مصطفى قشنني - فندق‮ "‬دوبل تري‮"

1
من‮ ‬غرفتي أشاهد كيف تمُد الشمسُ‮ ‬حبالها‮‬،
كيف تبسُطُ‮ ‬خيامَها الملتهبةَ‮ ‬لتتفتقَ‮ ‬رعودا مدوية‮ ‬ً‮ ‬
وعكاكيزَ‮ ‬من مطر‮.‬
2
البحرُ‮ ‬يمتد مثلَ‮ ‬سرير أبيضَ‮ ‬يتوحَّدُ‮ ‬
بالأفق،‮ ‬والأمواجُ‮ ‬وسائدُ
محشوةٌ‮ ‬بريش النوارس‮..‬
خلسة‮ ‬ً‮ ‬يُغازل الغيمُ‮ ‬أبنوسَ
مرايا أجسادٍ‮ ‬فِضِّياتٍ
نافراتٍ‮ ‬يَنْضَحْنَ‮ ‬بفيضِ‮ ‬الرغائبِ
وأنا‮.. ‬ليس لي إلا ما أنا فيه‮ !‬
3
جدرانٌ‮ ‬تتصببُ‮ ‬عشبا وطُحْلـُباً‮ ‬نَدِيًّا
قمرٌ‮ ‬أبيضُ‮ ‬يسيل حليبا أسطوريا
علي صفحة الليل القاتمِ‮.‬
ما أوحش هذه العَتْمة‮ ‬َ‮ ‬المفتوحة‮ ‬َ‮ ‬
علي أكثرَ‮ ‬من هاويةٍ،‮ ‬وما أضيق
هذه اللحظة‮ ‬َ‮ ‬الهاربة‮ ‬َ‮ ‬المزدحمة‮ ‬َ
بالأحلام الموحشةِ‮ .‬
4
ليس للموج لسانٌ‮ ‬غيرَ‮ ‬أنه
لا‮ ‬يتوقف عن سرد تفاصيل نوارسِكِ‮ ‬
مستعينا بذاكرة الزبدِ‮..‬
5
غيمٌ‮ ‬يغوص في الذاكرة
لا سقوفَ‮ ‬هناك للمطر،
لا أجنحة‮ ‬َ‮ ‬هنا للريح‮ ‬،
لا جرحَ‮ ‬للعاصفة‮ ‬،
لا سوادَ‮ ‬للثلج
الذائب بين شقوقها هناك‮.‬
6
في بلاد مطوقـَةٍ‮ ‬بالضباب
يُمنع استعمالُ‮ ‬الأضواء الكاشفةِ
يمنع تسليطُ‮ ‬الأنوار‮........‬
العتمةُ‮ ‬والقتامةُ‮ ‬سيانَ‮ .‬
نشوةٌ‮ ‬واشتهاءٌ‮.‬
7
يمتد الفجرُ‮ ‬سامقا‮ ‬
متشعبا في الرؤي
يمتد مُنتشيا
بأحلامِ‮ ‬غجرٍ
كوبيينَ‮ ‬ومكسكيينَ‮ ‬وكولومبيينَ‮....‬
لظلالٍ‮ ‬أنهكتـْها
رطوبة‮ ‬ُ‮ ‬الانتظار‮.‬
8
إيقاعٌ‮ ‬يطفو
ومطرٌ‮ ‬يقتفي
يباسَ‮ ‬الخطو
نحو شاطئٍ
أخذتْهُ‮ ‬عِزَّةُ
الموج بإثمِ‮ ‬الزبدِ‮.‬
9
لا تسأل من أين الزرقة‮ ‬ُ‮ ‬أتتْ
ولماذا تمشي سويا
مع هذا الصمتِ
الأسطوريِّ
الذي‮ ‬يشبهُهُ
تماما
في صفاءِ
حكمتهِ‮ ‬؟‮.‬
10
مثلَ‮ ‬ضفائرَ‮ ‬من ريحٍ
كان‮ ‬يغزلُ‮ ‬الأفقُ
زرقتـَهُ‮ ‬بفُرشاةِ
المعني‮ ‬
كان‮ ‬يُشكِّلُ‮ ‬من عماءِ
الألوانِ‮ ‬وبياضِ‮ ‬الحبرِ
التماعاً‮ ‬يتوقَّدُ‮ ‬نجمُهُ
شهوةً‮ ‬شهوة‮ ‬ً
في سلةِ‮ ‬الأكاليلِ‮.‬
11
هو البحرُ‮ ‬حاضنُ
صفحات الموج العارية‮ ‬،
وهذه أصابعُ‮ ‬الزبد
تقلب المحض هباء‮.‬
12
نبضاتُ‮ ‬نوارسَ
تتصادي موسيقي
معتقة‮ ‬ً‮ ‬بأنغامٍ
لألمٍ‮ ‬عُضالٍ‮.‬
13
مثلَ‮ ‬جرحِ‮ ‬قمرٍ‮ ‬فِضِّيٍّ
نزّ‮ ‬علي كؤوس العتمةِ‮ ‬،
محضُ‮ ‬خفقِ‮ ‬أجنحةٍ
مغموسةٍ‮ ‬في محبرةٍ‮ ‬الضياء‮.‬
14
كأنما كنتُ‮ ‬أتملَّي
معارجَ‮ ‬الروحِ
وأنا أتماهي
بنشوةِ‮ ‬الغسقِ
المتراصّةِ‮ ‬في
حوافي كأس
الأفق‮.‬
15
انشرختْ‮ ‬مرآتُها
فسالت وجوهاً‮ ‬وأطيافا‮.‬
بلا حسابٍ
التقطتُها
بمنديلِ‮ ‬
دهشتي‮.‬
16
المرآةُ‮ ‬توقظ
أطيافَ‮ ‬شروخٍ‮ ‬ثمِلَةٍ
مندملةٍ‮ ‬في الوجوه
التي تشبه
الأقنعة‮ ‬َ‮ ‬تماما‮.‬
17
يصعد سلالمَ‮ ‬نشوتِهِ
بضربة فُرشاةٍ‮ ‬سُرياليةٍ
غائلةٍ‮ ‬في عَماءِ‮ ‬اللوحة
التي تسعُ‮ ‬المشهدَ‮.‬
18
تَرْشَحُ
كما‮ ‬يرشحُ‮ ‬المجازُ
من لغة عارية
أنهكتها مطارقُ
النُّحاة‮..‬
هي إذنِ‮ ‬البلاغة‮ ‬ُ‮ ‬تنزفُ
من فخذ امرأة مُنزهةٍ
عن التشبيه‮.‬
19
تتسامقُ‮ ‬أشجارُها
عُتوا وعُلوا
وأنا هناك
مثلَ‮ ‬رأسٍ‮ ‬مقطوعةِ‮ ‬الظل
أنهارُ‮ ‬مقصوفا تحت فؤوس
الشك‮.‬
حافِيَ‮ ‬اليقين محضُ‮ ‬شهقاتٍ‮.




* عن ( أنطولوجيا شعراء وجدة ) من إعداد الشاعر بوعلام دخيسي
أعلى