عبد الله مسعود - بداية للخطو ليوم ما، رغم المسافة.. قصة قصيرة

تمتد يده الصغيرة الباردة لتستشعر حنان الفراش المجاور ، تجده دافئاً.. رغم كونه خالياً. لا تزال يده تتحسس الفراش، وعيناه المفتوحتان موجهتان ناحية الجدار المقابل للغرفة. حمل جسده الضئيل, ولا تزال بقايا الليلة الفائتة عالقة بعينيه الصغيرتيّن. يحاول الآن إفراغهما بدعكهما بقبضتي يديه. يغادر الغرفة وهو مستمر في محاولته ، يفرغ ما تبقى من ليلة مرت، حتى وصل إلى نهاية (الليوان) . يدلف إلى حجرة ضيقة يتقدم فيها خطوتين ، لم يغلق الباب خلفه ـ ربما أعتاد على ذلك ـ وينزل سرواله القصير بقدر حاجته لذلك. يستمر في ذلك ثوان ، ثم يعيد سرواله سيرته الأولى.

* * *
الرؤية الآن أكثر صفاءً رغم أن الشمس لم تستفق بعد ، ربما لكونها تحب النوم الدافئ مثله هو.

ثمة دجاج يلتقط ما تبقى من فتات عشاء الأمس في (الحوش). وقطته البيضاء تمط جسدها لتجعله أكثر استطالة لكي ما تنفض عنها ثقل ليلتها المنصرمة .وأصوات الطيور فوق شجرة(السدر) بدت أكثر صدوحاً.

تقدم بعينيه إلى زاوية في (الحوش) كانت هناك حمرة تفاحية على وجنتيها وهي تقوم بحركاتها المتواترة الدؤوبة، وهي تحرك (السقا) المثبت بشكل طوليّ على وتد يتدلى من ثلاثة أعواد خشبية تتخذ شكلاً هرمياً. وهي لا تزال دؤوباً جادة في عملها ككل صباح. بعد فترة تتوقف عن حركاتها .ثم تخرج من فم (السقا) الزبدة التي ترسم في عينيها سروراً كبيراً بحجمها. فقد اعتادت أن تجمع الزبدة خلال أيام الأسبوع لتحولها يوم الجمعة لسمن شذي، تتقاضى عنه في يدها مبلغاً ليس بالقليل.

تفرغ اللبن الآن في وعاء وتحكم إغلاقه . ثم تأخذ (السقا) وتغسله جيداً وبإتقان نظيف ثلاثاً في الأخيرة تضيف إليه الملح، وتملؤه بهواء رئتيها ، وتعلقه في أحد فروع (السدرة) انتظارا ليوم قادم.

* * *
الآن أدركت الشمس الصباح، وهو لا يزال يحتضن قطته البيضاء، وعيّناه تحاولان الوصول إلى يوم مجهول. تقدمت نحوه وهي تحمل قنينة لبن . غادر هو (الحوش) ينما توجهت هي إلى المطبخ لإعداد الإفطار إلى حين عودته لربما عاد بخبزٍ ساخن يكمل مائدة الإفطار.

* * *
في الضحى أخذته في يدها لتجتاز الحارة عبر الوادي إلى المزارع فهناك يحصدون هذا النهار (الصيف) ففي مثل هذا الموسم يقتلعون البر والشعير وسائر الحبوب ، فيجففونها ثم تفصل العيدان إلى (غفة) وسنابل تداس لإخراج الحبوب . فهو يعرف كل هذه الخطوات جيداً، وألفت أذنه هذه المصطلحات ، فقد قدم إلى هنا العام الماضي. واستمتع مع أترابه بشي السنابل وصنع الصفارات من أعواد الشعير.كان سعيداً بذلك ،وهو الآن أسعد لكونه يستطيع المساعدة في الحصاد فهو الآن أكثر قوة من عام مضى.

* * *
عادا الآن فرحيّن هو بصفاراته التي صنعها من أعواد الشعير وهي (بالخضّارة) التي أعطيت إياها مكافأة لمساعدتها في الحصاد. بها أمنت عشاء البقرة التي تجود عليهم بالزبدة والسمن الشذي والحليب واللبن و(الكامي) ، وتدر في النهاية نقوداً ليست بالقلية حتى تصله معها ليوم تنتظره بصبرٍ جميل.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى