أحمد أبو خنيجر - الجنوب.. الجنوب.. قصة قصيرة

كل الدروب تقود إلى الجنوب، المنسي والمهمل في كل زمان ومكان، فقط يتم ذكره عند الكوارث والملمات، تعلو وقتها الأصوات المطالبة بالانتباه له، والعمل على تنميته وترقية أهله، فوران وقتي سرعان ما يطويه التجاهل، ليعود الحال كما هو دائما، من استغلال ونهب للخيرات والثروات؛ لكن ما العمل والبوصلة تشير دوما للشمال.. سيكون السحر والعشق والشبق من نصيب الشرق، والعنف والقتل والدم من نصيب الغرب، ولا شيء للجنوب سوى الإهمال والازدراء والنكت البزيئة، وللشمال كل شيء.. هذا ما يقوله تاريخ البشر على هذه الأرض.
دائما ما تكون الحكومات المركزية قابعة في الشمال الفقير في الموارد، بينما الجنوب عامر بالخيرات ووافر الجمال، هنا لا تفكر الحكومات إلا في نهب ثروات الجنوب واستعباد رجاله وإبعادهم عن كل ماله صلة بالسلطة أو اتخاذ القرار، اللهم إلا إذا كان قائما بالشمال ومخلصا لتوجهاته، حتى حكام الجنوب سوف يتم جلبهم من الشمال؛ وسوف يأخذك العجب من أن مفكرا، يعتبره الكثيرون كبيرا وعظيما، يطلق مقولة لا يتوقف عندها بالفحص والتدقيق العميق، لا يراجعها هو ولا من يرددونها خلفه ومقرين بعظمته، إنه "جمال حمدان" الذي قال موصفا العلاقة بين العاصمة وكل ما يقع خارجها: "رأس كاسح وجسد كسيح" وكأنه يبرر فكرة الاستغلال القامع الذي تمارسه الحكمات المركزية، دون أن يتساءل أو يفتش عن الأسباب الحقيقية والعميقة التي ساهمت، بل الأحرى التي سعت لجعل هذا الجسد كسيحا؛ ألم يكن يكفيه وهو المفكر العميق أن يراجع التاريخ قليلا، ولينظر مثلا إلى تاريخ مصر الإمبراطورية حين كانت في أوج عظمتها وامتدادها المترامى الأطراف، ليعرف أين تحديدا كان موقع الحكومة المركزية وقتها.
لن ندخل هنا في سجال حول كون أيهما أفضل، الشمال أم الجنوب، فكل ما خارج العاصمة يطاله الإهمال والتجاهل، ولا أن نقرر هنا كما ذهبت شواهد التاريخ إلى أحقية الجنوب ودوره العظيم والشواهد الكثيرة الموجودة على أرضه، تلك الشواهد التي تنظر لها حكومات الشمال على أنها مصدر للدخل أهم من البشر الموجودين فوق هذه الأرض، فلا تمد الخدمات إلى تلك المناطق إلا إذا كانت في خدمة تلك المواقع: الأثرية أو التعدينية أو التي تنوي استصلاحها للزراعة.. وغيرها من الأماكن التي تدر دخلا قوميا هائلا، لا يعود منه شيء يذكر على أهل الجنوب يساهم في تنميتهم ونهضتهم وتقديم خدمات تليق بالإنسان ترفع من وعيه ومستوى صحته وتعليمه، المفارقة هنا تكمن في أن القادمين من الشمال لأجل هذه المشاريع أو غيرها سوق يأتون برجالهم وعدتهم وعتادهم، ولن تجد من الجنوبيين إلا القليل جدا والذين سيتم استخدامهم في الخدمات المعاونة والتافهة، رعم وجود عدد هائل من الشباب المتعطلين عن العمل والذين يحلمون بأي فرصة حقيقة للعمل ترتقي بهم وتعمل على رفعة حياتهم؛ أمر آخر يبعث على السخرية، هؤلاء القادمين من الشمال سوف تحرص الحكومات المركزية على عزلهم ن أهل تلك النواحى، ستقوم ببناء مدن تخصهم ومستعمرات سكنية مغلقة عليهم؛ خطورة هذا الأمر أنه سوف يتم النظر إليهم من قبل سكان الجنوب على أنهم نهابين لخيرات بلادهم دون أن يكون لهم نصيبا منها، وسيجد العداء طريقه ممهدا بينهم، خاصة وأن الشمالين سيأتون محملين بالاستعلاء وكونهم الأفضل، والأكثر قدرة على الفهم والعمل والذكاء، وبدلا من أن يتم دمج هولاء القادمين مع الأهالي عبر العمل الواحد والإقامة المشتركة بينهم كى تنشأ بن الجميع أواصر الصداقة والجيرة والتصاهر وغيرها من مظاهر الحياة، سوق يساعدها كثيرا في كسرة الحدة القبلية والعصبية لدى سكان الجنوب، ولتخفت نظرة الاستعلاء والعنصرية التي يتم تبادلها بين الطرفين.
هل علينا أن ننتبه يا سادة لهذا الجنوب؟ أم سيظل الأمر كما هو من الاستغلال والنسيان والتجاهل والازدراء وإطلاق النكات، وترك الظلام والفقر والجهل والمرض لتكون لهما الغلبة ثم نرجع بعد ذلك لنتهم أهل الجنوب بالتخلف ونعده معقلّا من المعاقل التي تخرج المتطرفين.

احمد ابو خنيجر
نشر في البوابة يوم 09 - 12 - 2014

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى