عبدالله البقالي - القريب البعيد..

في كل الازمنه القادمه سيظل كما كان. القريب البعيد.
لقد وعدها أن يكون الأقرب دوما. و وان يحفظ دائما صفاء عوالمها..و ان يمتثل لكل شئ تراه انه المناسب. لكن تمسك بحق ان يحدث نفسه خارج هذا. أن يشكو حين يرى امتداده يتقلص. و ان صوته يظل بلا صدى.
يدر ك أن كل هذا من تبعات اللحظه الفارقه. اللحظه التي قرأها بكل فراسته ساعتئذ. كانت معه . لكنه كان يراها بدون تلك الروح التي شدته اليها من البدايه.
في معظم اللحظات العابرة التي عاشها سويا، لم يبارح المكانة التي حددتها سلفا. نقطة هامشية من جنوح لم يعرف عنه متى سيتحول الى سكينة.
قرأ كل ذلك في عينيها. و في احاديث جلساتها. لكنه كان يستطيع أن ينفذ الى اجوائها التي اجتهدت كثيرا في اخفاء معالمها. و التي كان يقرأ من خلالها أنها فاقدة لقرار حاسم فاصل. و انها كانت تعي انها تقف في اقصى حدود كونها القديم. و انه بالقدر الذي تنتابها الرغبة في ان تطأ عالما جديدا منفصلا كليا عن كل ما عشته من قبل، بالقدر الذي كان ينتابها شعور هو مزيج من حينين و ألفة و حرص على الارتباط باشيائها التي اثثت فضاء حياتها في السابق. و انها ربما اكتشفت في تلك اللحظة ان كل نزاعاتها و صداماتها الذي خاضتها من قبل ، لم يكن من اجل البحث عن تثوير و بديل لحياة مختلفة بقدر ما كان اعلانا لرفع تحديات تثبت من خلالها وجودها.
قرا كل ذلك وهو يمشي رفقتها ، وقدر أن الحب الحقيقي يقتضي منه ان يفسح لها مجالا اكبر لاتخاذ قرار يصوغه الاقتناع و الايمان و الثقة. و انه لا يجوز التأثير عليها ودفعها لحسم فوري مثلما لا يجوز التأثير على انسان متوزع غير مدرك لما يجب ان يفعله.
لا يستطيع الان ان يدعي انه كان ملاكا. كان هو نفسه مركب اخر لمفاعلات كانت تأتيه من كل صوب. منفتحة على ركام ترسبات العمر الذي انقضى. كان يراها حياة حقيقية. امراة تعب عبر كل عمره من اجل ان يصل اليها. ان يدخلها عالمه او يصنعا سويا حياة تفصل على قد الروعة التي لم يجداها من قبل.
هو كان -ومنذ لحظات الادراك الاولى المسجلة في شرائط ذاكرته - على موعد ما، في لحظة ما، في مكان ما مع وميض نوراني سينزل من المبهم في شكل بريق لا مع سيدفع به كي يغمض عينيه قبل ان يفتحهما مجددا ، بعد ان يكون قد عود بصره على التعايش مع اضواء مبهرة. و انه بعد ذلك سيجد ان الخيط الضوئي الذي نزل عموديا قد اتخذ شكلا افقيا، و انطلق موسعا دائرته ليكشف عالما ساحرا رصت فيه اشياء في منتهى البهاء. مستدعية إياه كي يمد خطاه و يتجه قدما الى الامام للقاء اميرة قادمة من وراء السحاب. و التي تنتظره عند اعلى مدرج ينتهي الصعود عبره الى بوابة منتصبة في الاعالي يمتد خلفها كون لا تغيره العصور.
حين يجتاحه هذا الحلم من نحت ركام العمر و الذي غطى كل لياليه القديمة. وحين يستعيد لحظة ميلادها في وعيه بتلك الكيفية التي بدت فيها و كأنها بعثت من العدم، لا يستطيع بعد ذلك سوى التركيز على ذلك النزول الضوئي العمودي و الانتشار الافقي في مساحة الروح و الحياة.
اللحظة الفارقة التي كان فيها ملتصقا بها كانت البوابة التي تفضي الى رحاب حلم. معا كانا على اهبة من اجل اقتحامه . لم يشا ان يضغط اكثر. كان بإمكانه ان يفعل الكثير. فجدار بتلك الصلابة و السمك لم يكن ليتهاوى من جراء انفاس ساخنة. و لم يكن ليستجيب لرغبة مترددة. هل غاب عنه ذلك ؟
لا. كان يرى ذلك بمنتهى الصفاء.
هو معها لم يكن قد وصل الى ان يكون هو نفسه مثلما هو في العمق. بل قبل ذلك و في كل الزمن الذي عرفها كان دوما يسأل نفسه هل سيكون هو قلبا وقالبا.
كان مترددا تائها . ربما لم يألف و لم يعش أجواء مماثلة . و ربما لانه كان مرتبكا نتيجة شعور بوجود فارق ما أصرت هي ان يظل حاضرا مستحضرا. و أصر من جهته ان تكون هي أيضا مكتملة الحضور ، روحا و جسدا.
هل كانت لحظة الميلاد هي لحظة الموت؟

التعثر المتكرر يثبت ذلك، ويعصف بكل تاويل خاطئ تختفي خلفه الرغبة في ان يتوهم كل الاشياء الجميلة عنها. و يطالبه بأن يعد نفسه من الان بان يتقبل الاحساس بالانكسار . و ان يهيء نفسه للتعايش مع إحساس يكبر رويدا رويدا داخل وجدانه ليطلي كل جوارحه بألوان النفور من القادم . و ان المساحات الفارغة ستصير هي كل ما سيتبقى منها.


* Zum Anzeigen anmelden oder registrieren

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى