علجية عيش - في البحث عن حَاكِمٍ راشدٍ..

تشريح سياسي لوضع الجزائر قبل الإنتخابات الرئاسية

لماذا يصر الأفلان و الأرندي على إعادة ترشيح بوتفليقة؟ و لماذا فشلت المعارضة في تقديم مرشحها التوافقي؟ أو البديل إن صح القول تنافس به الرئيس الحالي؟ و ماذا عن الجيش؟ هل سيقف إلى جانب الرئيس المقعد أم أنه يسير في فلك الجنرال علي الغديري؟ كل هذه الأسئلة يمكن أن نلخصها ف سؤال واحد هو: هل الجزائر لا تملك رجلا يقود هذه البلاد التي تريد أطرافا لها أن تعيش الربيع العربي؟ حاكم يملك كل الصفات الكاريزماتية، و يتميز عن غيره و يتمتع بالحكمة و الرزانة، و تكون له القدرة البدنية و العقلية الكافية على قيادة البلاد، أي لا يعاني من أيّ مرض كان؟، مهما كان توجهه السياسي


طبعا هي أسئلة صعب الإجابة عنها في ظل الظروف التي تعيشها البلاد، طالما الأمر يتعلق برئيس الجزائريين، عندما ننظر إلى نخبتنا الفكرية، و الذين يمثلون الطبقة السياسية، و حتى القادة في المؤسسة العسكرية ، نرى أن الجزائر تملك رجالا يعتمد عليهم في كل شيئ، نعم الجزائر لها من الكوادر و الرّجال ما يكفي لقيادة البلاد، و فيخا من يحمل سِمَاتُ الحَاكِمِ، و لن أذكر أسماءهم طبعا حتى لا يقال أنني أميل لتيار دون آخر. إنني أتكلم هنا كمواطنة جزائرية لا تحمل قبعة حزبية و لا قبعة إعلامية، لها حق التعبير عن رأيها بكل شفافية و بدون أي خلفية سياسية، وفق المادة السابعة من الدستور التي تنص على أن على السعبمصدر كل سبطة، و أن السيادة الوطنية ملك للشعب وحده، و الحقيقة أنه يوجد في كل حزب من الأحزاب السياسية في الجزائر رجل قد يكون هو القاضي الأول في البلاد، و في وزن رئيس جمهورية، سواء كانت الأحزاب الموالية للسلطة أو المعارضة لها، الأحزاب التي تريد التغيير في البلاد و بعث فيها الروح من جديد، لكن كل من الموالاة و المعارضة لم تحدد موقفها الحقيقي من المترشح الذي يمكن تقديمه للشعب ، فإصرار الأفلان على ترشيح الرئيس بوتفليقة لعهدة جديدة ( خامسة) يطرح عدة تساؤلات أيضا ، ألهذه الدرجة وعاء الحزب فارغ و لا يوجد من أعضاء المكتب السياسي و اللجنة المركزية من يكون البديل عن المرشح الحالي؟ ، و ما هي دوافع تمسك الأفلان بالرئيسعبد العزيز بوتفليقة و حالته الصحية تزداد سوءًا يوما بعد يومٍ؟ أم أن إصراره عن بقاء بوتفليقة في الحكم لغاية في نفس يعقوب؟ ، إذا قلنا أن ترشح بوتفليقة لولاية جديدة يعتبر خرقا للدستور الجزائري، لاسيما المادة 101 منه التي تنص على أنه يستحيل على الرئيس أن يمارس مهامه بسبب مرض خطير و مزمن، و من حق البرلمان أيضا أن يثبت المانع بأغلبية ثلثي 2/3 أعضائه، لكن لا أحد من أعضاء البرلمان يمكنه أن يطبق هذه المادة لأن الأغلبية موالون للسلطة، خاصة بالنسبة لحزب جبهة التحرير الوطني و التجمع الوطني الديمقراطي

السؤال الموجه لزعيمي الأفلان و الأرندي أو حتى عمار غول رئيس حزب تاج و ساحلي، و المحيطين به من الشخصيات الوطنية، هل فعلا يحبون الرئيس؟ ، و إذا كانوا كذلك لماذا لا يشفقون عليه و يدعونه يرتاح، أمّا مقولة أن الرئيس يريد أن يتوفي و هو رئيسا و أراد البعض أن يحقق له رغبته هي تبريرات لا يقبلها منطق، و لو أن هذه الرغبة بإمكان الجميع تحقيقها لكن بإبقاء بوتفليقة رئيسا شرفيا للجزائر، و ينتخب خليفته تسيير شؤون البلاد و الإسامرارية، أما الأحزاب التي شكلت كتلة مُعَارِضَة، و تطالب بعدم ترشح الرئيس الحالي لعهدة جديدة، فهي تتشكل من أحزاب تختلف في الرؤى و التوجهات و لا تملك برنامج الدولة و استراتيجية لها ابعاد وطنية و دولية، ( التيار الإسلامي، الديمقراطي، اللائكي، و الوطني) و كل رئيس حزب من هذه الأحزاب يطمح في الترشح، و من المستحيل أن يتنازل واحد منهم للأخر ليكون هو مرشح التوافق، فعلي بن فليس مثلا لا يمكن أن يقبل بأن يكون تابعا سياسيا لأحزاب يرى أنها مجهرية و هو الذي خرج من رحم حزب جبهة التحرير الوطني، القوة السياسية الأولى في البلاد، و كان أمينه العام ، و كانت له الجرأة في أن يقف ندا للند أمام رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة في انتخابات 2004 بعدما زكاه الحزب مرشحا له، و شهد الأفلان انقسامات بين من سمّوا بـ: “البنفليسيين”، و التصحيحيين الذين ساروا في اتجاه بوتفليقة، و لما آلت الكفة لصالح التصحيحيين، قرّر بن فليس الإنسحاب وأن ينزع عنه برنوس الأفلان ليؤسس حزبا جديدا سمّاه حزب طلائع الجزائريين، و سارت معه الأغلبية التي كانت في الأفلان ، فمن الصعب إذن أن يتنازل بن فليس و هو “الشّاوي” ( خشين الرّاس باللاتينية tettu) عن حلمه، الغريب أن رجل مثل الشيخ عبد الله جاب الله الذي وصف بـ: العنيد، أنه يتخلى ببساطة عن حلم حياته في أن يصبح رئيسا للجزائريين ، و يحقق مشروعه الإسلامي المتمثل في تطبيق الشريعة الإسلامية، و هو بذلك سيعمل على تضييق الحريات و هذا ما لا ترضاه الأحزاب الأخرى من جهة و حتى الشعب الذي حفظ الدرس جيدا في مرحلة التسعينيات، و أصبح لا يؤمن بالإسلاميين.

من جهة أخرى الشيئ الذي جعل جاب الله يفقد توازنه هو انضمام أحزاب إسلامية أخرى للسلطة و إعلان ترشيحها عبد العزيز بوتفليقة و منها حركة الإصلاح الوطني، هذا الموقف دفع بجاب الله إلى الإنسحاب من الترشح لإنتخابات 2019 ، و دعا قوى المعارضة السياسية إلى تقديم مرشح باسمها لتجنب تشتت أصوات الناخبين ، ومنع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة من البقاء في الحكم ، بحكم حالته الصحية ، كذلك هو الشأن بالنسبة للجنرال المتقاعد علي غديري ، فبحكم انتمائه للمؤسسة العسكرية فتنازله عن الترشح و منح الفرصة لشخص آخر مستبعد جدا، و هذا يعني أن المعارضة لن تتفق على مرشح توافقي كما تدّعي، يبقى الشباب الذي خرج في مسيرات سلمية مطالبا بالتغيير و التشبيب، و هو حق شرعي لإبراز مكانته في البلاد ، بحكم أن الدستور الجزائر أعطاه هذا الحق لاسيما المادة 37 ( جديدة) التي تؤكد أن الشباب قوة حية في بناء الوطن، ألا يصلح أن يكون رئيس الجمهورية الجزائرية شابٌّ، كما نراه في الدول الأخرى، إذا قلنا أن معظم الشباب يعلق آماله على عبد العزيز بلعيد رئيس حزب جبهة المستقبل، و هو ابن الأفلان و خريج مدرسة الشبيبة الجزائرية التي أسسها الرئيس الراحل هواري بومدين في منتصف السبعينات، هي رسالة أراد الشباب أن يبلغها للسلطة بأن الشعب مصدر السلطة و لا سيادة تعلو فوق سيادة الشعب. الأمور تبدو غامضة و مقلقة، بعد ذهاب الرئيس إلى سويسرا لإجراء الفحوصات الطبية، و لا أحد يجزم ماذا سيحدث غدا أو بعد شهر، لا يختلف إثنان طبعا أنه في حالة شغور منصب الرئيس لا قدر اللهقبل تنظيم الإنتخابات الرئاسية ، فالجزائر لا محالة ستعرف منعرجا خطيرا لا أحد يعرف ما تكون نتيجته، و ستعرف أزمة جديدة بعد توقيف الإنتخابات، فهل وضعت الحكومة خطة معينة لإحتواء الأزمة و السيطرة على الوضع في المرحلة القادمة؟ أم أن الأمر سينفلت من يدها و تدخل الجزائر في مرحلة انتقالية حتى لا نقول ستدخل في طريق مسدود، أما إذا حدث العكس فالنتيجة ستكون لصالح الرئيس لأن الإنتخابات ستتم بالطريقة نفسها التي تمت بها في الإنتخابات السابقة، و الذين ثبتوا الرئيس لأربع عهدات كاملة سيثبتونه للعهدة خامسة و سادسة و بنفس الطريقة، و هذا يعني أن جمع استمارات ترشيح بوتفليقة لعهدة خامسة و التوقيع عليها من طرف مواطنين و مناضلين هي شكلية، لأن الذين وقعوا داخل الأحزاب و بخاصة الأفلان كانوا في ظرف خاص، و أمام الصندوق قد يغيرون أصواتهم و يمنحونها للأصلح، المشكل هنا هو هل سيخرج مرشح السلطة للشعب و يقوم بحملة انتخابية يخاطب فيها الشعب مباشرة؟ أم أن لقاءه بالشعب سيكون من وراء حجاب ؟ العيون حاليا متجهة نحو المؤسسة العسكرية التي لم تبين موقفها بعد ، خاصة و قد اعتاد الجهاز العسكري على المفاجآت مثلما حدث مع الرئيس الشاذلي بن جديد و قرار تعيينه من قبل قاصدي مرباح، و هي الوحيدة التي ستوقف النزاع القائم بين السلطة و المعارضة.


علجية عيش

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى