورة :
عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى = و صوَّتَ إنسان فكدتُ أطيرُ
ومنهم عمرو بن أحمر، وهو شاعر محارب " صحيح الكلام، كثير الغريب."، وهو القائل:
إن الفتى يُقْترُ بعد الغنى = و يَغْتني منْ بعْد ما يَفْتقرْ
و الحيُّ كالمَيْت و يَبْقى التُّقى = و العيشُ فَنّانِ : فحُلْوٌ و مُرْ
ومنهم الأحمر عمرو بن الحارث، الذي يَنسب إليه البعض قصيدة ( الحيس).
ومنهم الأحمر النحويّ، الذي كان قليلَ الشعر ضعيفَه، وكيف لا يكون كذلك يا سي أحمد وهو تلميذ الكسائي الكوفي؟!
ثم خَلَف الأحمر، يا صديقي العزيز، كيف ننساه؟ ألم يَرْثه أبو نواس بقصيدة قال فيها:
أودى جميعُ العلْم مُذْ أودى خَلَفْ
منْ لا يَعدُّ العلمَ إلا ما عرفْ
قَلَيْذَمٌ منَ العيالم الخُسُفْ
كنا متى نشاء منه نَغترفْ
روايةً لا تُجْتنى منَ الصحُفْ
هل قلتُ إنها قصيدة؟ سيغضب ابن علي وسيقول إنها أرجوزة. وسيأمر بتمديد فترة إقامتي بهذا السجن المظلم. ولكن لا بأس. فشعراء عبدة قادمون. وكذلك شعراء أحمر.
مع التحية.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى