إيتالو كالفينو - المرآة، الهدف.. ترجمة: محمد عيد إبراهيم

" وأنا طفلٌ، كنتُ أقضي ساعاتٍ أمامَ المرآةِ أُقلّد الوجوهَ. ليس لأني أظنّ وجهي وسيماً لا أمَلُّ من التطلّع فيه؛ بل إني على النقيض لم أكن أتحمّله، ذلك الذي هو وجهي، لكن تقليد الوجوه كان يمنحني الفرصةَ لأُجرّب المختلف منها، الوجوه التي تظهر ثم تُستبدل للتوّ بوجوهٍ أخرى، حتى ظننتُ نفسي شخصاً مختلفاً، عديدين من كلّ لون، جمهرةً ممّن يصيرون واحداً بعد آخر (أنا)، تصبح (أنا) هم، ثم يصبح كلّ منهم أحداً آخر منهم، ريثما (أنا) وكأني لم أوجد قطّ.
بعدما أُجرّب أحياناً ثلاثة أو أربعة وجوه مختلفة، أو ربما عشرة، أو اثني عشر، أُقرّر واحداً منها أُفضّله، فأُجرّب أن أستعيده، أُرتّب ملامحي من جديد لأضعها في ذلك الوجه، حتى تبدو على نحو أفضل. لكني لا أستطيع. وما إن يمضي واحد من تلك الوجوه، حتى لا يعود لي أن أستعيده، أو يندمج بوجهي ثانيةً. في هذه المحاولة أتّخذ وجوهاً متغيرة، مجهولة، غريبة، معادية، يبدو أنها تأخذني أبعد وأبعد عن وجهي الضائع. سأكفّ يوماً، وأنا مرتعبٌ، عن تقليد الوجوه، أما وجهي اليوميّ القديم فسيظهر ثانيةً، لكنه سيبدو أشدّ كآبةً عن ذي قبل".
.................
(*) من مجموعة (أرقام في العتمة)
أعلى