سمير الفيل - مشهد ليلى

أرادت أن تسيطر عليه ، بعد أن أحكمت حصارها حوله . فى المرة الأخيرة أيقن أنها تتلاعب به ، وأن نبرات صوتها التى تأتيه عبر الهاتف تشى بخديعتها .
كانت تقول له بصوت أنثوى يغرق فى العسل : أنت ..أنت ملك .
أوشك أن يصدق الكذبة غير أن الرأس الأشيب الذى كان يمشطه فى المرآة بغموض مستريب كشف اللعبة كلها .
فتح كوة صغيرة فى حجرة الصالون المطلة على الشارع ، دخل النور ، وفضح كل شىء حاول أن يخبئه : السنوات التى صبغت قلبه بالفجيعة ، وزهور عصفور الجنة التى تشبه لدرجة التطابق قبضة يده المضمومة حين كان يميل باتجاه سريرها ليخيفها : هند .. الذئب ينتظرك!
كان يحب اسم "هند " حبا يفوق الوصف ، لكن اسمها ليس كذلك، غير أن ملامحها هى نفسها : نظرة متحدية لاتشف ، يصعب أن تستوعب رجل فى الأربعين .
تلك القصيرة، الماكرة ، المدكوكة ، التى تلعب بالبيضة والحجر .
لم يكن قلبه بيضة ، وكانت أصابعها البضة لها ملمس الحجر الصوان الرمادى القاسى الذى يخفى فى طياته أنفاس الديناصورات المنقرضة . تلك التى ابتلعتها الأرض ، فتكلست من ملايين السنين .
يقوم فى الليل كى يخترق الدروب العتمة ، يتحسس عظام ظهره ، تتوقف يده عند الترقوة .
يجدها واقفة فى انتظاره عند الناصية بحجاب يخفى كل العنق ونصف الوجه ، ولاشىء من الفتنة .
سألته : لماذا تأخرت ؟
أمسك يدها، ومررها باتجاه الترقوة ، هبط بها نحو القلب ، حيث يدق دقاته المنتظمة الملولة: كيف مات الديناصور؟
حاولت أن تبتسم ، فلم تستطع ، ولم تفهم من الأمر شيئا .
قالت له : أنت مرهق . ولست بهند . أترك يدى .
ضحك ضحكة من ينتظر لحظة موته : من أعطاك القدرة على نزع عظامى ؟
امتقع وجهها : الترقوة؟.
فى بقعة يشتد فيها ضوء الفوانيس تأملها طويلا ، حدق فى الكلف الذى ينتشر بوجهها ،وابتسامتها المنزعجة تشحب : ما بك ؟
قال لها : أنت طالق .
لم تسيطر على انفعالها ، وهى تصرخ : لكننا لم نتزوج بعد .
سحب جسده من أمامها ، سمعت صوته المتعب : أعرف.. أعرف ياهند !
ثم رأته يذهب فى الظلمة . مسحت النور من وجهها ، ومضت فى الاتجاه المضاد
أعلى