ناصر الجاسم - الجنات

إلى الصديق/ زياد السالم، وهو يحار في اختيار شراب يطفئ لهيب ذاكرته الشمالية.

رأيتُ وأجهزة دعم الحياة موصولة بجسدي شبه الميت شجرة مثمرة بنهود بيض وسود وأغصانها المثقلة بالنهود الفتية المتدلية تميل بالأفرع الخضراء إلى الأرض الصفراء وأنا تحت جذعها البني الحائل اللون أستظل بظل النهود على الأرض فاغراً فمي نحو جوف الشجرة العظيمة لعل نهداً أبيض أو أسود يثمر فيه بعد السقوط ولا شيء يثمر في فمي إلا الجفاف!!
حين استيقظتُ على صوت الشريط الورقي البرتقالي وهو يلفظ نفسه مخططاً بأهرامات متكسرة من جوف جهاز تخطيط القلب قلتُ لهن قبل أن ينقطع الشريط الذي يقرأ قلبي: النساء الكذوبات لو يتعرين أمامي لاكتشفتُ أن أجسادهن يكذبن، يكذبُ نهد عطرة الأبيض حين يقول: لم تلمسني إلا يد أختي المازحة المداعبة!!، ويكذب فخذ يقين المضيء نوراً وهاجاً حين يقول: لم ترن إلا عين أمي الفرحة ببلوغي!!، ويكذب ردفا عناق الآخذين لون سمرة التراب وهما يتعاركان في عجيزتها حين يقولان: لم يركب علينا إلا البرتقالات والرمانات التي يُدحرجها الأطفال المشاغبون من أعلى الظهر إلى منتهى الردفين مارات على طريق العمود الفقري المستقيم!!، ويكذب عنق دلع حين يقول: لم يقبلني إلا سلاسل الذهب والمجوهرات!!، ويكذب بطن كريمة حين يقول: لم يحتك بي إلا رقائق الحرير وناعم القطن وغالي الصوف!!.
كن عاريات يطرن في فضاء الغرفة الضيق ويلتصقن بجدرانها الأربعة وسقفها الواطئ، يطرن وشعور عاناتهن المجعدة والمسترسلة السوداء و المشقرة مطلقة بين أفخاذهن ومجدلة، يتصادمن بنهودهن وهن سابحات في الفراغ فأفيق على صوت الصدام الهش للنهود لأقول لهن وصورة معدتي تنبض في تلفزيون (السونار): النساء الغيورات لو يكففن عن بكائهن أمامي لعرفتُ أن عطرة تغار من يقين وأن (يقين) تغار من عناق وأن (عناق )تغار من عطره ويقين وأن( دلع )تغار منهن جميعهن وأن كريمة تضمر غيرتها لعقد صبا لم يأتِ!!.
آه لو تتوقف الشهوة عن الخروج من أفواههن بتلك الرائحة الخبيثة، لو تتوقف نطف الحب النجسة عن الركض في أرحامهن المتقبضة المشدودة إلى الخصب، لو يتوقفن عن تلويث فساتينهن بالشهوات المفاجئة الطارئة، لو ينكتم صوت الصيحات السريرية التي تمثل اللذة الصادقة، لكنتُ استقيتُ الحكمة والفلسفة من عناق فرجي لفرج عاهرة ولآمنت بأن العهر الجميل لا يأتي إلا من حب رجال عديدين لامرأة واحدة، وأن أصعب شيء يعرض للرجل الشريف حب امرأة عاهرة!!، ولقبلتً بأن أعمل غسالاً لفروج عاهرات في مبغى مبتذل رخيص!!.
فصلت بعض أجهزة دعم الحياة عن جسدي فنمت ورأيتُ أنني أستنشق أسفل ردفي امرأة وأنا مقعي خلفها ويداي تتمتعان بإزاحة شعرها الأسود الطويل المبلول بالمطر عن ردفيها الملتحمين، وماء السماء يهطل على مجرى الردفين ويغرق أنفي المحشور بينهما وحبات البرد تهطل غاضبة ذائبة على ظهري المقوس للحب وأنا أختنق بالماء وبلحم الردفين المطبق على أنفي!!
نائم والنساء الباكيات لن يتوقفن عن البكاء أمامي، يبكين حتى أؤمن أن عطرة تبكي عذريتها التي اغتالها مخمور في مؤخرة شاحنة !!، وأن( يقين) تبكي حملها السفاح من جندي قُتل في الحرب وأن (عناق) تبكي عشاقها الخائنين هدار وعساف وحارب وأن (دلع )تبكي قبحها الفاضح وأن كريمة تبكي عليهن جميعهن !!
فُصلت كل أجهزة دعم الحياة عن جسدي وكل الأنابيب البلاستيكية فأصبحت نصف ميت ونمت ورأيت أنني أرفع بيدي النهد الأيسر لامرأة مجهولة وأقربُ فمي من قلبها لأقبله فلا النهد بيدي أرتفع ولا فمي من قلبها اقترب، توقفت يدي عن رفع النهد وتوقف فمي عن تقبيل القلب وتوقفت الرؤيا !!.
قال معبر الرؤيا الفخاري صالح الشراري الذي يحب أكل الطين الجبلي الأحمر وأكل حلوى خد البنات وزنود الست وأكل عين الجمل وسن العجوز من المكسرات وصدر المجلس مشغول بكبار الرجال الباكين علي: أما الشجرة العظيمة المثمرة فهي دنياه المجدبة، وأما ثمرها النهود البيض فهن البنات الأعرابيات وأما ثمرها النهود السود فهن البنات الأعجميات وقد حرم منهن جميعن، وأما الفرج الذي يستنشقه من دُبِر فهو إدبار الفرج عنه، وأما النهد الأيسر الذي يرفعه بيده فهي زوجته التي لم يرفع رجليها، وأما القلب الذي لم يقبله بفمه فهو أولاده وذريته التي لم تأتِ. ولأن عقله لم يتصور أن يتعطرن ويتزين ويستحممن لغيره مات النصف الثاني من جسده، ولأن قلبه وعقله لم يقبلا معاً أن ينبطحن تحت غيره وأن ينكبن على وجوههن لأجل غيره مات جسده كله، رحمه الله لقد كان يحلم بحور عين لايكذبن ولايغرن ولايبكين.

انتهت

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى