عبدالله البقالي - حديث البحر و المدينة

هناك، على بعد أمتار قليلة تلوح لك المدينة .تستطيع من هذا المكان ان ترى البنايات والاشجار , و ان كنت حاد البصر، تستطيع ان تتبين الناس حاملين أغراضهم و هم يمضون في سبل شتى. . لكنك مع ذلك لا تستطيع ان تدخل المدينة. اذ على بعد سنتمترات قليلة يمتد شئ غير مرئي، لكنه افصح من كل المرئيات . شئ يفهمك مهما كنت عسير الفهم ان هذا العضوالذي هو من جسدك ليس لك. ان هذا الامتداد الذي يتغذى من دمك مملوك لغيرك تصعقك الحقيقة. تحني رأسك أسفل الحاجز الصخري الذي يكسر حركة الموج. الماء صاف. سمكات تسبح. انواع كثيرة. وعلى بعد يسير تلوح سفينة ضخمة .تتحرك في مجال محسوب. تتوقف .ماذا تنتظر ؟ ربما هفوة من هذه الاسماك كي تحملها بعيدا.
ترفع رأسك من جديد. تلوح المدينة غارقة في صمتها كعروس سبيت ليلة زفافها . كخرساء لم تجد لغة تسع همها فلاذت بالصمت. المدينة قريبة، هكذا تبدو. لكنها بعيدة بعيدة. ابعد من واقع عن حلم شقي عاشق لم يجد ما يهدي لمحبوبته غير خيالات واحلام اصر انبلاج الصباح على تبديدها. لكن المدينة هي ايضا عاشقة.هكذا قالوا، الا انها ابليت بعاشق لا يفهم فك رموز التلميح . وحين أعياها الانتظار، توجهت للبحر شاكية. قالت المدينة للبحر : يا سيدي البحر . انا الضيق و انت الرحابة , انا الحبيسة وانت الطليق , انا الهامدة وانت المتحرك، فهلا منتحتني بعض شساعتك كي اودع فيها بعض غمي ؟
تعجب البحر و قال : ما الامر ايتها المدينة ؟
ـ مكروبة يا بحر .
اندهش البحر واجاب : كيف امكن ذلك وانت التي لم يستطع انصباب الزمن فيك ان يغطي قعر قدحك ؟
ـ هراء ذلك يا بحر . تراتيل لصلاة في معبد قديم أفتى رهبانه ان تظل ابوابه موصدة الى الابد.
ـ لكن اصواتهم قوية ، واعترف بيني ويبينك انها ترهبني .. تعكر علي صفوي ومزاجي . ـ ماذا اجدى ذلك وانا الاسيرة ؟
ـ زلزلي جدران الدير وبعدها ستتدفق الضياء داخله .
ـ اخشى على عيونهم التي الفت الظلمة ان تعميها الأنوار التي ستتدفق فيها فجأة .
ـ ماذا تريدين مني اذن ؟
- ان تضرب بامواجك القوية جدران الدير لعل صوت ارتطامها يطغى على تراتيلهم فيدركون ان الحياة هنا خارج الدير .
صمت البحر فقالت المدينة :مابك يا بحر ؟
قال البحر بخنوع : أأستطيع ذلك وانا المستباح؟
انذهلت المدينة وقالت : أأنت أيضا وقد حسبتك المتجبر ؟
ـ انت آخر من اعتقد اني لازلت متجبرا .
ـ لكنك باستمرار تبتلع الافلاك والقوارب و البشر
ـ صحيح اني انهيت و سانهي لفظ انفاس كثيرة في رحابي، لكن عليك ان تعي ان غرق اولئك الحقيقي بدأ هناك,، في البر . لم تصدقي ؟ انظر الى هناك. شاهدي تلك الاعلام من كل الالوان. لاحظي اولئك المصرين على تجريد احشائي من كل انواع الحياة .
قالت المدينة مقاطعة : امنعهم يا بحر .
قال البحر : ولماذا لم تمنعي انت من جعلوك غريبة داخل جسدك ؟
صمتت المدينة فسكن البحر. وعند أبعد نقطة حيث يلوح تقاطع السماء مع البحر نطت الشمس للأعالي . ومع اشعتها الاولى لمحت الحزن يعلو وجه البحر والمدينة فقالت معاتبة : هذا جزاء من يخوض في شؤون من اختصاص البشر .
قال البحر : لكننا احياء
. اضافت المدينة : نحن اوصال تمتد فيها شرايين الوجود .
اجابت الشمس : لا تنسيا انكما مجرد شهود .
قالا : عن اي شئ ؟
ـ عن العطاء و الجحود . وليفهم ذلك الذي يسترق السمع هناك ان لا احتجاج البحر ولا غضب المدينة قادران على مسح الحزن من نظرته .و ليبلغ أولئك الذين افتوا بالتحصن من الضياء ان تحصيناتهم لن تصمد امام الشمس الاخرى التي تسطع من تخوم الليل .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى