ناصر سالم الجاسم - وجهها كله مطر.. قصة قصيرة

ما الذي يرمي إليك بوجه امرأة حسناء من تبوك في هذا الصباح الشتوي البارد، وتراه بزينته الكاملة، زينة الشفتين والعينين والخدين، فوق رغيف خبز أفغاني أبيض مدور، وترى فيه وجهها الجميل المستدير الباسم كما نظرت إليك لأول مرة قبل سبعة عشر عاما، وينتشر من جوف الرغيف عطرها شانيل5، ويهزم رائحة الخبز الشهية في مطعمك، ويطردها من المكان لتخرج عبر النافذة مثل جني عاصٍ مشاغب عذّبه طول الاستماع لسورة البقرة في مكان مغلق، ينتشر عطرها ويسيطر على حواسك كلها فتراها وقد جلست متربعة في محيط دائرة الرغيف وكأنه بساط سحري لها ومدت فنجان القهوة العربية إلى فمها فيصعقك في مطعمك اقتراب حافة الفنجان من فمها كما تُصعق أرنبةٌ أمٌّ في قفصها استشعرتْ ذبحَ وليدها الغائب عنها مع الجيش البعيد الذي يقاتل الأعداء لتوصل إشارة أو تمرر رسالة سرية للملك لطلب الدعم والمدد كي لا يُهزم ويندحر جيشه أو يتراجع، وتراها وقد نهضت بكامل جسدها من الرغيف ماشية إليك ويوجع قلبك رؤيتك انثناء خصرها الطري فتصيح: آه يا غرس لقد أخذوك مني مثلما يؤخذ الوطن من ساكنيه وقد سكنت قلبي وعقلي!

ومذيع النشرة الإخبارية يقرأ: تتعرض الآن منطقة تبوك ومنطقة الحدود الشمالية طريف وعرعر والجوف ومنطقة المدينة المنورة والأجزاء الغربية من المملكة العربية السعودية لهبوب كتلة هوائية باردة تؤدي لانخفاض شديد في درجات الحرارة قد تصل لدون الأربع درجات مئوية مع توقعات بهطول أمطار غزيرة على المناطق المذكورة وجريان السيول فيها... فيما ستهبّ في غضون الساعات القليلة القادمة على الأجزاء الشرقية من البلاد ومنطقة حفر الباطن ومحافظة ابقيق والأحساء تحديدًا عاصفة غبارية كثيفة المدى يتدنى معها مجال الرؤية البصرية إلى متر واحد فنرجو من المواطنين أخذ الحيطة وتوخي الحذر حفاظًا على سلامتكم.

وجهكَ كله غبار ووجهها كله مطر وقد خِفتَ عليها وارتعبت حين سمعت خبر الكتلة الهوائية الباردة، وجهك حزن وقلق ووجهها ورد أحمر ولا تدري إن كان قد أهمها أو آلمها خبر اتجاه العاصفة الغبارية إليك أم لا، وجبل اللوز في تبوك يثمر بالثلج وجبل القارة عقيم، ورغيف الخبز الأفغاني وكوب الحليب ينالهما الغبار في مطعمك قبل أن يصلا لفمك، وغبار يعلو شعر رأسك ويعلو شاربيك وأنت تكح، وقلبك يحترق لرؤية العنب التبوكي يمرق في فم غرس، تراه من بعيد بحسن لونه الأخضر الفاتح يجاور حسن شفتيها المصبوغتين بالأحمر القاني وتدرج حباته واحدة تلو أخرى فوق لسانها الوردي وتنزلق في جوفها، وأنت مصدور ومسجون في محيط دائرة الغبار تكح تكح وصوت كحتك لا يسمعه أحد فيقرب لك الماء، وتستشعر مذاق العنب التبوكي اللذيذ وتحس بمذاق شفتيها العذبتين وتتذكر ما قاله صديقك (النسونجي) رباح ذات عشية: الحب عند المرأة لا يتجاوز حدود أضلاع سرير نومها الأربعة إذا نامت مع زوجها، وها أنت ذا الآن وأنت في حمام الغبار تدرك متأخرا أن (غرس) لم تكن قد أحبتك، وإنما قد أحبت جبل اللوز و ثلجًا يزهر فوقه وعنبًا ينبت قريبًا منه ورجلاً طيبًا غيرك لا يقول لها لا أبدًا أبدا، ويجعلها تنهض من السرير صباح كل يوم سعيدة، وتقف تحت نهر الماء العلوي وجسدها كله ماء وهي تبتسم، وتتذكر بحب تفاصيل ما جرى مع زوجها بالليل التبوكي في محيط أضلاع سريرهما الأربعة.