يوسف نصر - شذراتٌ على مذهبِ رولان بارط..

أنا رجلٌ يصمتُ كثيرًا ، حتّى و إنْ صرختُ فإنّي أصرخُ بين جدران غرفتي و لكنّها لا تُرجعُ الصّدى ، أقضّي يومي صاعدًا نازلا في ملكوتِ الطّرقاتي ، أملكُ حذاءً وحيدً و قميصًا وحيدًا و وجْهًا وحيدًا و قلبًا واحِدًا ، أبْكي للفرحِ رغم أنّي أشاهدهُ مارًّا من بعيدٍ على وجوهِ الآخرينَ و ابكي للحزنِ إذْ ما تأخّر عنّي ، أكثرُ كلامي فتافيتُ نصوصٍ أتجشّأُ بها إذا طالَ بِي المُقامُ ، لا أدّعي السّعادةَ و لا أملكُ أسبابَ الوصولَ إليها قرأتُ عنها كثيرًا حتّى أنّي صرتُ على يقينٍ أنّها جعلتْ لنكتبَ عنها ، فصرتُ أزرعها في حقولِ الآخرين ، أصدقائي المتخمونَ بالحكمةِ ذاقوا ذرعًا بكآبتي و حزني الغريب انفضّوا من حولي و أنا ألمسُ لهم عذرًا مقدّسًا فماذا يصنعون بصحبةِ رجلٍ يكرهُ الضّوضاءَ و الجلوس على حافّةِ الشّوارعِ الرّئيسيّةِ التي تعجّ بالمتسوّلين و قططِ الأفكار و سقطِ المتاعِ من فضلاتِ الحاضرةِ و بواديها ، أنا في حيرةٍ من أمري هلْ أنا طيّبٌ أمْ ساذجٌ ؟ صدقًا لم أعدْ قادرًا على رسمِ احداثيّاتٍ لنفسي ، أذكرُ أنّ صديقةَ عزيزةَ نصحتني مرّةَ و هي تُخاصمني أنْ أزورَ طبيبا نفسيًّا لأنّي أعاني من عقدِ الهويّة و الأنتماءِ لمْ أعرف هل كلامها من باب الشّفقة أم من بابِ السّخرية ؟ و لكنْ ماذا يفعلُ طبيبٌ لرجلٍ يقرأُ للدّوعاجي و بارطْ و ينامُ على خيالِ " متعب الهذّال " ؟ أيُّ شفاءٍ قادرٍ على أنْ يزيحَ من مفكّرتي تمايل سفينةٍ جبرا ابراهيم جبرا و هي تشقُ رأسي و تشطرهُ إلى نصفين ، نصفٌ متفائلُ و نصفُ آخر ينزفُ دمًا و لغةً و شعرًا ؟ أيُّ دواءٍ يذهبُ عن راسي صداعهُ و دُوّارهُ بسببِ مأساةِ قيصر ؟ ايّ أملِ يمكنُ يعيدَ للدّيْرِ راهبتهُ ؟ لقدْ أكلَ النّسرُ من كبدي و الصّخرةُ تكادُ تحطّمُ عظامي ... على كُلٍّ لنْ أنسَ لصديقتي نصيحتها الثمينةِ ... إنّ قلبي يفسدُ كلّ أيّامي ، ليلة البارحة زارني صاحبُ الشطّارِ حافيا كخبزهِ لمْ يتكلّمْ لأنَّ ضجيجَ طنجهْ موقّعٌ توقيعًا كافيًا لنعرفَ أنّ اللّيل قدْ انتصفَ و هي لمْ تأتِ ... أهْ منْ كلّ أمرٍ فيها عجبٌ ... مزاجها يشبهني كثيرًا ، تتأنّقُ لأجلِ صورتها في المرآةِ ، بيني و بينها ألافُ الكيلومترات من الصّبرِ و الشّعرِ و الحكايا ، بيني و بينها فواصلُ منَ البحَارِ و الشطآنِ ، شكوتها مرّةَ إلى اللّه فلمْ يسْمعْ مقَالتي بلْ زادها كبرياءً و تجاسرًا ... لماذا لا نتّفقُ بيننا ؟ أنتِ تتجمّلينَ و أنا أكتبُ عنكِ ... أحبُّ حديثها عنْ الألوان و الزينة و أقلامِ الشّفاهِ ، أحبُّ وزنها العصفوريّ ،أحبُّ سخريتها منّي و صبري عليها ... كلّ يومٍ أودّعها لأنّي لستُ على ثقةٍ أنّها ستعودُ في اليوم الموالي ، و حتّى و إنْ حدثَ فإنّي أصمتُ أخافُ أن يكسرَ الكلامُ بلّورَ أسوارها ، ابحثُ عن كلّ الاسبابِ لأراها و كلّما فارقتها اقتفيتُ أثارها لعلّ ورقة نافرة تسقطُ من شجيرتها احتفظُ بها للخريفِ القادمِ ...
"لماذا أعود ثانية للكتابة ؟ عزيزتي , يجب أن لا تطرحي اسئلة بمثل هذا الوضوح , لأنني في الحقيقة ليس لدي شيء اقوله لك غير ان يديك العزيزتين ستتلقيان هذه الورقة " بارط .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى