عبد الله أبو هيف - عبد السلام العجيلي

-1-‏

ولد عبد السلام العجيلي في الرقة (سورية) عام 1918، وأصدر الأعمال القصصية التالية: «بنت السّاحرة»، (بيروت، 1948)، و«ساعة الملازم»، (بيروت، 1951)، و«قناديل إشبيلية»، (بيروت، 1956)، و«الحبّ والنّفس»، (بيروت، 1959)، و«الخائن»، (بيروت، 1960)، و«رصيف العذراء السّوداء»، (بيروت، 1960)، و«المقامات» (دمشق، 1963)، و«الخيل والفارس»، (بيروت، 1965)، و«فارس مدينة القنطرة»، (بيروت، 1971)، و«حكاية مجانين»، (بيروت، 1972)، و«سبعون دقيقة حكايات»، (بيروت، 1978)، و«من كل وادٍ عصا»، (اللاذقية، 1984)، و«فصول أبي البهاء»، (دمشق، 1986)، و«حكايات طبّيّة»، (دمشق، 1986)، و«مجهولة على الطريق»، (بيروت، 1997)، و«موت الحبيبة»، (دمشق، 1987)، و«حب أول وحب أخير - سعاد وسعيد»، (بيروت، 2003).‏
تفرد عبد السلام العجيلي بإبداعه القصصي المتميز منذ ظهور مجموعته القصصية الأولى «بنت الساحرة» في عام 1948 التي عدّت برأي النقاد والباحثين علامة انعطاف حي في تاريخ القصة القصيرة في سورية، ومؤشراً لاستواء الاتجاهات التقليدية في إنجاز قصة فنية إتباعية من حيث ضبط المعايير الفنية وعناصر القصة فيما وصلت إليه في الغرب، غير أن تضاعيف قصة العجيلي جاوزت هذه المعايير التقليدية إلى احتواء هذا الفنّ التقاليد السردية العربية من مكونات الإخبار والحكائية إلى استنطاقهما ذلك الخطاب القصصي المشحون برؤى الحياة والقيم الكامنة في أشكال المحاكاة، على أن الفعالية الإنسانية شديدة العسر والتقييد والالتباس والإسرار، ويأتي الفنّ القصص فضاء للانغمار بتجاذبات الذات والموضوع في وجدان مثقل بوطأة الوجود و المواضعات الإنسانية والاجتماعية والأخلاقية الضاغطة على التجربة البشرية. ومازج العجيلي باستمرار بين العلم والطقوس والشعائر والأعراف لتنسرب منظورات التخييل، ومنها الخرافة والحلم والوهم، قوية في صلب التحفيز الواقعي عند اكتناه مجالات تعليل الخطاب القصصي الثري بالدلالات والمعاني.‏
وقد احتضنت قصة العجيلي باستمرار وعياً بالتجربة البشرية على الرغم من تعقيدها وتشابكاتها الفكرية والعقائدية والاجتماعية والأخلاقية.‏
وأفصح العجيلي مبكراً عن مقدرته السردية الفائقة في كتابة قصة فنية بامتياز تأخذ بتقاليد القص في أبهى تجلياته مستفيداً من عناصر التمثيل الثقافي العربي في الوقت نفسه في تشكل السرد من خيارات الخبر والحكاية والمنادمة والمسامرة بذاتها إلى تماهيها مع مبنى قصصي مفعم بالإشارات والإحالات الثقافية والكلامية مثل الشعر والأمثال والأقوال والرموز وسواها.‏
واستطاع العجيلي بفضل هذه المقدرة أن يفعّل عمليات تأصيل القصة العربية بتمثل الأشكال السردية العربية في كتبه القصصية الكثيرة، على أن قصصه برمتها تتشرب هذه الأشكال السردية الموروثة في تأصيل فنّ القصة.‏
نقرأ في قصص العجيلي مواقف فكرية في صوغ فني متألق نحو إدراك مأساة الوجود العربي بتعالقاتها القيمية المختلفة لدى تناول الموضوعات ببعديها القومي والوطني من جهة، والإنساني والاجتماعي من جهة أخرى.‏

