العربي مفضال - تكسير جدار الصمت (16) الحلقة المفرغة للمقاطعة والمشاركة

في بداية 1992، كانت أنوال قد حققت انتقالها إلى الصدور اليومي، وكان على رأس تحريرها الرفيق الأطلسي، وفي هذه الفترة قاطعت اجتماعات الكتابة الوطنية احتجاجا على استفزاز أحد أعضائها الذي كان يرى، ضمن من يرى، أن أعضاء هيأة تحرير أنوال يشكلون مركز قوة يتعين قصفه، وتفكيكه على كل راغب في الانفراد بالزعامة في المنظمة. ولم ينتبه لا صاحبنا ولا صحبه، أن ما كان يميز تلك الهيأة من انسجام، وخاصة في الأمور المهنية، يعود إلى الممارسة المشتركة طويلة الأمد، ولا يعود إلى تكتل مصلحي، والدليل على ذلك أن الهيأة المذكورة كانت تتعايش فيها معظم الآراء والمواقف السياسية التي كانت متداولة على صعيد المنظمة.
وقبل نهاية السنة سالفة الذكر، اندفع الماسكون بزمام الأمر في القيادة في تنفيذ قرار لم يكن للمنظمة عهد بمثله، ويتعلق الأمر بإسقاط اسم الأطلسي من رئاسة التحرير دون إنذار أو إخبار مسبق أو مناقشة.
كانت المنظمة في تلك الآونة تغلي من الداخل، وتتجاذب أطرافها الوثيقتان اللتان تقرر تنظيم استفتاء شامل حولهما لتحديد الموقف من الانتخابات.
ووصل الأمر إلى حد مؤسف من العبث، حين فاز في الاستفتاء موقف المقاطعة، وتقررت إلى جانب ذلك، المشاركة في الانتخابات التشريعية في صيف 1993.
كنت أشعر بحرج شديد عندما كنت أشارك في تعبئة الفروع المحلية لخوض تلك الانتخابات، خاصة حين كان بعض الرفاق يسألون عن المعنى من مقاطعة الانتخابات الجماعية البارحة، والمشاركة في الانتخابات التشريعية هذا الصباح. وقد تجنبت الإجابة عن هذا السؤال محيلا إياه على زميلي في القيادة الذي كان يشاركني في تلك التعبئة، وذلك باعتباره كان من صقور المقاطعة البارحة، ولكن صعوبة التوفيق بين المقاطعة والمشاركة لم تكن تسمح إلا بأجوبة تبعث على الإشفاق.
أصبحت المنظمة تغلي من الداخل في أعقاب تجميد قرار اللجنة المركزية المتعلق بالمشاركة في الانتخابات الجماعية، والتشطيب الأرعن عن اسم الأطلسي في رئاسة تحرير أنوال، والتوجه إلى تنظيم استفتاء كان يشطر المنظمة إلى شطرين.
في هذه الفترة، أي نهاية 1992، أبدع أحد الرفاق وصفة عجيبة هدفها نبيل، وهو صون وحدة المنظمة وتأمين استمرار إعلامها، ولكن ثمنها كان مجحفا بالنسبة إلي. وتقوم تلك الوصفة العجيبة والغريبة على تقاسم رئاسة التحرير بيني وبين المرحوم حسين كوار. وكنا قد عينا هذا الأخير في نهاية الثمانينات مديرا سياسيا إلى جانب مديرها الإداري بعد أن تعرض الأخير للاحتجاز الظالم في إحدى المرات. وقد حرصنا، في القيادة، من وراء ذلك التعيين على عدم تحميل الرفيق عواد فوق طاقته بالنظر إلى وضعه الصحي الذي لم يكن على ما يرام.
كنت أكن وأعلن تقديرا خاصا للرفيق كوار، رحمة الله عليه، فقد كان يمتلك طاقة هائلة على الحركة لم يكن يضاهيه فيها أحد، وكان جريئا وشجاعا، وعالي القدرة على التحمل، وبرهن على ذلك مرات عديدة، وخاصة في تجربته السجنية التي أخذت خمس سنوات من زهرة عمره.
ولكن المرحوم كوار من جهة أخرى لم يكن كاتبا، ولم يسبق له أن نشر مقالة واحدة في أنوال. وإذا كان الغرض من إشراكه في رئاسة التحرير هو المراقبة، فإن هذه الأخيرة لم تكن متيسرة بحكم وجوده في الدار البيضاء بعيدا عن مقر الجريدة في الرباط.
كان الرفيق مبدع الوصفة سالفة الذكر، يحاول إقناعي بضرورة تحمل قسطي من المسؤولية في صون وحدة المنظمة التي كانت مهددة، ويصر على طمأنتي بأنني سأكون المقرر بحكم تجربتي ووجودي في مقر الجريدة، وبأن حريتي ستكون واسعة في المبادرة.
ورغم قبولي للمهمة الملغومة في نهاية الأمر، فإنني لم أكن أطيق العمل من وراء ظهر أي أحد، ولم أسع لاستغلال الوضعية التي أشار إليها مبدع الوصفة، من أجل تمرير موقف خاص أو رأي يتناقض مع التوافقات العامة السائدة داخل المنظمة حينئذ.


إعداد: مصطفى لطفي



أعلى