ستيفن كينج - حياة أخرى.. ج1 - قصة قصيرة - ترجمة : محمد عبد العزيز

مات (ويليام أندروز)، الذي كان يعمل كمستثمر بنكي في مؤسسة (جولدمان ساكس) الكبرى، في فترة بعد الظهر من يوم 3 سبتمبر 2012م.

الوفاة متوقعة. كانت زوجته وأطفاله موجودين إلي جانب فراشه في ذلك المساء، وعندما انفردت الزوجة (لين أندروز) بنفسها أخيرًا، بعيدًا عن التيار الرتيب للزيارات العائلية وتعازي الزوار، قامت بالاتصال بأقدم صديقاتها (سالي فرايمان)، التي كانت لا تزال تعيش في (ميلووكي).

(سالي) هي من عرفتها علي (بيل), ولو كان هناك من يستحق معرفة تفاصيل آخر ستين ثانية من حياتها الزوجية التي استمرت لثلاثين عامًا، فسيكون هذا الشخص (سالي).

-“كان غائبًا عن إدراكه طيلة الأسبوع الماضي –بسبب الأدوية أعتقد- لكنه بدأ يفيق قرب النهاية، كانت عيناه مفتوحتين، رآني، فابتسم، تناولت يده بين أصابعي، فاعتصرها لوهلة، انحنيت عليه وقبلت خده، عندما اعتدلت ثانية, كان قد رحل!”، كانت تنتظر لساعات لتقول هذه الكلمات، وعندما قالتهم، انفجرت بالبكاء.

♦♦♦♦♦♦♦

افترضت أن الابتسامة أمر طبيعي, لكنها كانت مخطئة للأسف!

عندما نظر لزوجـته وأولاده الثـلاثـة, بدوا له طويليـن للغاية، كائنات ممتلئة بالصحة تسكن عالمًا هو الآن علي وشك مغادرته.

بدأ (بيل) يشعر بأن الألم الذي لازمه طيلة فترة الثمانية عشر شهرًا السابقة يغادر جسده, كأنه سائلًا ينسكب من دلو, فابتسم.

مع اختفاء الألم، لم يعد باقيًا كثير من الوقت له، شعر بجسده خفيفًا كأوراق تطير مع النسيم، زوجته تلتقط يده، تتنازل وتمد يدًا من ذلك عالم البعيد الممتلئ بالصحة.

كان يستبقي لديه قليلًا من القوة بجسده، والآن استهلكها في اعتصار أصابعها بين أصابعه، انحنت فوقه، وتوقع أن تقبله.

قبل أن تلمس شفتاها جلده، ظهرت فجوة في مركز بصره،لم تكن فجوة سوداء، وإنما بيضاء، وأخذت في الانتشار، لتطمس تفاصيل العالم الوحيد الذي عرفه منذ عام 1956م، عندما وُلـد في مستشفي مدينـة (هيمينجفورد) الصغيرة بـ (نبراسكا).

أثناء العام الأخير، قرأ (بيـل) الكثير عن المـرور من الحياة للموت، (علي جهاز الكومبيوتر الخاص به، مع الاهتمام الشديد بمحو تاريخ المتصفح، لكي لا يزعج (لين)، التي كانت متفائلة باستمرار وبشكل غير واقعي علي الإطلاق)، علي الرغم من أن معظم ما قرأه بدا له مجرد هراء، إلا أن ظاهرة (الضوء الأبيض) بدت له أكثر تلك الأشياء جدارة بالتصديق.

السبب الأول، هو أنهـا كانت موجـودة في كـل الثقافات.

الثاني، أنها حملت مسحة بسيطة من مصداقية العلم؛ اقترحت نظرية قرأها أن الضوء الأبيض يأتي كنتيجة لتوقف سريان الدم المفاجئ للمخ، في حين اقترحت نظرية أخرى أكثر أناقة أن المخ يقوم بعملية مسح شاملة، في محاولة للعثور علي خبرة شبيهة بالموت، أو ربما يكون الأمر أشبه بإطلاق ألعاب نارية كمرة أخيرة.

أيًا كان السبب، فإن (بيل أندروز) يمر الآن به، الضوء الأبيض يطمس علي عائلته والغرفة بمحتوياتها كاملة والتي بعد دقائق سيدخلها مساعدو المشرحة لينقلوا جسده الخالي من الروح، أثناء الأبحاث التي قام بها، أصبح معتادًا علي مصطلح (NDE) أو (Near Death Experiment) أو تجربة (الاقتراب من الموت)، في العديد من تلك التجارب، يصبح الضوء الأبيض نفقًا، وفي نهاية هذا النفق يقف من يشير للقادم الجديد في ترحاب، أحيانًا يكون الواقف أفراد العائلة الراحلين، وأحيانًا يكونون أصدقاء مقربون، أو ملائكة، أو المسيح، أو أحيانًا الإله الرحيم نفسه.

لم يتوقع (بيل) وجود أية مجموعات في انتظاره لترحب به، ما توقعه هو أن تخفت تلك الألعاب النارية الأخيرة وتضمحل حتى تختفي في كنف ظلام النسيان، لكن هذا لم يحدث!

عندما خفت اللمعان، لم يجد نفسه في الجنة أو في الجحيم، وإنما وجد نفسه في رواق!

افترض أنه “المطهر” (أو “الأعراف” في الثقافة الإسلامية)، فرواقًا مطليًا باللون الأخضر ومفروشًا بقراميد متسخة علي الأرجح لن يكون إلا مطهرًا، لكن هذا طبعًا في حالة استمرار هذا الرواق للأبد، لكن الرواق الذي يسير فيه انتهي بعد ستة أمتار عند عتبة باب، وكان معلقًا علي هذا الباب لافتة مكتوبًا عليها:

– المدير: (اسحق هاريس).

وقف (بيل) مكانه لبضع لحظات، متفقدًا نفسه، ليجد أنه يرتدي البيجامة التي كان يرتديها قبل وفاته (علي الأقل افترض أنه توفي)، يسير حافي القدمين، لكن لم تكن هناك أية علامة تشير للسرطان الذي تلمس طريقه في جسد (بيل) ببطء في البداية، قبل أن ينهشه حتى صار مجرد هيكل من عظام مكسو بالجلد.

شعر أنه عاد لوزن الـ (86) كجم، والذي كان وزنه الطبيعي قبل أن يهاجمه السرطان بشراسة، مد يده يتحسس مؤخرته وأسفل ظهره، ليجد أن قرح الفراش اختفت، وهو ما يمثل شيئًا جيدًا.

أخذ نفسًا عميقًا وأخرجه دون كحة، وهو ما يمثل شيئًا أفضل.

سار لوهلة عبر الرواق الطويل، وكان علي يساره مطفئة حريق معلقة، وفوقها كانت لافتة غريبة مكتوبًا عليها:

-متأخرًا أفضل من ألا يحدث علي الإطلاق!

علي يمينه، كانت هناك لوحة إعلانات، وعليها كانت معلقة العديد من الصور الفوتوغرافية القديمة الطراز ذات الحواف المزخرفة، وكانت مثبتة مكانها علي اللوحة بدبابيس، وفوق اللوحة كان هناك شعارًا مطبوعًا يدويًا، يقول:

- نزهة الشركة الخلوية عام 1956! كم مرحنا وقتها!

تفقد (بيل) الصور، والتي أظهرت المديرين والسكرتيرات، وموظفي شئون العاملين بالشركة، بالإضافة لمجموعة من الأطفال التي تلعب بحماس مبالغ فيه وهم مغطون بالآيس كريم، وكان هناك بضعة رجال يعدون الشواء، أحدهما يرتدي قبعة الشيف الطويلة الأبدية، علي حين قام بعض الرجال والفتيات بإلقاء حدوات الخيول، أو يلعبون الكرة الطائرة، أو يسبحون في البحيرة،كان الرجال يرتدون مايوهات سباحة قصيرة للغاية وضيقة بمقاييـس القرن الحادي والعشرين، لكن القليلين منهم كان لديهم كرشًا.

الهوت دوج يتم شويه في مكانًا ما، والبيرة تُوزع علي الجميع، الكل بدا وكأنه يستمتع بوقته فعلًا.

في واحدة من تـلك الصــور رأى والــد (ريتشي بلانكمور) وهو يناول (آن ماري وينكلر) قطعة من المارشميلو المشوي، وهو ما كان شيئًا سخيفًا، لأن والد (ريتشي) كان سائق شاحنة، وبالتأكيد لم يذهب أبدًا لإحدى نزهات الشركة في حياته.

