لميس سعيدي - حين استلمتُ جسدي.. شعر

حين استلمتُ جسدي
لم يخبرني أحد بأنّه مستعمل
وبأنّ قطع غياره ليست أصليّة
أذكر بأنّني جرّبته لأوّل مرّة داخل السائل الأمينوسي
فبدا لي جديداً وطازجا
كسمكة أعادها الصيّاد للتو إلى البحر
ولم تكتشف بعد، الجرحَ الذي تسبّبت فيه الصِّنارة.
حين اكتمل نموه، فتلقّفه الصيّاد مجدّدا
صرختُ، لأنّ المرارة في الحلق كانت مضاعفة
ثم سقوني الحليب لمدّة سنتين
لتضميد الجرح ولأتمكّن من بلع الطعام
بدأت في اكتشاف عيوبه شيئا فشيئا
العيوب التي كان يخفيها الماء والملح:
نَدبة قديمة يسمّونها وحمة
فم بلا أسنان
صعوبة في الجلوس ثم في الوقوف
ثم تعثّر في الخطوات
عجز في اللسان
روائح قديمة
والأسوء، ألبومات صور تركها أصحابها، تجلب الغبار وضيقا في التنفس
يسمّونها هنا: الجينات
وأسمّيها: حصّالة الذاكرة
دفعت الكثير لأتمكّن من إصلاح كلّ تلك الأعطاب:
طفولتي وليالي الحمى الطويلة،
وندوب جديدة في الساقين والذراعين وفروة الرأس
وحين شرعت في استعماله بشكل طبيعيّ
أخبروني بأن مدّة صلاحيته أوشكت على الانتهاء
وأنني إذا أردت الاستمرار في الحياة
عليّ أن أعيده إلى المصنع، لأستلم واحدا جديدا
مقابل أن أدفع بدلا بسيطا: حياتي الماضية
قبل أن أتوجّه إلى فرع المصنع القريب من البيت
والذي يُسمّى هنا: المقبرة
غسلته جيدا، ثم لففته في رداء ناصع البياض
واتصلت بشركة التأمينات لترسل لي سيارة تحمله،
بعد أن أصبح عاجزا عن التنقّل بمفرده
تأكّدت من أنّهم وضعوه تحت التراب هذه المرّة
لكي لا يعلق مجدّدا بصِّنارة الصيّاد
ثم أكّدوا لي أنه سيسلِّمونني جسدا جديدا في أقرب الآجال
ومنذ ذلك الحين وأنا أنتظر وأكتب الشِّعر
لأشكو المقبرة.

الشاعرة لميس سعيدي
أعلى