حميد نعمة عبد - أسى.. قصة قصيرة

زوجتي غريبة عني، فهي لم تعرف شيئا عن طفولتي وصباي ، ولا اعتقد انها ستعرف مهما حاولت أن أوضح لها . بل حتى لو قرأت لها حياتي سطرا سطرا . فهي لن تدرك ماذا تعني لي تلك الطفولة البريئة المعذبة العذبة ، القاسية اللدنة . لم يكن بامكاني أن أفسر لها ماذا يعني ان يحتويني الشارع منذ طلوع الشمس حتى المغيب . ولا مبلغ سعادتي حين اجلس بين اقراني في الشمس وتحت المطر . كما لا يمكنني ان أقول : ان حياتي قبلها كانت أكثر تحررا وشفافية وعذوبة وجمالا وأن اشباعها لرغباتي لاتعدو ان تكون لحظات زائلة .
ولكن في هذا الصباح الذي يبدو جميلا حيث الشتاء ، ورذاذ المطر الخفيف ينساب على هيئة خيوط على زجاج النافذة ، وعصفوران على غصن شجرة مجاورة ينتفضان بسعادة واطمئنان سألتها ..
_هل يذكرك هذا المطر بشيء ؟
فقالت دون تردد وشفتاها تلتصقان على زجاج النافذة :
_بايام ألطفولة .حين كنا نمد رؤوسنا خارج النافذة لترشقنا تلك القطرات فنضحك بكل ما اوتينا من قوة .
_هل ان تلك ألايام هي الأجمل ؟
_على ألآطلاق !
فقلت وأنا اداري كبريائي التي خُدشت :
_وأيامنا ؟
_ايضا جميلة ….ولكن
_ماذا؟
_لاِ شيء.
_هل تشعرين بالغربة وأنت معي ؟
_……..
كانت الآمطار تتكاثف . وفي عينيها تساؤل ممض ويحتمل أن يكون عتابا أشعرني بحزن كثيف .. بل شعرت أن قوة ما أخذتني من قفاي لتقذفني من فوق السحاب . أختنقت، تيبست حنجرتي وصعد السعير إلى أنفي . كان بودي أن أبكي أو أتلاشى ، أن أقول يا ألهي ..
أن اعانقها ، أن أعتذر لها ، أن أضرب رأسي بالجدار . أن اتنفس بعمق ، أن أقول لها ما لم أقله. أحسست أني عذبتها كثيرا ، بل سرقت منها أجمل سني عمرها . سرقتها ثم أحرقتها ببرود كما يفعل أي لص حين يحرق شهادة ميلاد . كنت مسلوبا وانا أحدق في عينيها الكابيتين وأبتسامتها الصفراء ووجهها ألذي بدأ يصغر...




د. حميد نعمة عبد



* عن
د. حميد نعمة عبد : أسى

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى