مريم لحلو - قبلة على الخد.. قصة قصيرة

بدأ " التطبيق" الجديد يكتسح الحي الهامشي والأحياء المجاورة، وامتد إلى عمارات السكن الاقتصادي المتراصة. فقد بدأت عاملات المصانع الشابات، والأجيرات ذوات الدخل المحدود، وتلميذات الثانويات والطالبات يتزاحمن في النقل العمومي وهن آخر ( شياكة ) كل ما يرتدينه موقع من كبريات دور الأزياء والعطور والمساحيق العالمية. حقائبهن من كوتشي وPrada وهيرميس Hermes. وساعاتهن من Guess وCalvin Klein ومجوهراتهن من Mauboussin وفساتينهن من Versace و Fendi . والفتيان أيضا صاروا كلهم يرفلون في بدلات من Ralph Lauren وأحذية من Armani، ولا يبخلون برش الكثير من عطر Coco Chanel الباهظ الثمن.
في البداية لم يكونوا ليثيروا انتباه أحد. أولا لقلة عددهم. وثانيا لأن الناس اعتادوا أن يتفننوا في إعطاء التفسيرات، والتبريرات للظواهر الاجتماعية لكسر الرتابة عادة أو لإظهار الحذاقة والتفقه في كل شيء. ولكن الأمر زاد عن الحد فقد كثرت الأعداد بشكل رهيب يثير شكوك حتى أكثر الآباء تفهما. من أين لكل هذه الأعداد الغفيرة باقتناء هذه المقتنيات الفاخرة التي قد تساوي قطعة صغيرة منها راتب موظف محترم في الدولة؟
وهكذا أصبحت صورهم و( وسيلفياتهم بسناب شات) وغيره تنافس صور نجوم التمثيل وكرة القدم على تويتر والأنستاغرام مما أثار حول الأمر كله شكوكا عالمية. خاصة بعد انتشار بعض أنواع الماركات التي لا يصنع منها إلا نسخا خاصة لنوع خاص من البشر.
في بادئ الأمر، شاع أنها بتدبير من شركات صينية تقيم تحت الأرض تزيف كل ما يمكن أن يزيف. لكن البحث في ذلك الطريق لم يفض لشيء. بل لقد سرى ما يشبه النزيف فالجميع صاروا يخرجون في أبهى الحلل. هو أمر يدعو للفرح أن يختفي البؤس من الوجوه ويحل محله الرضى. وقد ود الكثيرون لو أن الأمر لا يقتصر على الملابس ويتعداه إلى السيارات الفاخرة والفيلات الشاسعة. ولكن هذا الطلب العزيز لم يستطع " س" توفيره لهم. وكان هو نفسه مازال يمتطي دراجة هوائية إذا ود قضاء أمر ما ونادرا ما يحدث ذلك. فقد تقوس ظهره وهو يبتكر التطبيقات الجديدة دون أن يفكر في تمتيع نفسه ولو بالقليل من الذي يمتع به غيره. كان يجد في نفسه السعادة العارمة وهو يعلّم أحدهم أو إحداهن طريقة الاستعمال. فبالضغط على أزرار معينة يلبس ما شاء من أي ماركة شاء ولا حاجة به لشراء الملابس. وبالتالي لا حاجة لدولاب أو ما شابه. يكفي هاتف ذكي متصل بشبكة أنترنيت.
وقد كان يضيف نصيحة أخيرة وهو يظفر بقبلة على الخد، وهي ضرورة الحفاظ على الهاتف متصلا بشبكة الأنترنيت. وأي داهية دهياء ستقع للذي فصل هاتفه أو فصل هاتفها عن الشبكة وهو يلبس حتى ملابسه الداخلية من " التطبيق" العجيب.


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى