قيس مجيد المولى - رائحة الخروع‮

لم تأت المربية بعد‮ ‬،‮ ‬كونها بقيت تقرأ في‮ ( ‬رائحة الخروع‮) ‬، السيد أولسن بقي‮ ‬في‮ ‬الكرسي‮ ‬الهزاز‮ ‬يهز جسده ومع إهتزاز جسده بدأت قبعته الإستوائية البيضاء والتي‮ ‬سبق وأقتناها من بومباي‮ ‬هي‮ ‬الأخرى تميل‮ ‬يسارا وشمالا بل تساقطت عدة مرات من فوق رأسه‮ ‬،‮ ‬ولكنه وفي‮ ‬كل مرة‮ ‬يسرع لإلتقاطها بحركة مضطربة من‮ ‬يدية ليعيدها الى وضعها الطبيعي‮ ‬، أمامه ثمار‮ ‬،غابات‮ ‬،‮ ‬ومركب‮ ‬يَحمل مجموعة من العازفين‮ ‬يمسدون بأصابعهم الرشيقة شرايين هذه الآلات‮ ‬،‮ ‬كانت‮ ‬لوحة زيتية سبق وأقتناها السيد أولسن من دار التحف الأهلية في‮ ‬بودابست بأخر سعر أعلنه‮ ‬صاحب المزاد قبل أن‮ ‬يطرق بمطرقته على المنضدة الأمامية وهو‮ ‬يعلن أن اللوحة بيعت للسيد أولسن بسعر‮ ‬ 3600 ‮دينار ،‮ ‬إستدارت السيدة التي‮ ‬تجلس في‮ ‬الصف الأمامي‮ ‬والتي‮ ‬تضع في‮ ‬قبعتها ريشاً‮ ‬متعدد الألوان من ريش طاووس كانت قد إشترته من سوق الغزل في‮ ‬بغداد حسب ما أخبرت السيد‮ ‬أولسن فيما بعد وعلى مائدة التعارف التي‮ ‬جمعت بينهما،‮ ‬حين كان زوجها‮ ‬يعمل ملحقا عسكريا في‮ ‬السفارة البريطانية في‮ ‬بغداد أبان عرش فيصل الثاني‮ ‬،‮ ‬إستدارت ورمقت أولسن بغمزةٍ‮ ‬عبر إغماضة نصف عين‮ ‬،‮ ‬لم تأت المربية بعد ولازالت تقرأ في‮ (‬رائحة الخروع‮ ) ‬وهو النص الذي‮ ‬إختارته من منفى سان جون بيرس ‮(‬بمقبرة العائلة‮ ‬، ‮ ‬بين مرايا الغرف الثلاث‮ ‬، ‮ ‬ماكان‮ ‬ينبغي‮ ‬، ‮ ‬قتل العصفور بالحصاة‮ )‬ ‮ ‬لم تنظر‮ ‬الى ساعة الصالة‮ ‬،‮ ‬ولا التي‮ ‬في‮ ‬معصمها ولاتلك التي‮ ‬في‮ ‬رقبتها‮ ‬،ولا حتى ساعة سمكة الينبوع المنحوتة في‮ ‬قلب صخرة كبيرة على الشاطئ‮ ‬،‮ ‬ولا حتى حين قرعت أجراس كنيسة أوستريا المدينة التي‮ ‬تقع بعد بلاها تير بمحطة واحدةٍ‮ ‬من محطات مترو بودابست‮ ‬، كان هناك من‮ ‬يشير اليها بمنديل أبيض عند مدخل محطة‮ ( ‬كالاتي‮ ) ‬وهناك من‮ ‬يتفرس بوجهها‮ ‬، يتفرس بوجهها بمنظار وضع للسائحين عند تمثال بودا للمدينة التي‮ ‬تشكلت من‮ (‬بودا وبشت‮ ) ‬وقامت كحواء أنيقة من‮ ‬غزوات القبائل وأطماع الجيران‮ ‬، من الحق لم تأت المربية‮ ‬،‮ ‬ثم مالي‮ ‬وأنا لاأملك مَن‮ ‬يُربى ربما شيء من الأمان‮ ‬يشعرني‮ ‬بذلك‮ ‬،مالي‮ ‬وأنا أستطع أن أطفئ وحدتي‮ ‬بالتجوال قرب الأسواق‮ ‬،‮ ‬الوقوف قرب النافورات‮ ‬،‮ ‬قرب حلقات الرقص‮ ‬،‮ ‬وليكن في‮ ‬بار النبيذ الأبيض‮ ‬،‮ ‬مجرد الحصول على ضوضاء ضمن منفى‮ ‬، وبدأ‮ ‬يهتز من جديد إهتزازاً‮ ‬لاصلة له بكرسيه الهزاز‮ ‬،‮ ‬ربما بفعل تأثير بيكاسو عليه أو ديلاكروا من‮ ‬يدري‮ ‬ربما حين تسللت الى أذنيه إسبانيا الوحيدة‮ :‬ أيتها المربيةُ‮ ‬،‮ ‬كان قدري‮ ‬أن أقتنيك‮ ‬،‮ ‬وقدري‮ ‬أن أفقدك، وكلما أحاول أن أعيد رسمَكِ‮ ‬،‮ ‬سأبقى هكذا أهتزُ‮ ‬دائماً‮ ‬الى الأبد‮ ‬،‮ ‬وتبقين أنتِ‮ ‬تبحثين عن شيء ما في‮ ‬رائحة الخروع‮ .‬

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى