العربي مفضال - تكسير جدار الصمت -14- اللعـب الخبيـث

شهدت نهاية ثمانينات القرن الماضي حدثا بالغ الأهمية تمثل في الإفراج عن الدفعة شبه الأخيرة من المعتقلين السياسيين اليساريين الذين “تبرعت” عليهم جنايات البيضاء، سنة 1977، بأحكام “مجنونة” تراوحت بين المؤبد وثلاثين سنة٠
وكما أصبح معروفا، تعرض هؤلاء المناضلون الذين كان المحكومون منهم بخمس سنوات وعشر، قد غادروا السجن بعد انتهاء “محكوميتهم”، تعرضوا لأنواع قبيحة من اللعب. فقد صدرت في حقهم تلك الأحكام الجائرة رغم أن التعبير عن معارضتهم للنظام اقتصر على النشر والإضراب والتظاهرالسلمي٠
ومن أخبث الألاعيب التي استخدمت ضد هؤلاء اتهامهم جميعا بتبني موقف معاكس للوحدة الترابية للبلاد. لكن هؤلاء الغيورين جدا على تلك الوحدة ضربوها في الصميم، عندما ألصقوا ذلك الموقف بالجميع، وقدموا للعالم صورة مزيفة تبرز أن جيلا كاملا من المناضلين اليساريين كان يقف ضد الوحدة المذكورة. وقد استمر ذلك اللعب الخبيث رغم أن عددا من رفاقنا ومن بينهم علال الأزهر وعبد العالي بنشقرون والمرحوم عبد السلام المودن، رفعوا الصوت عاليا في محاكمة البيضاء مؤكدين مغربية الصحراء وحق الشعب المغربي في استردادها.
وحتى عندما تقرر الإفراج عن الدفعة سالفة الذكر، عاد اللعب الخبيث بصورة أكثر انفضاحا، حين زعم اللاعبون أن استثناء المناضل أبراهام السرفاتي من العفو تم بسبب موقفه من قضية الصحراء. هذا في وقت كان فيه الجميع يعرف أن العديد من المتمتعين بالعفو كانوا يتقاسمون مع السرفاتي موقفه من القضية.
وتمادى الخبثاء في اللعب، واختلقوا للسرفاتي هوية جديدة لتبرير إبعاده عن وطنه، وأعادوه إلى أصول أمريكية لاتينية قديمة مستندين في ذلك إلى “فتوى” محاميهم الشهير محمد زيان. ونسي هؤلاء أن ما أدلوا به في الأمر يدينهم بجرائم التعذيب والسجن ضد مواطن أجنبي لا يمكن لومه على مخالفة الموقف المغربي الرسمي من قضية الصحراء.
لقد تنفسنا الصعداء بعد الإفراج عن رفاقنا… واستقبلناهم بالأحضان، تعزز بهم أداؤنا السياسي والتنظيمي والإعلامي. وفي هذا السياق أتذكر بالرضى والارتياح كيف تجاور في جريدة “أنوال”، في مكتب واحد، الرفيقان عبد السلام المودن وشيشح ميمون.
وتنفسنا الصعداء أيضا عندما وضع، في عهد الملك محمد السادس، حد لذلك اللعب الخبيث… عندما أعيد المناضل أبراهام السرفاتي إلى بلاده التي خدمها بكل حب وتفان، وعندما أحيط بالاحترام والتقدير والاعتراف بالجميل.
ورغم اتضاح الأمور، وافتضاح التلاعبات. فقد أصر الخبثاء على مواصلة خلط الأوراق وتلاعبوا بحق المناضلين المتمتعين بالعفو الملكي في العودة إلى وظائفهم فسمحوا لبعض هؤلاء ممن استفادوا من قرارات العفو الأخيرة بالعودة إلى مواقع عملهم. وأصروا على مواصلة إغلاق الأبواب في وجه الدفعات السابقة.
ولا بد من الإشارة في هذا المقام، إلى أن موضوع إعادة المناضلين، المغتربين والمعتقلين السابقين، إلى وظائفهم وتعويضهم، لم يطرح بجدية إلا في عهد حكومة عبد الرحمان اليوسفي. ورغم أن الموضوع قد طرح في الشهور الأولى من عمر تلك الحكومة… فقد وضعت العراقيل تلو العراقيل في وجه تسوية الموضوع، وتواصلت الاجتماعات الفارغة بين ممثلي الوزارات المعنية بهذه التسوية، واحتار “الخبراء” في الاتفاق على تفسير محدد لرسالة الوزير الأول حول أسس تلك التسوية.
وفجأة بين عشية وضحاها أخذ الملف طريقه نحو المعالجة النهائية بسلاسة منقطعة النظير… وتحقق ذلك مباشرة بعد رحيل إدريس البصري عن الداخلية وعن الحكومة.
ومن الاكتشافات المفزعة التي وقفت عليها، وأنا أبحث في أرشيف وزارة التربية عن الوثائق الإدارية التي تدعم ملف العودة إلى العمل.. أن جهة ما أعادت طبخ ملفي بطريقة شيطانية وادعت أنني استنفدت دورات الترسيم، وصدر قرار بالعزل في حقي قبيل تعرضي للمتابعة البوليسية.
ذهلت وأنا أحدق في هذا الملف الذي مزق قرار المفتشين، وقرار وزارة التربية بترسيمي في ربيع 1974، وقرار وزارة المالية بتسوية وضعيتي المادية على هذا الأساس.



إعداد : مصطفى لطفي




أعلى