الجنس في الثقافة العربية ناهد محمد الحسن - الحب في حضارتنا الإسلامية .. كتاب لفاطمة المرنيسي

تقول فاطمة المرنيسي لقد تحددت العلاقات بين الجنسين بدقة بما فيها علاقات الحب والجنس , وحوصرت قانونيا من طرف المفكرين الإسلاميين سواء أكانوا مختصين في العلوم الدينية او غيرها . وتجديد هذه العلاقات يسقط تحت سوط البدعة التي تعتبر جريمة ضد وجود الإسلام ذاته كقوانين وفلسفة أو بتعبير أصح كطريقة للوجود والتفكير).. هذا الكتاب .. ( الحب في حضارتنا الإسلامية )طرحت فيه المرنيسي الكثير من الأسئلة التي تؤرق أحاسيسنا كنساء ورجال,أسئلة من نوع/هل الحب والشهوة والجنس مواضيع محرمة في حضارتنا؟ ماهو الحب؟ لماذا نخاف المرأة ؟ وغيرها من التساؤلات الإنسانية الملحّة.. والمرنيسي للذين لا يعرفونها هي سيدة مغربية من فاس, وهي كاتبة نسوية وعالمة اجتماع لها كتب ترجمت إلى العديد من اللغات العالمية. وتركز في كتاباتها على الإسلام والمرأة , وتحليل تطور الفكر الإسلامي. كما انها ناشطة بالمجتمع المدني من أجل المساواة وحقوق النساء، حصلت على جائزة الأدب من طرف أمير أستورايس مناصفة مع سوزان سونتاغ في 2003 .
تكتب المرنيسي بالفرنسية، وقد ترجمت عدة كتب لها إلى الإنجليزية ولغات أخرى بما فيها العربية منها: (السلطانات المنسيات, شهرزاد ليست مغربية , الإسلام والديمقراطية, أحلام النساء الحريم (حكايات طفولة الحريم), الحريم السياسي).
تقدم المرنيسي لهذا الكتاب بمجموعة من الأسئلة الجارحة والحائرة في آن:(هل الحب والرغبة مرافعة يبدو من خلالها الرجل والمرأة مخلوقين متماثلين وفردين متساويين في المسئولية والحرية أي حرية الإختيار والتقرير , ام انهما يتواجهان كفردين غير متشابهين على مستوى التكوين البشري : أي العقل والإرادة والإختيار والتقرير وبتعبير آخر على مستوى الحرية أي المسئولية؟).. ومما يبدو واضحا هنا , أن فاطمة تطرح المؤسسة التقليدية للزواج على مائدة البحث وتصور خفايها وتطرح تناقضاتها وتكشف مآزقها, حيث هنالك سيادة وتبعية,شخص وحيد متحكم في مقاليد الأمور,حيث الحب والجنس فعل يفرضه انسان مستقل ومؤثر على شيء أي امرأة , شيء محروم من الإختيار والتقرير اي من الحرية والمسئولية.. وبالتالي ماهو الحب في هذه الظروف؟ كيف يمكن لنا كأفراد مسئولين أن نحب ونشتهي ونعانق ونداعب ونحاور ونتفتح مع شريك محروم من المسئولية وارادة الإختيار والحرية.. بمرارة تتساءل المرنيسي.. ولتجيب على سؤال من اين اتت هذه التناقضات.. كتبت فاطمة:

(2) هل الحب والجنس مواضيع محرمة في حضارتنا ؟
من كثير دلائل اوردتها المرنيسي في كتابها , من امهات الكتب العربية والتراث ككتاب أخبار النساء لإبن قيم الجوزية وكتاب مفاخرة الجواري والغلمان للجاحظ ومن باب النكاح في صحيح البخاري , لا يبدو ان الحب والجنس مواضيع محرمة في ثقافتنا بالعكس فلقد كان موضوعا يطرح مع القادة الدينيين والساسة دون تحرّج.. ومن مثل ذلك ما اورده ابن قيم في اخبار النساء , أن رجلا جاء الى علي رضي الله عنه , فقال له : إن لي امرأة كلما غشيتها تقول قتلتني , فقال اقتلها وعلي إثمها.

(3) الحب كظاهرة لسانية:
ترى المرنيسي إن التنوع الكبير الذي نجده في المعاني التي تحاول وصف طبيعة العلاقات والأحاسيس لهو دليل كبير على إن الحضارة الإسلامية منحت الحب والشهوة والجنس أهمية بالغة. ذكر ابن قيم في كتابه روضة المحبين ونزهة المشتاقين أن للحب ستين اسما منها: المحبة , والعلاقة, والهوى, والصبوة, والصبابة, والشغف والمقة, والوجد , والكلف , والتتيم , والعشق, والشجو, واللمم, والخبل, والفتون, والجنون, والحرق, والسهد , واللهف , والحنين ...ألخ وقد تناولت مصطلحات الحب عند الجاحظ والأنطاكي وشهاب الدين المغربي لتقع على الدلالات اللغوية للألفاظ التي تطلق على الحب ومن ذلك قول الجاحظ ان الحب والهوى لا يسميان عشقا الا إذا حلّت فيهما الشهوة. وقول شهاب الدين إن اول مراتب الهوى ميل النفس ثم العلاقة وهي الحب اللازم للقلب , وسميت علاقة لتعلق القلب بالمحبوب ثم الكلف وهو شدة الحب وأصله . من الكلفة وهي المشقة . والشغف كما قال العزيزي في غريب القرآن. شغفها حبا . أصاب حبه شغاف قلبها وقال في الصحاح شغفه الحب اي احرق قلبه. يقول ابن حزم الأندلسي في (طوق الحمامة): (الحب أعزّك الله- أوله هزل وآخره جد. دقت معانيه لجلالتها ان توصف فلا تدرك حقيقتها الا بالمعاناة. وليس بمنكر في الديانة ولا بمحظور في الشريعة. إذا القلوب بيد الله عز وجل.. وقد أحب من الخلفاء المهذبين والأئمة الراشدين كثير…).

(4) العقل والمرأة:
تقول المرنيسي:بالنسبة لبعض مفكرينا يشكل الحب مصدر طاقة يطور القدرات ويرهف الأحاسيس, أما بالنسبة لآخرين فإنه مرض او شكل من أشكال الجنون. وإذا تجاوزنا التعريفات ومحاولات الفهم وحصر ظاهرة الحب , ماذا يحدث حين يغمرنا الحب ويواجهنا؟ ماهي حسنات الحب وأخطاره؟أنستسلم له بهدوء ام نحاربه ونحتاط منه؟ ماهي التحولات التي يحدثها الحب؟قال يوسف بن اسباط :العقل سراج مابطن , وزينة ماظهر ,وسائس الجسد , وملاك امر العبد,ولا تصلح الحياة الا به ,ولا تدور الأمور الا عليه. ومن استشهادات كهذي يمكن تحديد الإرتباط بين الدين (الإسلام كسلوك وضوابط)والجنس من جهة أخرى (الجنس كغريزة ورغبة وطاقة). فالمؤمن المحب يختلف عن الآخرين . إنه في حالة خطر بل في حالة حرب . عليه ان يعلن حربا ضد شهوته, ذلك ان الحب والشهوة يجلبان خطرا يؤدي الى عدم الإستقرار في العلاقة التي تربط المؤمن بربه , كيف ولماذا؟ جاء في كتاب ذم الهوى: حدثنا الفضل بن موسى , قال حدثنا ابراهيم بن بشار ,عن سفيان قال : يقال : قال ابليس : سهمي الذي اذا رميت به لم اخط : النساء. وبالتالي يأخذ هذا الصراع في ثقافتنا شكلا خاصا يتسم بالسلبية فيما يخص المرأة , وهنا نلمس احد المعطيات الأساسية في حضار تنا الإسلامية فالمرأة تعتبر عدوة للنظام الإسلامي لأنها تتماهى مع الشهوة.وبما انها كذلك ستجد نفسها في صراع مع العقل وبالتالي مع الله . وفي اطار تماهي المرأة مع الشهوة يتم تماهيها مع الشيطان الذي يرمز الى قطب التهديم وعدم الإستقرار في النظام الإسلامي . وبالتالي تغدو المعادلة- الصراع بين العقل والشهوة صراعا بين العقل والمرأة.

(5) الحب والخوف:
تواصل المرنيسي عرض هذه الأزمة بقولها: إن الإنجذاب نحو المرأة والإنبهار بجمالها يحمل في بذرته الخوف منها ,ومن هنا البعد المعادي للمرأة في الحضارة الإسلامية الذي تشكل نتيجة الصراع بين العقل و الرغبة . كيف نحمي انفسنا ضد هذا الإنجذاب وهذا الإنبهار الذي يحسه رجل تغمره الشهوة ازاء المرأة التي يحبها؟ اليس البحث عن اللذة طريقا نحو الفناء بالنسبة للمؤمن؟ ان النشوة ترحل به نحو منطقة الشك وعدم الوضوح . والإسلام كدين يتسم بالعقلانية والوضوح ويحترم الحدود,يغدو مهددا بخطر التهديم والتفكك والعجز في فضاء وخلال لحظات يغيب معها اليقين في آفاق العقل ووضوحه . فالعملية الجنسية مع المرأة عملية تدور بين ثلاثة قوى : المؤمن والمؤمنة والإله المشار اليه والحاضر بالكلمة. قال (ص) (إن احدكم اذا اتى اهله قال: اللهم جنبني الشيطان وجنب الشيطان مارزقتنا).
غزا ابن هبيرة الغساني الحرث بن عمر فلم يصبه في منزله , فأخرج ما وجد له , واستاق امرأته وأصابها في الطريق, وكانت من الجمال في نهاية فأعجبت به فقالت له : انج فوالله لكأني به يتبعك كأنه بعير أكل مرارا. فبلغ الخبر الحرث فأقبل يتبعه حتى لحقه فقتله , وأخذ ما كان معه , واخذ امرأته فقال لها هل اصابك؟ قالت نعم , والله ما اشتملت النساء على مثله قط . فلطمها ثم امر بها فوثقت بين فرسين ثم أحضرهما حتى تقطعت. ثم انشد:

كل أنثى وإن بدا لك منها = آية الود حبها خيتعور
ان من غره النساء بود = بعد هذا لجاهل مغرور

إن الخوف هو الثمرة السامة التي انتجتها الحضارة . كيف نحمي انفسنا ضد الخوف من المرأة ؟ يجب السيطرة عليها . على الرجل ان يتحكم فيها عن طريق اكثر الأسلحة فعالية لديه: الكلمة, والقانون, والكتابة, فالكلمة ستقيدها والقانون سيقمعها بأن يسلب منها الحق في التحرك وفي استعمال المكان وأخذ الكلمة .. ربما سيتحكم فيها بنجاح عن طريق حرمانها من الإرادة اي من كل مايشكل ميزة الإنسان . فالمسلمون الذين تسلحوا بالعقيدة والتزموا بالجهاد لنشر الإسلام كدين للوضوح والعدالة والعقل والإختيار الحر والمسئولية , سيعلنون حربا داخلية خلال قرون لإخضاع واستلاب تلك التي اعتبروها كعدو على الأرض اي المرأة لماذا لأنها شهوة وهم يخافون الشهوة , فمن هذه الأخيرة تنشأ الفوضى وفيها يتحطم العقل.

(6) هذا الكتاب:
بموسوعيتها وثقافتها الغزيرة , طوفت المرنيسي بأجواء التراث الإسلامي القديمة وصلبتني قبالة واقع لم يستحدث فيه الا تاريخه بينما كل تلك الصراعات والمآزم حاضرة في لاوعيه ووعيه الماثل في التشريعات العديدة التي تجعل من جسد الأنثى موضوعة رحبة لقوانين شتى. حين أكمل مثل هذا الطواف , أشعر ان وجودي في هذه الحياة نافلة ليست بعيدة عن صلاة الحاجة يستدعيها الرجل وقت ما أراد ان يقضي وطره ليعيدها الى سجنها الأبدي لحين حاجة أخرى .كل ما يهم في التراث الذي استعرضته المرنيسي (الرجل) ولا شيء سواه. كيف نسعده ,كيف نرضيه , كيف نشبع غرائزه, كيف نحميه من انفسنا وكيف نخدمه ونوفي له .. لا شيء عنّا .. لا شيء عن ما نشعر به في دواخلنا .. عن حاجتنا للحب والتقدير ..عن علاقتنا بالله التي يصورها التراث كعلاقة بالإنابة وليس بالأصالة .. علاقة تتمحور حول الرجل .. الوسيط الحاضر في علاقتنا بالله دائما .. علينا ان نرضي الله عبر طاعته.. كل شيء حوله.. أنه يحجب عنا الشمس .. الا تعتبر مثل هذه العلاقة شركا بالله؟! لماذا لا ينظر لنا التاريخ والحاضر كأكثر من حلفاء لإبليس في احسن الأحوال.. ترى على ماذا أعاقب ونعاقب نحن جميعا بنات حواء,ليزج بنا في حلف لم نختاره بإرادتنا فنكون نحن سهم ابليس وقبيله من الشياطين.. هل نحن مسئولات عن نوعنا ؟ هل نحن مسئولات عن خلقتنا ؟ هل نحن اللواتي اخترنا ان نكون جميلات او موضوعة للرغبات والشهوات؟ وهل علينا أن ندفن أجسادنا في التراب او في السجون على اختلافها ليشعر الرجال بالأمان في الجوار ؟ هل علينا ان نعطيهم مفاتيح سجوننا ليطلوا علينا متى ماعبروا اختبارات الأمان ليشبعوا رغباتهم وينصرفوا الى صلاتهم المقدسة؟.. من نحن ولم خلقنا الله على تلك الشاكلة؟ لم خلق الله بداخلنا هذا الإنسان الذي يتوق الى علاقة حرّة بلا شركاء مع الله ؟ لم ملأنا الله بالطموح وبرأنا من تراب فأحسن, وأمرنا أن نعمل ونعمر الأرض بالقسط؟ إن الله هو العدل.. والعدل شيء نحسه ونشعر به .. نشعر بأنه تم انصافنا.. لا شيء يحاول البعض افهامنا له والقامنا اياه عنوة واقتدارا.. لقد جاء الوقت الذي نطمح فيه لعلاقة قائمة على الشراكة لا السيادة والتبعية.. علاقة قائمة على المساواة والمسئولية .. علاقة يبذل فيها الرجال بعض الجهد مع غرائزهم وعقولهم… ويدربون انفسهم على التحكم والتحمل… على رؤية كائن جميل في الجوار يفلح الأرض ويبني البيوت ويداوي المرضى .. ويربي النشيء.. كائن يزين بجماله الدنيا دون أن يوضع على عنقه طوق او ذمام ليجر كالعبيد والإماء.. كائن مشغول بهمومه واهتماماته ولديه مايفعله بعيدا عن هذا البلاط البطرياركي… لا يروقه بيت الحريم ولا قاعة العرش .. ولا ان يكون شهرزاد ولا اي جارية اخرى لتطرب السلطان … كائن يريد ان ينتبه لوجوده هذا الكون ويعنى بمشاعره وحضوره الإنساني.. كائن يستحق بعض الجهد بعد كل هذه القرون من السخرة والعبودية .. يستحق ان يبحث في فنون محبته وارضائه دون خوف من معصية لأنه يشعر ان محبته وطاعته ايضا هي في مرضاة لله.. كائن ينتظر ان يتم تحريره من حكايات حواء والخطيئة واساطير كيد النساء وصويحبات يوسف ومن مصايد التاريخ وشباكه التي تخنق تنفسه وانسانيته… كائن يريد ان ينظر اليه كمتحالف مع الخير لا مع الشر والشيطان.. كائن يحتاج ان يحيا ويتنفس.. فمن يجرؤ على هذا الفعل؟!


د.ناهد محمد الحسن





  • Like
التفاعلات: ماريا حاج حسن

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى