إبراهيم محمود - بورتريهات للطغيان

أما أنا، فأقول إن الحرب هي القاعدة في تاريخ البشرية، والسلم استثناء، وكل حديث مباشر أو غير مباشر، عن هدنة، أو مصالحة، ليس أكثر من استعداد آخر للدخول في حرب جديدة، حرب لم تتوقف مذ كانت البشرية. يكون السلْم لقيطاً معدوم القوة لحرب تلو أخرى .
لهذا لست مقتنعاً أن إخراج آدم " العاصي " كما جرى وصفه في النص الديني، من جنة يقال فيها الكثير، تمَّ، ليعمّر أرضاً، إنما ليترجِم طغياناً مرسوماً. لهذا لا أرى في أي حديث عن تكريمه من قبل ملائكة يسجدون له، إلا الإعلام الأول الذي يخفي رعباً، إذ كيف يكون الطريد المحكوم بالفشل الغيبي المزعوم قادراً على عمران، وهو الضحية الكبرى؟ كيف يكون في وسع هذا العاصي، جرّاء ثمرة، لا أدري ما هو اسمها، وأنا أتصور هنا هول العقاب الإلهي، وبالمقابل، ثمة شعوب تباد، جماعات تقطَّع أوصالها، أو طوائف توضع في محميات، ويُنال منها بصيغ شتى،دون أي محاسبة للجناة.
أما أنا، فأقول أن إيجاد الشيطان ليحمَّل وزر البشرية جمعاء، ليكون " ملعوناً- رجيماً "، بينما مبتكر الخطأ ومؤبّده، في المرجعية الدينية في السموات العلى، ما كان له أن يكون، إلا للنظر دائماً في الاتجاه الخاطىء، واستمراء للخطأ باستمرار .
أما أنا، فأرى أن فكرة الخليقة القائمة على " جنحة " كونية، لم أجد لها تفسيراً مقنعاً، أو تأويلاً يهدّىء أنا من روعي، حيث أكون من جهة النسب، حفيد آدم العاصي، وحواء المنكوبة بضلع آدمي مشكوك في خلوّه من " العاهات "، وقابيل القاتل الأول في روزنامة البشرية، وفي " رقبته " جريمة قتل في حق عم البشرية جمعاء: هابيل . أرى أن ذلك، يزيد في بلبلتي من الداخل، ومن هنا، يكون عنف المردود، إن تحرّيت ما يجري هنا وهناك .
أما أنا، فأقول عن أنه قبل أن أكون برغياً في العجلة الامبريالية، أو عصا ضاربة بيد هذا الطاغية أو ذاك، أو تمثيلاً لقانون مؤسساتي مزعوم مرهوب الجانب، علي أن أوجّه الأنظار إلى مَن مهَّد لكل ذلك، وهو أنني دينياً، كما يُرى، ويقرَأ، ويُسمَع، ويُتأكَّد عليه، محكوم علي إلى الأبد، في أن أكون المشبوه، المشكوك في أمره. أليست جبلَّتي هي المعنية بالسؤال عمَّن جعلها هكذا؟ لماذا أكون محكوماً بجريرة آدمية، أو بجرم " لوثة " حوائية مقدَّر عليه إلى " يوم الدين "، فلا يعود الصُّلب سوى الصَّلْب، والترائب سوى العواقب. أي قانون عشائري غيبي هذا ؟
أما أنا، فأقول، عن أن وجود الإنسان بالطريقة التي يعرَّف بها حتى الآن، كان زلَّة كونية، أن ليس في مقدور أي كان، تأكيد أن ثمة نباتاً ساماً، ثمة حيواناً " مفترساً "، ثمة مادة صلبة، مسنَّنة، ثم عنصر طبيعي، يمكن مقابلته بما جرى ويجري من خراب وتخريب، من فساد وإفساد، بالحجم الكارثي الذي يتنفذ كونياً من خلال الإنسان الذي أنتمي إليه، وأنا أعيش طغيانات بالجملة، أعيشها في الاسطقسات الأربعة هنا وهناك .
أما أنا، فأقول عن أن البشرية ليست سوى تاريخ العار الكوني، وأنا أرى من الدماء المسفوكة أكثر مما أرى من ينابيع ماء تتدفق من باطن الأرض، أرى من العنف اللغوي، والسلوكي، أكثر من حرارة المصافحة، وأن الخطأ الحاصل لا يُستدرَك. حيث كل ما يُكتب، ويتردد من أقوال داخل في نطاق الطغيان، إفصاحاً عنه، أو تخوفاً منه. أعلي في الحالة هذه أن أركن إلى نفسي، وأؤانس نفسي، وهي الأمارة بالسوء، والموسوسة، كما صوّرت لي، أكثر من اعتبارها المطمئنة، فهل من حرب ضروس تقوم بي وعلي وفيّ، أكون محكوماً بها، ومطحوناً بها، طاغيتها وضحيتها، أموت مراراً وتكراراً بها؟


إبراهيم محمود

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى