العربي مفضال - تكسير جدار الصمت -8- الصحراء المغربية والمغرب الصحراوي

لم يكن النصف الأول من 1973، حافلا بأنشطة كثيرة، فقد اكتفيت بالمواظبة على حضور اجتماعات “المجلس الاستشاري” في البيضاء، ونجحت في تأسيس لجنة مكونة من ثلاثة تلاميذ ومدرس جديد، ونسجت علاقة مع أحد الحرفيين، وواصلت الاتصال بأحد المناضلين بالجديدة، وحاولت تأسيس فرع نقابي للتعليم تابع للاتحاد المغربي للشغل، ونسقت في هذا الأمر مع الأستاذ عبد المجيد الذويب، لكن الأساتذة لم يستطيعوا حسم الخلاف بيني وبين أحد المناضلين الاتحاديين الذي أصر على الانتماء إلى النقابة الوطنية للتعليم.
وما تنبغي الإشارة إليه، إنني، ابتداء من أوائل مارس من تلك السنة، كنت أنتظر بين لحظة وأخرى أن يتم اعتقالي، فقد اعتقل رفيقي حسن التجرتي بعد ظهر الثالث من ذلك الشهر، وكنت قد تغذيت معه في ذلك اليوم، بالإضافة إلى هذا الأخير الذي اشتغلت معه في فاس، تم اعتقال رفاق آخرين شاركتهم العمل في بعض أجهزة المنظمة التي كانت تحمل اسم منظمة “ب” من بينهم عبد الصمد بلكبير ومحمد البريبري.
في بداية صيف السنة سالفة الذكر، وفي محاولة لترميم وتدعيم المنظمة بمراكش بعد الاعتقالات التي استهدفت الرفاق، الذين ذكرت، اضطر الرفيق علال الأزهر إلى الاختفاء بعيدا عن المدينة ..قرر المكتب السياسي تعييني على رأس القيادة المحلية لتلك المدينة، وأشرف على هذا “التتويج” الأستاذ رشيد الفكاك، وبعد ترحيب الرفاق بي بينهم، لم يترددوا في التعبير عن تذمرهم مما اعتبروه قرار فوقيا غير مبرر، وقالوا لي : “ما العيب في أن نتداول جميعا في الأمر، وأن نختار من بيننا من سيشرف على اللجنة المحلية”، ورغم محاولات التبرير التي قام بها ممثل المكتب السياسي وإغلاقه باب المراجعة والتراجع، فإني لم أتردد في تأييد موقف المنتقدين ودعم رأيهم السليم، وقد اختاروا في النهاية الاكتفاء بتسجيل الموقف.
كان صيف تلك السنة صعبا علي، فقد كنت اضطر للإقامة في مراكش، بضعة أيام في الأسبوع، وكان المقر هزيل التجهيز، وكانت الرحلات المتعددة بين البيضاء ومراكش منهكة، ومما عسر الأمر أكثر، انسحاب أحد رفاق القيادة المحلية، الذي لم يستطع هضم تعييني، وربما كان يعتقد انه الأجدر أو يراني غير أهل لتلك المسؤولية أو قد يكون تهيب القمع المحدق بنا. وقد أثر انسحاب هذا الأخير سلبا على خلية كانت تضم زهرة تلاميذ مراكش يومئذ، ويتعلق الأمر بالرفاق بلكوش والدرقاوي وإدكروم. ولم أتردد في الالتقاء بهم وفي إجراء حوار صريح معهم توج باستئنافهم لنشاطهم، وتضاعف هذا النشاط بعد أن تولى الأستاذ حيسان مسؤولية خليتهم.
وبعد عشر سنوات، عاد الرفيق المنسحب للالتحاق بنا في منظمة العمل الديمقراطي الشعبي وترسخت علاقة قوية بيني وبينه.
الأهم أن تجربتي في مراكش كانت خصبة، تميزت بعلاقات جيدة نضاليا وإنسانيا في اللجنة المحلية، وعرفت توسعا تنظيميا استثنائيا بين تلامذة الثانوي ورجال التعليم والحرفيين وبعض العمال. ونضجت أسماء رائعة أشرفت على إعدادها للانضمام إلى التنظيم المركزي، من بينها طالع السعود الأطلسي والموطأ وآل برادة حميمة وآل طليمات. ولعب تنظيم مراكش دورا فعالا في ندوة الربيع 1974، وفي ندوة الصحراء (أكتوبر السنة نفسها) وكان رفيقنا محمد حيسان قد أعد لهذه الندوة وثيقة متميزة لم يبرهن فيها أن الصحراء مغربية فقط، بل برهن فيها كذلك على أن المغرب صحراوي، من خلال تتبع جذور الدولة الممتدة من نهر السنغال، ورصد أصول الأسر التي حكمته، وهي أصول متجذرة في الصحراء.




أعلى