-2-‏

لاشك في أن العجيلي بفعاليته الكبيرة قد طبع الحركة الأدبية بطوابعه كماً ونوعاً، وفي الأجناس الأدبية كلها ومنها الشعر، فلم يظهر حتى منتصف الستينيات كاتب يذكر باستثناء شاعرين هما : فيصل البليبل الذي تألق لفترة من الزمن ثم أخملته السياسة إلى حين، وأخمده المرض في العقدين الأخيرين من حياته، إذ كتب قصائد كثيرة في موضوعات عدة، ولكنه لم يطبع منها إلا مجموعتين شعريتين محكومتين بوطأة السياسة كما هو واضح من عنوان المجموعة الأولى وهو «قصائد مزقها عبد الناصر» (1961)، والثاني هو الشاعر مصطفى الحسون الذي ظل معطاءً ومبدعاً حتى اللحظة الأخيرة من حياته ينسج شعره وفق أزهى تقاليد الشعر العربي كما عرفه القرن الرابع الهجري مقتدياً بالبحتري على وجه الخصوص، غير أنه طوّر في معمارية القصيدة بتأثير نزعات التجديد التي شهدها الشعر العربي في الأربعينيات والخمسينيات، على أن هذا التجديد لم يتناول صيغة البيت والأوزان الخليلية محاولاً أن يحافظ على وحدة عضوية للقصيدة وهو يعالج موضوعاته الكثيرة من الوصف إلى الفخر إلى المدح، معمّراً قصيدته بمناخ نفسي ولغوي مدهش. ومن المؤسف أن ديوان مصطفى الحسون ما يزال ينتظر ناشراً حتى الآن.‏
كان ديوان «الليالي والنجوم» للدكتور عبد السلام العجيلي الصادر عام 1951 هو أول عمل شعري حديث مطبوع لشاعر من الرقة، إلا أن العجيلي أقلع عن كتابة الشعر، باستثناء أخوانيات ووجدانيات توافق مناسبة أو سواها، ثم غالباً لا ترى عالم النشر.‏

-3-‏

يعدّ الدكتور عبد السلام العجيلي الظاهرة الأدبية الأكثر أصالة وغنى في التعبير عن البيئة، والتجاذب الحميم بين الروح الإنساني، والروح القومي، ومشكلات الحياة المعاصرة، فالعجيلي أديب كبير ومفكر بارز يتعدى حدود مدينته، إذ تبوأ مكانته العربية كمبدع معروف في النثر القصصي والروائي، والإسهام الفكري في مختلف شؤون الحياة العربية، وفي هذا العام، يمرّ سبع وثمانون عاماً على تاريخ بدايته الأدبية، فقد نشر أول قصة له، وهي قصة بدوية بعنوان «نومان»، نشرها عام 1936 في مجلة «الرسالة» التي أصدرها الأستاذ الزيات بالقاهرة، بتوقيع «ع. ع».‏
والعجيلي مبدع أجناس أدبية كثيرة، فقد أصدر ديوان شعر بعنوان «الليالي والنجوم»، وكتاباً في المقامات، وأصدر كتباً في الرحلات. وله أكثر من أربعين كتاباً بين القصة والرواية والحكايات. وله أيضاً مجموعة كتب في الأبحاث والمقالات والأحاديث الشخصية.‏
وعلى غزارة إنتاج الدكتور العجيلي، فإنه مؤرخ للتحولات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وتميز أدبه بالمهارة والإتقان والرفعة. لقد شهد العجيلي وقائع كثيرة، نائباً في الأربعينيات ووزيراً في الستينيات، ومشاركاً في حرب فلسطين 1948، وطبيباً على مدى عقود، ورجلاً ذا فعالية اجتماعية في مدينته وفي وطنه، جعلته هذه الوقائع أقدر على صياغة عالمه الفني في إبداعات أدبية هي مثار إعجاب وتقدير. ويجد القارئ لأدب العيجلي سجلاً حافلاً لتحولات البيئة والمجتمع، وتغيرات الأفكار والمفاهيم في زمنه من رؤى الماضي إلى استشراف المستقبل. ولن ينسى القراء، إلى وقت بعيد، شخصياته الروائية ومواقفه القصصية، ولاسيما رواياته «باسمة بين الدموع» و«قلوب على الأسلاك» و«المغمورون» و«أرض السياد» و«أجملهن»، وعشرات القصص البديعة الأخاذة.‏
عني العجيلي كثيراً بالموقف القومي، ودعا إلى أصالة عربية في مواجهة الواقع العربي المتردي، فعلى عرب اليوم أن يعودوا إلى ينابيعهم الثرّة، وألا يخشوا حكماً على سلفية معاصرة، «لأن سلفية العرب المعاصرين، كما يراها ويعتقدها، هي سلفية انتقائية في واقعها تجاوزية في ما يجب أن تكون عليه. هي انتقائية بتحيزها الأفضل من خصال الأسلاف وأعمالهم مثلاً يحسن التشبه بها، متخلية عن التعصب الأعمى لكلّ ما جاء به أولئك الأسلاف في مختلف مراحل تاريخهم».‏
وقد أراد العجيلي أن تكون سلفيته انتقائية، «بمعنى أنها لا تتعصب لكلّ ما جاء به السلف، بل هي تختار منه الأفضل». وعلى الرغم من التناقض البادي في أطروحته الفكرية بين السلفية والتجاوز، فإنّ العجيلي يلتمس لتفكيره ما يراه مناسباً وكافياً، وينهي الأمر بطرافته المعهودة عندما يقول: «لقد وعدت بأن أتكلم عن سلفية العرب المعاصرين، ولكني، فيما أراه، تكلمت عن سلفيتي أنا الشخصية».‏
ارتبطت الحركة الأدبية في الرقة باسم عبد السلام العجيلي، منذ الأربعينيات حتى اليوم، فما يزال قمة أدبية عربية، وأنموذجاً يحتذى، وعلامة مضيئة من علامات الإبداع العربي في سورية، في الأجناس الأدبية الكثيرة التي عالجها: الشعر والمقامة والقصة القصيرة والرواية، والمقالة والبحث وأدب الرحلات.‏
لقد مثّل العجيلي، بالنسبة لجيلنا وللأجيال التالية، قدوة متجددة في إرادة التأصيل والتحديث، مما حفره عميقاً ومتفرداً في مسار الأدب العربي الحديث. وليس يسيراً على المرء أن يتحدث عن مكانته ومضاء إنجازه العظيم في هذه الفسحة الضيقة. ولعله قد حان الوقت لأن تحتفي محافظتنا بابنها المبدع، فتقيم له ندوة كبيرة للتعريف به وبإبداعه، ولأن تخصص باسمه جائزة الإبداع السنوية لأحد المبدعين من هذه المحافظة. ودعوت الى هذا في مهرجان الثقافة والتراث بالرقة عام 1988، وسعدت كثيراً بتحقق الحفاوة بالعجيلي في مؤتمر الرواية العربية باسمه في الرقة 4-8/12/2005، والمأمول أن تتحقق جائزة الإبداع السنوية باسمه خلال هذا العام.‏
العجيلي كاتب مدهش، غرائبي، بل هو يضع المألوف والواقعي والبيئي في قالب من وجهة النظر الخاصة به الإدهاش والغرابة وضمن فضاءات الأسلوب الممتع وأصالة الفكر والإبداع.‏



......................................
*جريدة الاسبوع الادبي العدد 999 تاريخ 25/3/2006م.


عبد الله أبو هيف
أعلى