محمد محمد مستجاب - الحلاق في السينما العربية

الحلاق في كثير من الأفلام هو العتبة التي يتخطاها النجم قبل أن يذهب لأمر هام في الأحداث، سواء كان زفاف أو لقاء هام، ولدينا الكثير من تلك المشاهد التي برع فيها الحلاق أو النجم ساخرًا منه، فنحن نرى البطل يتهرب من دفع الأجرة في فيلم " إسماعيلية رايح جاي" قبل أن يذهب "ابراهيم - محمد فؤاد" للقاء "عزت أبو عوف" الملحن وهو بداية طريقة للشهرة، أو "هيما - كريم عبد العزيز" في فيلم " حرامية في كي تو"، عندما جائته الفكرة الأساسية في تهريب اللوحة التي سيسرقها حيث كان يجلس بين يدي الحلاق ويتصفح أحدي المجلات، أو المشهد الذي يقوم فيه الحلاق بتهذيب شعر الرئيس السادات في فيلم " أيام السادات" للنجم "أحمد زكي"، فيقوم الحلاق بنقل الحالة الغاضبة في الشارع المصري من السادات بسسب الصلح مع إسرائيل، بينما يقوم السادات بشرح فكرة مبادرة السلام له مع إسرائيل بطريقة شعبية مبسطة، وقد أدي الدور في هذا المشهد الحلاق الحقيقي " محمود لبيب" وهو حلاق المشاهير وحلاق السادات في الحقيقة.
ولقد حملت الصورة السينمائية تراث تلك الشخصية بصفتها ثرثاره أو تعشق النميمة كي تقطع الوقت أو هي التي يصب لديها أسرار الحي أو القرية، وبالتالي فالحلاق هو " الوكالة الأخبارية" وبئر الأسرار التي يتفشي للجميع.
في فيلم " لو كنت غني" 1942 من إخراج بركات وبطولة بشارة وكيم وإحسان الجزايرلي، تصبح تلك المهنة هي أساس عمل الأب " محروس الحلاق" في الحارة الفقيرة، وهو يحلم مثل باقي عائلته بالثراء، وبالتالي يضع المقص دائمًا في جيبه أو يقوم بطقطقته انتظار لأي زبون، وعندما يعثر على الثروة من ميراث لقريبه الشحاذ ينسي المهنة وينقلب ضد الفقراء، وفي الفيلم أحد الاسكتشات السينمائية الغنائية العظيمة والساخرة " مرحب مرحب.. الله يحنن"، عندما يظل محروس الحلاق طوال النهار عاطلاً دون عمل ولم يدخل محله أي زبون، فينتظر هو وأقاربه أحد المارة " حسن كامل" وهو عائد لبيته سكران ويسحبونه بالقوة ويضعونه على المقعد ثم يبدأ في قص شعره وحلاقه ذقنه للحصول على مبلغ من النقود يعوض ضياع اليوم، إلا السكران في ختام الحلاقة يخرج لهم جيوبه الخاوية.
يأتي بعده فيلم " حلاق بغداد" للمخرج حسين فوزي عام 1954، تمثيل إسماعيل يس، وثريا حلمي. وأحداثه تدور في جو تراثي عربي قديم عن حلاق شاب بغدادي يحكي للزبائن عن أجداده وأسلافه العظام، ولديه ابن " مختل عقليًا" فيحاول الحلاق إسعاده بشراء جارية جميلة له، لكنها تكتشفت أن جنونه ليس حقيقيًا، وإنه قد أدعي هذا بسبب حبه لجارته بنت الوالي، فتسعي للمّ شمل الحبيبين.
بعد ذلك قام المخرج "فطين عبد الوهاب" عام 1960 بإخراج فيلم "حلاق السيدات من بطولة عبد السلام النابلسي مع صديقه اسماعيل ياسين، ويدور عن حلاق بعد خروجه من الجيش يريد أن يتوسع في عمل محل والده، فيقوم بتقسيم المحل إلى نصفين: نصف للرجال ونصف للنساء، ثم يأتي صديق له يبحث عن عمل فيضيف قسم للحيوانات، وتتطور الأحداث عندما يذهب لأحد النساء الثريات " زينات صديقي" والتي تستغله للانتقام من زوجها السابق، لكن الأمور تتطور لصالحه لأنه مخلص ويصبح مصفف شعر المجتمع الراقي ويفتح محل حلاقة في فندق الهيلتون الشهير.
وفي فيلم " موعد على العشاء" لمحمد خان عام 1981، يقوم النجم أحمد زكي بهذا الدور الناعم لشخصية " شكري- مصفف شعر النساء"، حيث تكون أنامله هي سبب حب " نوال – سعاد حسني " له، فيقوم بتغير " فورمة " شعرها في مشهد بالسيارة وأثناء هطول المطر، وقد كانت تلك الطريقة هي التي جعلته يترك حبه للفن بصفته رسام ويتجه ليصبح كوافير للسيدات، بسبب اإه يستطيع تغير قصة الشعر كي تليق على وجوههن.
ونأتي هنا للشخصية الساخرة " بدار الحلاق" أو الممثل "أبو بكر عزت" في فيلم " فوزية البرجوزاية 1985 من تأليف الساخر أحمد رجب وإخراج ابراهيم الشقنقيري، وبطول صلاح السعدني واسعاد يونس ونبيلة السيد وجمال اسماعيل، وشخصة بدار الحلاق، هو حلاق ومشجع الحي عن نادي الزمالك أي الفريق الأبيض، يقابله مشجع الأهلي " جمال اسماعيل- المعلم أبوزيد البقال" وعندما تحدث مشاجرة بين زوجته وجارتها عنايات – إسعاد يونس" ويتم نعتها بالبرجوازية، هنا يتحرك بدار للدفاع عن زوجته مع أنه لا يفهم في السياسة أو اليسار واليمن.
