إبراهيم الحسيني - عصير ليمون.. قصة قصيرة


وتنظف فرقة المظاهرات أعيرتها النارية .
- بس بس .
اخترقها همسه المحاذر .
" ده نفس راجل "
- بس بس
اخترقه همسها المحاذر .
" دي ريحة مرة "
رطوبة ,هواء "شايط ",ليل مغبش بضوء شحيح, من لمبة يتجمع عليها ذباب,وحولها ناموس يئز,ماء يهدر من ماسورة مكسورة ,يرتطم ببلاط دورة مياه شبه معتمة ,ينثر رذاذاً علي بدن ذي سمنة خفيفة, عارً إلا من ملابس داخليه مبتلة ومتسخة , يبدل أوضاعه,تارة علي جنبه الأيمن, وتارة علي جنبه الأيسر,ومرات كثيرة يقرفص لاهثا, وحبات عرق تتكاثف علي الوجه والرقبة والذراعين المشعرتين,وصوت نبش يتواصل ساعات وساعات,بينما أقدام حراس تظهر وتختفي وراء نافذتين عاليتين مسيختين.
همس : ازيك؟
همست : ازيك؟
وشوش:تعبتي؟
وشوشت:تعبت؟
أخيرا..أطلا من ثقب ,باتساع العين وطول ذراع, والتقت عينان:
"عين يمين شافت عين شمال ,وعين شمال شافت عين يمين" اختلج نني اسود وسط بياض ناصع , واختلج نني عسلي وسط بياض تتخلله حمرة خفيفة.
"هي أجمل مرة في الدنيا "
" هو أ جمل راجل في العالم "
أحسا بنشوة غامرة وشجن .
- اسمك ايه ؟
- يحيي, وانتي ؟
خفضت همسها : عزة .
- انتي هنا ليه ؟
- ترانزيت .
- رايحة فين ؟
- معرفش
- ممكن اشوف وشك ؟
- ازاي ؟
- ارجعي ورا شوية .
زحفت بمؤخرتها ياردتين, وهي تتنهد لاحت ذقن بغمازتين, وشفتان مكتنزتان , ثم أنف مدبب كبير إلي حد ما, عينان عسليتان,حاجبان رفيعان,جبهةعريضة, خدود بضة في انحدار يدير الوجه ,والشعر أسود مفروق ومخنوق .
واكتمل الوجه بدراً مضيئاً .
علت نبرة همسه قليلا :
- وشك حلو قوي .
اندفعت للثقب مذعورة :
- وطـ صوتك .
- خايفة ؟
- مرعوبة .
- حلي شعرك .
- انت جرئ ؟
- جعانة ؟
- مش قوي ,جعان ؟
- نص ونص .
سيخ متماوج أحاط يحيي مقدمته بمزقة من غياراته الداخلية " يخرفش " الآن ذهابا وعودة في الثقب ,يدفع منهما وإليهما :
- معايا جبنة نستو .
- عندي بقسماط .
- معايا حلاوة طحينية.
- عندي زيتون احضر .
أسندا ظهريهما للجدار وقد باعدا بين سيقانهما ,وامتدت بينهما مائدتان ..
وبمسامعه ينصت يحيي ويري مضغها وبلعها وتكسر البقسماط بين شفتيها ,
وبمسامعها تنصت عزة وتري طحن أسنانه وضروسه وتشدق فكيه .
- خرمانه ؟
- خرمان ؟
يرق الهمس ويشف :
- خدي سيجارة
- هات كبريت
هبت نسمة هواء , قوافل نمل و بق
و صراصير ترعي علي الجدران , حراس ابراج يتناوبون نداء :
- ستة تمام
- سبعة تمام
أشعلا سيجارتين , نفثا دخانهما كثيفا يتلوى في الثقب , وهما يتحسسان جسديهما بشوق وآسى, يتملكهما غيظ وكراهية للجدار .
- ولعتي ؟
- مولعه , ولعت ؟
- لو كان الجدار ينهد .
- لو كانت القيامة تقوم .
- وريني وشك .
تراجع يحيي بمؤخرته بلاطتين ,لتتأمل عزة منابت شعر الذقن والشارب, و شفتين غليظتين ,وانف مفرطح يعلوه تقطيبه بين حاجبين كثيفين, وندبة أسفل عينه اليسرى.
- علي صوتك
- قرب
- ابعدي
- نفسك سخن
- أقفي
- هنا
- قلبك بيدق
- إيدك خشنه
- ارجعي سنة كمان
- كده
- سنة يمين
- هنا
- لأ..سنة شمال
- شايف
- لفي
- حلوة
- زي القمر
- حاسس
- اقلعي
- الحرس
- ما تخافيش
- اقلع
- قالع
- قرب
- ابعدي
- ابعد
- قربي
خرير ماء محلي بالسكر ينهمر من فتحة قرطاس ورق مقوي ,يتلقاه يحيي
في كباية بلاستيك حمراء ,يشطر ليمونة بأسنانه يعصرها ثم يعيد نصفه إليها .
- في صحتك
- في صحتك .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى