قيس مجيد المولى - لم تتركني لحظة واحدة (قص من مشهدٍ واحد)

ما إن جلستُ المقهى حتى رمقني بنظرةٍ متفحصةٍ، رددتُ عليه بمثلها بعدَ أن عجزت عن مصافحتهِ أو الإستفسار عن نواياه ،الرجل الذي في الصفحة التاسعة من رواية هرمان هيسة "ذئب البوادي"، في ما بعد أدركت رمقني بنظرة فاحصة حين سقطت قطرات من القهوة التي كنت أرشفها على صورة لإمرأة في الصفحة الثامنة كان سيشاركها الحوار عن المؤونةِ التي سوف تحملها كلابُ الصيد بالزلاجات .
............................
لم تتركني لحظة واحدة، تدفع لي أجرة الباص، وجبة الطعام في الروستورانت، تعد القهوة، تنظم في الليل فراشي ، تُنَصِبُني ملكاً على الحبشة،
لم تتركني لحظة واحدة .. أوهامي.
............................
ظل ساعي البريد ينظر اليها بــ تأمل كونها رسالة الى إمرأة وبلا عنوان،
هذه المرة وخارج عادته فكر قليلاً، الأفضل أن أعيدها الى مركز البريد ، مشى ودراجته خطوات وما إن رأى الشجرة التي اعتاد دائماً الوقوف جوارها عَدلَ عن فكرة الذهاب الى مركز البريد، قال لنفسه الأفضل أن أفتحها أسوة بالرسائل التي قبلها وأقرأ ما بها ، وردَدَ لابد أن أقرأ مابها نعم لابد وبدأ يقرأ :
أيها الملعون ياساعي البريد ، أنت لص ورجل فاسق ،
دائما تفتحُ رسائلنا لتقرأ مابها أيها الثمل المنحرف ،
وبهدوء وبلا حياء طوى الرسالةَ وأعادها الى ظرفها وهو يخاطب دراجته :
أهذه حياة ،إنهم يتجسسون علي ، لايمنحونني حريتي .. ياله من عالم غريب الأطوار.
............................
لست قادرا على مصارحة القضاء والقدر ، وتبني الروح بدلا من الجسد ، لست قادرا على أن أكون بدلا من أن أكون ظلاً ، وملأ أوراقه بــ لست ولست ...
ونسي أن بذرة كونية تنتظر أن يضعها في المكان اللائق، لكنه إستمر بــ لستُ ولستُ وَلست
............................
تُضرب الأعناق بحكايا قديمة
بحفلاتٍ صاخبةٍ بموروث بونورامي عن مشروعٍ طارئ
في الرّحلةِ الزَمنيةِ التي أُعدت للخليقةِ
يومياً تتلفُ أجزاءٌ من الذاكرة
وَ تُخلخلُ أجزاءٌ أخرى
قبل موته
بدلاً من لغته الأصلية التي يكتبُ بها الأن
أرادَ تعلُم لغةً جديدة
كي يطلبَ الغفرانَ بهذهِ اللغةَ منَ الرّب
............................
أكثرَ من الهزات العنيفة وظواهر الإشكالات النفسية
وتعدى ذلك الى فائض الحواس
وأعطى للتجريب خاصية أحادية ضمن منطق العقل الواعي
نظرَ منَ النافذة
رأى تشكيلاً من الطيور المهاجرة على شَكلِ قَلب ،
ورأى الحديقةَ التي غادرتها الحياةُ بسبب إهماله ،
وجارته التي تصلح زرَ الإنارة
وكلبه الذي يعوي وراء الجُرذ ،
أغلق النافذة وتمدد على سريره
بعدَ أن أدركَ أن أفكاره باردةٌ ولا تسترعي الإنتباه.
  • Like
التفاعلات: Maged Elgrah

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى