إحسان وفيق السامرائي - القط في شارع ريفولي.. قصة قصيرة

( كان الصباح الباريسي مذهب الحواشي، من رغوته الوردية تصاعدت اعمدة – المادلين – الشبيهة بالكعك السويسري مسترخية علي نهديها، واوراق الزيزافون تدثر اروقة ألكنيسة بالدفء ..
انسل قط اصفر اللون، نزل السلالم المرمرية في حركة متموجة ، اخترق ساحة بائعات الزهور – وجادة الريفولي – غير عابيء باشارات المرور وسيارات الرينو . وبين ضجيج المارة وعدسات التصوبر قفز بين الدمي والشموع قاعدا في واجهه الموز)

دفعته الموديلات والوجوه الضاحكة والعطور الي الامام!! احس بانفاس القط الخانقة تلفح وجهه فارتعش من البرد.. نبهته أنات قريبة !! فتلفت مذعورا ؟
و من بين مخالب القط رأي سبعة فئران تلقّط انفاسها !.
اراد الهروب من عيني القط ،.احس برغبة عنيفة في تحطيم الواجهة وسحق القط، تراجع ..اهتز ..غشته رغبة عنبفة لتطويح القط والفئران الخائقة وسحقها تحت قدميه!
دفعته رغوة الالوان الي الوراء ،اعترته ثورة عنيفة صعدّت من غضبه .. فزمجر في اسي عندما رأي نفسه محاصرا بين المتفرجين والفئران ؟؟
– لن يكون هذا مكاني ؟ ! ..
شعر مجددا بالرغبة والثورة لازاحة الالم وتلطيخ الواجهة. والعودة من حيث جاء .. الا أنه تشبث بالبقاء.. وألتفكير بالقط والفئران !!

دفع باب ( غاليري ألموز ) المذهّب بالازهار وطيور الحب… فتفحص البائع ماحمله الغريب ، نظر الي ثيايه ، الي وجهه. وبصوت ساخر خفيض سأله قائلا :-
.- أ تريد إن تشتري القط ؟!
لعبة حظ جميلة !! لعبة خطرة !!
– عشرة الاف فرنك ذهبي ؟ ليس هذا بالكثير !! فالعائلة المقدسة بيعت بمليون ونصف دولار ؟ أنا لن أخدعك ابدا لآنك..أ ..أ ثم نظر الي وجهه الملوّح بسخونة الشمس.
رأي البائع يضع ( ثلاثة اصابع من كفه علي الطاولة) ؟
– أنت لن تشتري قطا بل قطعة اثرية ؟ تحفة من عصرنا ولن تتكرر ؟
هذا القط فخر منتوجات العالم الحر الجديد !؟

( نظر الي الغيمات الممزقة تبلّل سقوف القرميد الاحمر ، راي القط مطبوعا علي الحيطان ، والقادمون من الرويال والفاندوم ومعارض كارفن يناثرون مجلة – فوغ ويتضاحكون ؟ ومن عنق القط الاصفر تدلت ساحة – الاتوال – المسدسة الاضلاع ( تخيلها نجمة داود تطوق الفئران السبعة )؟!
فانفلتت كلمات لم يفكر فيها !؟ merde

اجتاز ممرات اوتيل – جان دارك – كان صديقه منشغلا في تلوين شعره ومن شفتيه مرت انشودة كان قد رددها هو في طفولته اثارت في نفسه ألاشمئزاز فهتف بصوت رافض .
-. الي أين يعود بنا الزمن ؟
– ماذا قلت ؟ لاشي !! كيف ؟ انت لن تشارك في معرض الطوابع و لا ابدا ؟
هتف الرجل مأخوذا :-
والطوابع والكلمات وعدسات التصوير واللقاءات والتعريف بما نحمل لمن تتركها؟ ماذا سنقول لهم ؟ فهم لم يبعثوا بنا لنساوم نبيع ونشتري ؟ أسمع ؟ حتي – الاومانتيه والتان مودرن – ستكونان موجودتين ماذا قلت ؟ تلف بها ؟!.تمسح بهما ؟ لا لا ماذا قلت ؟ إن الفئران جعلتك تري نفسك عاريا في شوارع باريس !! فتقيأت علي ثيابك ؟
واي واي .؟
– قط تافه يغير افكارك .؟ الم تمّل الفئران والقطط في دروبنا؟ حتي تشتري قطا هجينا؟ قط .. بعشرة ألاف فرنك ذهبي ؟ هل اصبت بالجنون ؟ نحن التافهين !؟ هيه .. لو كان ما تريده مدفعا رشاشا ؟ سيارة ستروين ؟ قد يكون ذلك معقولا حتي لو خسرت عشرين الفا في – كازينو – نيس – لتمكنا من تعويضها ؟؟
ولكنك تريد ان تبادل.؟. وتفكر هكذا ؟ لتشتري قطا!؟ قط ؟. لا ولا فأنا لا اوافقك الرأي ابدا ؟ .. والان دعني ؟
فمن الجنون إن ترفض دعوة من – اصدقاء النقطة الخامسة -الي ألليدو و الكريزي هورس؟ .. دعنا نسري عن انفسنا ونبدد همومنا ؟؟

( عند واجهات – سان اونري – ترتخي الجوارب الفضية المصنوعة من شباك الصيد وحمالات صدر – أليزابث اردن.
يتوقف العابرون من الرويال والفاندوم …يتأملون – غاليري الموز- ويبتسمون للقط والفئران ألخائفة!
حتي المقشة الصفراء ظلت تلهث فوق الرصيف ، تقاوم زحف اوراق الزيزافون والعامل السنغالي – الشبيه بقطعة الفحم توقف ضاحكا وكشر عن اسنان كالتمساح.!!)

أشار البائع الفرنسي بطرف غليونه الي القط .
– وغدا اذا ما تربع القط في – الترو كاديرو – فلن احتاج الي مساومة لآن سعره سيرتفع مرتين ماذا قلت ؟ ستشارك في العرض ؟ دعني افكر ؟
( في الهند يسألك ألبائع عن برجك السماوي قبل إن يبيعك فصا من العقيق او عيون النمر !؟) اتعرف لماذا؟ لانهم يبيعون لك تراثهم؟
اما انا فعلي أن فكر جيدا ؟ ولن اترك زبائني حائرين ؟
إن – ايزابل ادجا ني – لا تحلم بجمهور مثله لا ولا- كاترين دي نوف – !
– هو قط بسبعة ارواح !
هل عندك قطا بثماني ارواح .. يحل مكانه ؟!

( سار باتجاة الكونكورد وعلي المسلة الفرعونية قبع غراب فرش ذيله علي المسلة ،تذكر النبي – موسي – يعبر الامواج الحمر الكاسرة !!..جذبته عذاري بوزيدون والاسماك المتحجرة بين ايديهن . ).

راي صاحبه يرطّب شفتيه من كأس غريقة بالماثيوس الاحمر ويمسح وجهه. ويدندن .. ثم سمغه يركل المائدة بقدمه
قائلا :-
– الان انتهت مهمتي !! وزعت الملصقات علي الطلبه فهم اداة الثقافة والفكر فلا تقل انك شاركتني في ألمهمة تذكرتك تقول بأن الفرنسي سالك عن عمرك ؟ وان القط يكبرك بعشرين سنة مرحي ! عمرك الان ثمانية وثلاثون ؟ فما يدريـــك بالالاعيب … اي .. يريد إن يسلبك ما تحمل من تاريخ ليقايضك علي قط هجين ؟!
أ..نسيت ؟ وقلت إن الفرنسي قد رسم باصابعه شيئا علي الطاولة ؟
كيف فاتتك اللعبة ؟ لقد اعتقدك اميرا للنفط ؟
( أه باريس مدينة الشقراوات والفن والعجائب والمحتالين).
– انت لاه بقط تافه محشو بالحلوي والاكاذيب !!

عندما ترك النزل كانت الانوار العالية تضيء اقدام ـ جان دارك ـ العارية فقد اشعل لفيف من – الكلوشار – النار في كومة من الاوراق الملونة وجلسوا حولها يشربون ويضحكون وينشدون المارسيليز!؟

( نسي اين كان يمضي والي اين يمشي ؟ فلم يحــــــــــمل خريطة الطريق !؟)
وعند واجهة – جورج ساند- رأي رجال الكوماندوز يمشون علي مفرش من دم الطيور و يدخلون -عنتيبه – وامام دار الاوبرا سمع – توسكانيني – يعزف – شمشون ودليلة-وعلي واجهات – لو فيــغارو – باريس تبيع برتــقال حيفا ! وعلي حيطان سان ميشبل رأي العلم الفلسطيني ملصقا علي بوايات المواخير واطفال الحجارة يدحرجون السواستيكا!؟
وعند مكتبه – اسبيرو –
كان ( هرتزل وترومان ) – يشربان نخب السلام ؟

أرخي الفرنسي بيريته وهمس بصوت دافيء
-ان باريس تعطيك ماتريد لو قلت لها احبك !!
اما لوقدمت لها زهرة تيولب حمراء ودعوتها للعشاء لقالت بلا تردد .. ولماذا ضيعنا السنين؟!

(ترفقت نواقيس سان اوغسطين ..ضاع الرنين وسط بحر الغيوم ، جلجلت دقات رباعية ، راي تشكيلة من الشاموا وحقائب الكوبرا وفراء الثعلب القطبية ومفرشا من جلود القطط !!)

دفع الباب الزجاجي ،القي بحزمة الطوابع الي المنضد فتهاوت السيوف والرايات والاوسمه والنياـــشين!! واخيرا ..القي… (قطب الســرور في اوصاف الخمور)..
نزع الفرنسي البيرية من راسه والقي بها الي المنضدة ..علت وجهه ابتسامة ماكرة قائلا:
– هل رايت فرنسيا يحب القطط ! ؟
انت تفكر جيدا ؟

انسلت يده وراء الفاترينه الزجاجية، قبض علي اعناق الفئـــــران صاعدا الي القط .. تلاشي وجه الفئران ، تلاشـــي وجه القط ..غابت صلبان – المادلين- طار الغراب …
ترطّب الطابع باللعاب لاكه باسنانه ، لفه بلسانه، شعر بطعم الحبر وزيت السمسم ؟
ألا انه أستمر يعلك بقاياه ، عصره مرات عدة ثم تفل القط والفيران الي الرصيف !!
راي – السنغالي – يكنس الاوراق وبقايا العلك واوراق الحلوي واعقاب السكائر وملصقات التروكاديرو و بقايا الهــــــر والفيران ؟.
كنسها بالمقشة ، دفع بها الي البالوعة فسمع جريان الماء !!
اشرقت عذاري بوزيدون ، عادت الاسماك تلبط في احواض – الكونكورد – والسيا ح يلتقطون الصور التذكارية.
و في الافق اضاءت مصابيح – الشانزيليزيه – قوس النصر –

""

* عن الناقد العراقي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى