بشير جمكار - الصدى.. قصة قصيرة

لا تعرض نفسك لظل غمامة، سرعان ما تنزاح، ويستمر في نفسك عمقها، هيا ارفع نجوم الله على كتفيك، وامض، لا تسترح، لا تنم، حتى تستريح عدد النجوم التي أفلت وهي لم تشبع من عناق حبات الطل، تلك التي أكلها المحيط خلسة، فضاعت فضيتها، وتاه التوهج في عتمة الزرقة. يا موزع الراحة، من أين تبدأ الرشفة العميقة مسارها إلى النفس قبل الجسد؟ أفرغوا براميل، بلا صنبور، على نقطة قلبي الذي لم أره، ذاك قلبي الذي يتفرج على فرحة ماتت، كما رقص على طبل فقد صفحة وجهه السفلى، ودخل المتحف الذي أقامت له وسائل الاعلام عرساً. وجه الطبل المفقود يتعرض للأرَضَة، والغبار، فكيف ضيع الطفل صفحته المفقودة؟ فاحملوني إذن على صدر كلمة لم تطأها أقدام »السادة« والسيدات في العرس الذي أقامته وسائل الاعلام، في زمن الاختلاط، وانتعاش التفاوت. احملوا أنخاب الاحتفالات الشتى. وارفعوا الكؤوس عالياً، وعلى صدر الكلمة دعوني أنتظر الآتي والراحل، وطوبى لأفراحكم التي لم يشارك فيها قلبي.
من تحت غطائه نهض مذعوراً، رأى زوجته ما لبثت تلقم طفلها ثديها الصغير، انتبهت مذعورة، وبسرعة التفت هنا وهناك، وجرى، وفي مقدمة ساحة الدرب، لم ير »أبو حيان« ولا أطفالا، وأمام السقاية العمومية وجد رساماً ممدوداً تحت صنابير السقاية، يضحك للماء، ويتأمل لوحة وألواناً، صاح الرسام العاري وهو يرمي اللوحة بعيداً. »لا، أين وجه لوحتي الواحد، أريد أن أرى لوحتي«.
وعلى ظهره انقلب هادئاً، ويداه بجانب قلبه تعلوان، وتهبطان بعنف على مساحة قلبه، وصنابير السقاية تصفع الجسد بلا توقف، واللوحة ذات الألوان المزدحمة أعطت وجهها لجدار قديم.
لبث أمام المشهد واجماً وأحس أن رأسه تؤلمه، وتحت صنابير السقاية ترك على مساحة قلب الرسام رأسه ولم ينم هذه المرة، والعلجوم يبحث عن الذي زيف بيضة أنثاه.


* (.) من مجموعته: »سرير أحزان«

نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 22 - 05 - 2009
أعلى