(آن ماري).. هي فتاة اعتـاد علي مواعدتها عندما كان بالجامعة!

في صورة أخري رأى (بوبي تيسدال)، أحد زملاء دراسته بالكلية في أوائل السبعينيات، والذي كان يسمي نفسه (تيزي الساحر)، والذي مات جراء نوبة قلبية هاجمته وهو في الثلاثينات من عمره،كان علي الأرجح موجودًا في عام 1956م، لكنه كان وقتها بالتأكيد في الحضانة أو الصف الأول الابتدائي علي أقصي تقدير، وليس من ضمن أولئك الذين يحتسون البيرة علي شاطئ تلك البحيرة الموجودة في الصور والتي لا يعرف اسمها حتى الآن!

لكن (تيزي الساحر) في تلك الصور بدا شابًا في العشرينات من عمره، وهو السن الذي عرفه فيه (بيل)!

في صورة ثالثة، كانت والدة (إيدي سكاربوني) تلعب الكرة الطائرة، (إيدي) كان أفضل أصدقاء (بيل) عندما انتقلت العائلة من (نبراسكا) لـ (باراموس) بـ (نيوجيرسي)، وكانت (جينا سكاربوني)، والتي شاهدها للمحة خاطفة لمرة تأخذ حمامًا شمسيًا وهي لا ترتدي شيئًا إلا سروالًا خفيفًا أبيض اللون، كانت واحدة من أكثر النساء التي مال (بيل) إليهن عندما كان في مرحلة الاستمناء في مراهقته.

الرجل الذي كان يقوم بالشواء هو (رونالد ريجان)!

حدق (بيـل) النظر، لدرجة أن أنفه يكاد يلتصـق بالصورة ذات الألوان الأبيض والأسود، ولم يعد هناك أدني شك فيما يراه،كان الرئيس الرابع عشر للولايات المتحدة الأمريكية يقوم بتقليب الهمبرجر في نزهة الشركة الخلوية.

أية شركة تلك علي أية حال؟! وأين يوجد (بيلي) بالتحديد في هذه اللحظة؟

نشوته لكونه كاملًا مرة أخري وخاليًا من الألم بدأت تضمحل، ويأخذ مكانها شعورًا ممضيًا بالتشوش وعدم الارتياح، رؤية أولئك الأشخاص المألوفين له في تلك الصور لم تبد منطقية، وفكرة أنه لا يعرف معظمهم لم تقدم له إلا الحد الأدنى من الشعور بالراحة،نظر خلفه، ورأى درجات سلم تقود لبابًا آخر،وعلي ذلك الباب كان مطبوعًا بحروفٍ حمراءٍ ضخمةٍ:

-مغلق!

هذا لا يترك إلا مكتب السيد (اسحق هاريس)، سار (بيـل) حتي هناك، تردد قليلًا، قبل أن يحسم أمـره ويدق!

-“الباب مفتوح”؟

دلف (بيل) للمكتب، وبجانب المكتب الفوضوي وقف رجلٌ بملابس واسعة، يرتدي بنطال بدلة بحمالات، وكان شعره البني ملتصقًا بجمجمته ومفرقًا من المنتصف، وكان يرتدي نظارات دون إطار،كانت الجدران مغطاة بالفواتير واللوحات الفنية الرخيصة التي ذكرت (بيل) بشركة النقل بالشاحنات والتي كان يعمل بها والد (ريتشي بلانكمور)، لقد ذهب هناك بضعة مرات مع (ريتشي)، وكان مكتب إرسال البرقيات يبدو هكذا.

طبقًا للنتيجة المعلقة علي الحائط، كانوا في مارس 1911م، والذي لم يكن منطقيًا أكثر من موضوع عام 1956م، وعلي يمين (بيل) بينما كان يدخل، شاهد هناك بابًا، وعلي يساره بابًا آخر، لكن لم تكن هناك أية نوافذ، وإنما أنبوبة زجاجية تخرج من السقف لتتدلي فوق سلة غسيل،كانت السلة تمتلئ بكومة من الأوراق الصفراء، والتي بدت كأنها مزيدًا من الفواتير، أو ربما ملحوظات للتذكير بأمورٍ ما لفعلها.. تكومت الملفات مكومة بطول قدمين علي الكرسي المواجه للمكتب.