وقد جسَّد النجم فريد شوقي دور " عم قنديل" الحلاق في فيلم " مقص عم قنديل" عام 1985 للمخرج عدلي يوسف، وفي هذا الفيلم يقوم الحلاق بدوره التاريخي في الحياة، فهو ليس حلاقًا للحي فقط بل وطبيبًا وجراحًا يمارس الختان والطهار وخلع الضروس والكي بالنار ويثق به جميع أهل الحي لآنه يساعدهم في حل مشكلاتهم، ولكنه ذات مرة يفشل في علاج أحدهم ويموت فيتم سجنه، مما يجعل ابنه يستغل غيابه ويقوم بتحويل صالون الحلاقة إلى محل ملابس.
وفي فيلم " زيارة السيد الرئيس" للمخرج منير راضي عام 1994، يقوم الفنان " نجاح الموجي بدور " زغلول الحلاق"، وهو دور جديد على السينما، حيث تدور الأحداث حول انتشار اشاعة في قرية صغيرة تفيد بأن القطار الذى يقل الرئيس وضيفه الرئيس الامريكى سيتوقف عندهم. لكن القطار يمر على القرية ولا يتوقف بها، مما يصب "زغلول الحلاق" بالجنون، لآنه كان يأمل لقاء الرئيس الأمريكي لتعديل أوضاع القرية، وقد جسد "نجاح الموجي" شخصية الرئيس السادات في الفيلم" سواء في ملابسه أو وهو يقلده ويحاكيه، فقد كان هو صوت القرية التي يريد أن يعبر عن مشكلاتها. وعندما لم يتوقف القطار الرئاسي بالقرية ظل زغلول الحلاق متقمصا شخصية السادات طوال باقي مشاهد الفيلم لدرجة الجنون.
ومن أجمل الشخصيات في السينما التي قدمت هذا الدور، دور حسن حسني في فيلم " عفاريت الأسفلت"، والحلاق هنا مرتبط بالحكي، وليس الحلاقة فقط، وهو أيضًا – لانه شخصية محورية بالفيلم- فأن الجميع يأتي له كي يحكي ويرثر معه، اي أنه ليس حلاق بل جامع سيرة وحكاء ماهر، لكن هذا الحلاق تصيبه أزمة عندما كان يحلق للجد " محمد توفيق- عم علي" ويموت بين يديه، فلم يكن يعنيه الحلاقه أو الموت بقدر حزنه الشديد على أنه استمر يحكي وبين يديه رأسه ميت،وفي أي موضوع من الحماية مات عم علي، الحلاق هنا يملأ الرأس بالحكايات التي يعشقها.
الحلاق في السينما العربية .
إذا كانت قصة " حلاق بغداد" التراثية قد جذبت الفنان اسماعيل ياسين والمخرج حسين فوزي عام 1954، فقد جذبت أيضًا المخرج العراقي " فؤاد هادي" ليعيدها في فيلمه" حلاق بغداد عام 2007، حاصدًا بها جائزة مهرجان " ملبورن السينمائي الأولي، وقد أخذ المخرج تلك المهنة ليضع الحكاية في حياتننا المعاصرة، حيث يحكي الفيلم عن أخوين شابين من مدينة بغداد يعملان في مهنة الحلاقة ويعيشان حياة مستقرة، ولكن يتم قتلهما في محل عملهما لتبقى عائلتهما في معاناة مستمرة، ويموت الأب قهراً عليهما وتعيش الأسرة بعد ذلك في ضياع.
ومن العراق أيضًا نشاهد الفيلم الوثائقي في شخصية " الحلاق نعيم" عام 2010 للمخرج محمد نعيم، والفيلم يحكي قصة (دكتور نعيم) الذي يحاضر صباحاً في كلية التربية بجامعة بغداد. ثم يمارس عصراً مهنة الحلاقة في محله بحي الأعظمية ببغداد. ويعرض لجوانب من حياته، وحبه للعمل، وطبيعته الإنسانية السمحة. وسعيه لإعادة الحياة إلى أحد أحياء مدينة بغداد.
ومن الشرق العربي إلى المغرب، حيث التحفة السينمائية" حلاق درب الفقراء" للمخرج المغربي "محمد الركابي" عام 1982، وبطولة " محمد الحبشي وصلاح الدين بنموسى"، والفيلم يتداخل فيه الواقعي بالمتخيل، ويدور عن الحلاق"ميلود" الذي يعيش منطويًا على نفسه، بينما نظيره الحلاق "حميدة" يعيش مع زوجته في بيت متواضع، ويعيش الاثنان وسط شخصيات كثيرة متصارعة في الحي الشعبي الشهير "درب السلطان" بمدينة الدار البيضاء، والذي يعتبر من أعرق الأحياء الموجودة وفي الختام تنتصر الطبيعة (الخيرة) التي تقود الحي إلى الوعي وسط تلك الأوضاع المعيشية السيئة.
وقد تم اختيار الفيلم ضمن أفضل مائة فيلم عربي بمهرجان دبي السينمائي ويتعبر من كلاسيكيات السينما العربية .
سوف تظل شخصية "الحلاق" شخصية ثرية وممتلئة بالكثير من التفاصيل التي نعشق أن نراها على شاشتنا العربية.



محمد محمد مستجاب



أعلى