-أنت (بيل أندرسون)، أليس كذلك؟

اتجه الرجل لخلف المكتب وجلس، غير مهتم بأن يعرض علي (بيل) أن يتصافحا بالأيدي.

-أندروز!

-صحيح، وأنا أدعي (هاريس)، ها قد أتيت مرة أخري يا (أندروز)!

مع كل ما عرفه (بيل) عن الموت، فقد بدا ذلك التعليق منطقيًا في الواقع، وكان مريحًا، مادام لن يعود للحياة مرة أخرى في صورة خنفساء أو ما شابه.

-إذن فهذا هو تناسخ الأرواح؟ هل هذا هو ما يحدث؟

تنهد (اسحق هاريس):

-أنت تسأل دومًا نفس السؤال، وأجيبك بنفس الاجابة: “ليس حقًا”.

-“أنا ميت.. أليس كذلك؟

-هل تشعر بأنك كذلك؟

-لا، لكنني رأيت الضوء الأبيض.

-أوه، نعم، الضوء الأبيض الشهير.. كنت هناك، وصرت هنا، انتظر لدقيقة، أمسك السماعة..

مر (هاريس) سريعًا بعينيه علي الأوراق الموجودة علي مكتبه، لكنه لا يعثر علي ما يبحث عنه، فيبدأ في فتح الأدراج، من أحد تلك الأدراج يأخذ المزيد من الملفات وينتقي أحدها، يفتحه، ثم يقلب صفحة أو اثنتين، قبل أن يومئ برأسه قائلًا:

- فقط أذكر نفسي، كنت مستثمرًا بنكيًا، أليس كذلك؟

- نعم.

- زوجة وثلاثة أطفال؟ صبيان وفتاة؟

- صحيح.

- المعذرة.. لدي المئات من المهاجرين، ومن الصعب حفظ كل تفاصيلهم.. أظل راغبًا في جمع تلك الملفات مرتبة، لكن تلك الأمور تحتاج لسكرتيرة في المقام الأول، وبما أنهم لم يزودوني بواحدة.

- من هم؟

- لا توجد لدي فكرة..كل الاتصالات تتم عبر الأنبوب.

دق فوق الأنبوب بيده، فتمايل هذا الأخير مع لمساته، يعمل بالهواء المضغوط.. أحدث التقنيات التي ظهرت.

التقط (بيل) الملفات الموجودة علي كرسي الزوار الموضوع أمام المكتب، ثم نظر للرجل الجالس خلف المكتب مشدوهًا..

“فقط ضعها علي الأرض”، حدثه (هاريس)، “سيكون هذا كافيًا في الوقت الحالي، في يوم من الأيام سأقوم بترتيب كل شيء، لو أن هناك أيامًا فعلًا، وهو ما أعتقده، لكن من يمكنه أن يكون واثقًا من أي شيء هنا؟ لا توجد نوافذ كما لابد أنك لاحظت، كما لا توجد ساعات”؟

جلس (بيلي)، وسأله:

-لماذا تدعوني مهاجرًا؟ مادام هذا ليس تناسخ أرواح؟

تراجع “هاري” في مقعده، ووضع يده خلف عنقه، نظر نحو أنبوب الهواء المضغوط، والذي ولابد كان أحدث تقنية في وقتٍ ما.. 1911م مثلًا، علي الرغم من أن (بيل) يعتقد أن تلك الأشياء كانت لا تزال قيد الاستخدام في عام 1956م.

هز (هاريس) رأسه وضحك ضحكة مكتومة، ليس باستمتاع عمومًا، وهو يقول:

-لو أنكم فقط تعرفون كم أنت مملون، فحسب الملفات، تلك هي زيارتنا الخامسة عشر.

-أنا لم أر هذا المكان في حياتي!

أجابه (بيل)، قبل أن يفكر قليلًا ويستطرد:

-لكن هذه ليست حياتي، أليس كذلك؟ أهي حياتي الأخرى؟

-في الواقع، هي حياتي أنا الأخرى، وأنت الزائر هنا، وليس أنا! أنت وبقية المهرجين الذين يتبخترون داخلين وخارجين من هنا، ستستخدم أحد الأبواب للخروج، بينما أبقي أنا هنا، لا يوجد حمام هنا، لأنني لم أعد أحتاج إليه، فلم أعد أحتاج لتلبية نداء الطبيعة بعد الآن، ولا توجد غرفة نوم، لأنني لم أعد أنام،كل ما أفعله هو الجلوس هنا وانتظار زيارات المهرجين المتنقلين أمثالك، تدخلون، تسألون نفس الأسئلة، وأعطيكم نفس الإجابات، هذه هي حياتي الأخرى، مشوقة للغاية، أليس كذلك؟

قرر (بيل)، والذي صادف كل أنواع النهايات الممكنة حسب مختلف المعتقدات خلال أبحاثه الأخيرة، أنه قد فهم ما يحدث من حوله أخيرًا.

-أنت تتحدث عن المطهر (الأعراف)، أليس كذلك؟

-أوه، دون شك، السؤال الوحيد الذي أملكه هو كم من الوقت سألبث هنا،كنت لأحب أن أخبرك أنني سأجن لو لم أنتقل من هنا، لكن للأسف علي الأرجح ليس بوسعي أن أجن بقدر ما ليس بوسعي أن أنام أو أقضي حاجتي، أعرف أن اسمي لا يعني لك شيئًا، لكننا ناقشنا هذا من قبل، ليس في كل مرة ظهرت فيها، لكن في عدة مناسبات.

لوح بذراعه بقوة كانت كافية لجعل بعض الفواتـر المتراصة علي اللوحة ترفرف مكانها:

- هذا المكان يعتبر بمثابة مكتبي الأرضي.

- في عام 1911م.

- غالبـًا، كنت لأسألك لو كنت تعـــرف مـا هــو الــ (Shirtwaist) يا (بيل)، لكن بما أنني أعرف أنك لا تفعل، فسأخبرك ما هي: بلوزة حريمي، في بداية القرن، امتلكنا أنا وشريكي (ماكس بلانك) مصنع بلوزات الوسط المثلثة (Triangle Shirtwaist)، وكانت صناعة رابحة، لكن دعني أخبرك أن النساء اللاتي عملن بالمصنع كن مزعجات بشكل لا يطاق، يتسللن طيلة الوقت للتدخين، أو الأسوأ، كن يسرقن أشياء من المكان،كن يأخذن ما يمكن وضعه بحقائبهن، أو يخفين ما يمكن إخفاؤه تحت تنوراتهن، لهذا كنا نغلق عليهن الأبواب أثناء ساعات العمل، وكنا نقوم بتفتيشهن عند الرحيل، سأختصر القصة لأخبرك أن المصنع اللعين شب به حريق في أحد الأيام، وتمكنت أنا و (ماكس) من الهروب عن طريق الذهاب للسطح والخروج من سلم الحريق، لكن العديد من السيدات لم تكن بذلك الحظ!

سنكون موضوعيين ونقول أن هناك العديد من الملومين، فبعد كل شيء، كان التدخين ممنوعًا بداخل المصنع، لكن العديدات منهن كن يقمن به علي أية حال.

سيجارة.. هي ما بدأ الحريق، كما صرح قائد قوات الإطفاء، تم تقديمي أنا و(ماكس) للمحاكمة بتهمة القتل الغير متعمد، وتمت تبرئة ساحتنا.

تذكر (بيل) مطفئة الحريق الموجودة بالردهة، والتي كان معلقًا فوقها لافتة:

- متأخرًا أفضل من ألا يحدث علي الإطلاق!

فكر (بيل):

- لابد وأن إعادة المحاكمة أدانتك يا سيد (هاريس)، وإلا لم تكن لتكون هنا!

- كم سيدة ماتت بالحريق؟

“146 سيدة”. أجابه (هاريس)، “وأنا أندم لوفاة كل واحدة منهن يا سيد (أندرسون)”.

لم يتعب (بيل) نفسه بتصحيح الاسم، منذ عشرين دقيقة كان يحتضر علي سريره بالمستشفي، والآن هو يستمع مبهورًا لتلك القصة القديمة التي لم يسمعها من قبل أبدًا، بقدر ما يتذكر علي الأقل.

(يتبع)


* منقول عن:
(ستيفن كينج): القصة القصيرة (حياة أخرى) جـ 1 - لأبعد مدى

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى