ماماس أمرير - كوفيداخوف

يقول إميل سيوران:
كل أفكارنا مرتبطة بمصائبنا. إذا كنا نفهم بعض
الأشياء فإن الفضل في ذلك يعود إلى انتكاس صحتنا.

ربيع 2020

25 يوما تفصلنا عن الواقع الحقيقي لانتشار الفيروس التاجي 19.
25 يوما ويظهر العدد الحقيقي للمصابين، إما أن تكون كارثة، أو تكون الإصابات أقل من المتوقع.
الأغلبية تتوقع حصول كارثة، فقد ظلت المطارات والحدود مفتوحة مدة لا بأس بها، بعد إعلان دول أخرى إصاباتها بالوباء وقدوم عدد من المسافرين منها يحملون المرض.
هذا سينشر لا محالة الفيروس أكثر... حتى أنني سمعت وزير الصحة يعلن: أن السلطات ستسمح للوافدين عبر الحدود البرية، أن يذهبوا إلى بيوتهم، ,وحين تظهر عوارض المرض، عليهم الإتصال بالجهات المسؤولة؟!

يبدو في هذا كارثة حقيقية قادمة. ونحن نجهل حتى الآن أي معلومة عن هذا المرض الذي يقال عنه أنه قاتل. ولخطورة المرض خصصت منظمة الصحة العالمية والبنك الدولي دعما ماديا، للدول المتضررة. لم أعد أثق في المنظمات الصحية فقد أصبحت هي أيضا جهات لا تخرج عن مسار السياسات العالمية.
وزير الصحة صرح في مقابلة رسمية أن كورونا مرض عادي، وهو نوع من أنواع الأفلوانزا، لكن رواد مواقع التواصل الاجتماعي هجموا عليه بالسخرية وبأنه متخلف وغير ذلك من النعوت التي تبرر شتم وزير يعطي تصريحات غير مسؤولة ومخالفة لتصريحات منظمة الصحة العالمية.

عموما، جاء هذا الكورونا على شكل خازوق، ليس فقط لأنه خطير كما يصرحون، ولكن، لأنه كشف أشياء كثيرة كانت غائبة عنا ووضعنا في مآزق لا نحسد عليها.
إن أصعب شيء هو أن تخشى من خطر لا تفهمه, وكل دقيقة تسمع عنه أخبارا مختلفة ومتناقضة.

***

اليوم.
الساعة السادسة مساء انطلق صوت صفارة الإنذار" وكأن غارة جوية ستقصف المدينة" إدانا ببدء المرحلة الأولى من حصر الوباء ومنع التجول الكلي في الشوارع. السوشال ميديا تعج بالأخبار والنصائح والتخويف والترهيب[...] الواتساب لا يتوقف عن الرنين، أكثر صورة أضحكتني، هي صورة بصلة برأس مقطوع إلى أربعة أجزاء... يقول باعثها: أن وضع البصل بهذا الشكل في الغرف يقي من الكورونا.... أما بريد الفيس بوك، فقد أصبح ضحية لأطنان من الأخبار والفيديوهات.
بعض الاستفزازات التي يلقيها الأصدقاء على منشورات الفيس كانت مثيرة وأحيانا غبية، أغلبها ردة فعل انتقامية ضد الصين التي تأكل الكلاب والخفافيش، لأنها حسب رأيهم، هي من نشر الفيروس، حتى أن بعضهم يدعي أن الصين تعاني كسادا اقتصاديا بسبب المقاطعة الاقتصادية لها بعد نشر الفيروس، ويطالبون الجميع بمقاطعة بضائعها.
ومع ذلك حين يذهب لشراء غرض ما من السوق، فإنه يصر أن يكون صينيا، لأنه يناسب قدرته الشرائية[...]!!
شعوبنا تنسى أن 80% من البضاعة التي نستهلكها في حياتها، هي من الصين، وأن البضاعة الأوروبية لا يملك شراءها سوى الأثرياء... ومع ذلك يروجون للمقاطعة.

يقول بعض الخبراء أن كورونا مفتعل بقصد تغيير النظام الإقتصادي العالمي، وأن ما يجري له علاقة بأهداف أفق 2020-2030 وتطلعاتها، وفي جانب آخر يقول بعض النشطاء والخبراء أن كورونا خطأ طبي في المختبرات التي تصنع علاجا للإيدز، تم تسريبه إلى الناس بالخطأ.

في بداية الألفية الثانية حذر الكثير من الخبراء والباحثين من البروباغندا الطبية التي تبدأ بإرعاب الناس كي يقبلوا بأخذ اللقاحات والأدوية التي نكون غير متأكدين من تأثيرات أعراضها الجانبية، وينصح الطب الرأسمالي بأخذها! وهناك خبراء آخرون قالوا أن صناعة الرعب والأوبئة تستهدف حياة الناس، والهدف الآخر هو أن أصحاب شركات الأدوية هم من السياسيين يفتعلون الهلع لكسب المال.


***

القنوات العالمية، لا أخبار لديها سوى الفيروس التاجي 19،
الأغلبية لا تصدق ما يجري وتخشى أن تكون هذه مجرد حملة للترهيب والترعيب، وفئة أخرى تتهم الجهات المسؤولة بإرهاب الناس من المرض من أجل تبرير ترك المرضى يموتون دون أن يتوجع الضمير العالمي.
قد أتفق مع الإحتمال الأخير وطبعا هذا ليس له علاقة بنظرية المؤامرة، بل بتحقيق السياسات العالمية. ولا يهمني رأي جيجك أو التفاؤل الذي يوزعه البعض هنا وهناك.
ما هو حقيقي الآن، أن الجميع خائف ومرتعب، البعض يعتقد أن الحماية من الله ولا يريد تطبيق قواعد السلامة، والبعض الآخر يحاول أن يتفهم ما يجري ويحمي نفسه بالوقاية، ويخشى من اللذين لا يلتزمون بمبادئ الوقاية... أما علماء الدين فقد وجدوا في هذا مناخا مناسبا للنواح والتهديد بغضب الله، وأحالوا كورونا إلى أنه جند من جنود الله يضرب بهم من يشاء.
وذهب بعض رجال الدين إلى أبعد من ذلك بأن طاعة ولي الأمر هي الوسيلة الناجعة لمحاربة كورونا [...]
كرونا مرض سياسي بامتياز، قريبا قد يصبح شريعة دينية.

***

الأسواق ممتلئة بالناس تستعد للحجر الصحي وتشتري ما يلزمها من مؤونة. الكل يشك في الكل، والكل يعتبر أن الذي أمامه مصاب بالكورونا، حتى أن الناس بدت عيونها مريبة وغير مطمئنة؛ وفيها رعب وجودي.

قبل يومين من الحجر
ذهبت إلى السوق كي أشتري حاجياتي بعد انتظار يوم كامل كي تخف الأزمة والإكتظاظ، كان السوق يعج بالناس لكن أقل من أزمة الأيام السابقة.
رفوف السوبرماركت بدت فارغة. اشتريت بعض الأغراض المهمة والبعض الآخر لم أجده، لقد نفذ من السوق، تركت الأمر للغد وبعد غد قبل إعلان الطواريء وحظر التجول الكلي.
ومثل غيري كنت حريصة على اتباع طرق السلامة.

حين عودتي من السوق، على باب حديقتي كان يتجمهر لفيف من القطط، كعادتهم في انتظار الأكل.
بدأت أفكر في الإشاعات التي تقول أن الحيوانات تنقل الفيروس اللعين إلى الإنسان، ومع ذلك أبتسم لهم وأدللهم وهم ورائي يطلبون الاكل.

انتبهت أنني لم أصلح مُنخل نافذة المطبخ الذي شرّحه قطي العتيد، المسكين توفي منذ 3 أيام بسبب فشل كلوي... كنت أفكر في إصلاحه، لكن كوفيد 19 أربكني، سأأجل ذلك إلى ما بعد الأزمة.
كان قطي العتيد يحب أن يجلس في النافذة ليراقب قطط الشارع وهي تنتظر الأكل.... حاول مرارا الوصول إليهم حتى يفتك بهم، كي لا يعودوا إلى الحديقة، لكنني كنت أمنعه، وكان هو دائما يحاول دون كلل ولا ملل، حتى أصبح وضع المنخل كارثي.

***

اليوم الأول من الحظر مر ثقيلا، ليس بسبب الحجر، فأنا معتادة على العزلة، ولكن بسبب القلق الذي تركته الأخبار على نفسيتي، وصوت سيارة الشرطة ينطلق بقوة لتحذير السكان من الخروج.

ولكي أفرغ طاقتي السلبية صنعتُ شرابا ساخنا من الليمون والبرتقال والبهارات والماء المغلي على سبيل الوقاية... ثم جهزت نوع من الحلويات التي أحبها على سبيل تشتيت القلق.
لكن فكري مرهق، أفكر في فاتورة الكهرباء التي ستتراكم علي، لم يفرحني عدم قدوم جابي الكهرباء هذا الشهر لأن المبلغ فقط سيتراكم خصوصا أنني لم أدفع فاتورة الشهر السابق وكنت أعتمد على هذا الشهر، لكن الأمور تمضي نحو الأسوأ، الراتب يتقلص بسبب التوقف المفاجيء لمواجهة المرض، والمصاريف تتراكم. صاحب العمل أخبرني انه قد يؤجل دفع رواتبنا، وقد لا يدفع لنا عن أيام الحجر الصحي، وفي هذا كارثة أخرى تحل بي. ماذا عن أطفالي في هذه الأزمة؟

ها أنا أتفكك قطعة قطعة، وأتساءل: كيف ورطت نفسي وأطفالي في هذه الحياة الفاشلة دون أن أعمل حسابا للكوارث التي قد تحدث؟ لقد كنت غبية جدا، لماذا أنجبت؟ وكيف أعجبت بمؤسسة، بقوانين وثقافة لا تفضي إلا لغير العناء؟ ولا توفر أدنى شروط الرعاية والحماية، إنها مجرد مؤسسة لتفريخ الضحايا وزيادة المعاناة.

أحاول تجاهل هذه الظروف وأرتشف منقوع العرق سوس الذي أجهزه بنفسي
أدخن سجارتي وأقرأ في كتاب لكافكا. كافكا مناسب لهذا القلق؟!....

تذكرت فجأة، فكرة يروج لها البعض تقول: أن العرق والنبيذ مفيد في حالتي... فكرت لماذا لم أشتر زجاجة نبيذ على سبيل التجربة. فقط لأرفه عن مخيلتي قليلا[...] ضحكت من فكرتي، التي لم تخطر في ذهني سوى بعد فرض حظر التجول الجزئي.

بعد رشفات لذيذة، بدأت أحس بالهدوء النفسي تدريجيا.... لطالما هذه الكأس من العرق سوس والقراءة، تُحسن من مزاجي لذلك أصبح شرابي المفضل.

***

الناس بدأت تتذمر وتنتقد السياسات. هناك من أشار لكثرة المساجد بلا فائدة وقلة المستشفيات والتجهيزات اللازمة، وهناك من طالب بتغيير السياسات القاتلة والاهتمام بالبحث العلمي وتقليص ميزانية الشؤون الدينية ورجال الدين، والتوقف عن دعم الفن الهابط... وأن تهتم الدولة أكثر بالعقل المبدع ومحاربة المهرجانات التافهة التي تستهلك الميزانية وتفرغ الفن من مضمونه وقيمته الحقيقية.... الناس استفزها الوضع، وطرحت أفكارا كثيرة من أجل إصلاح التعليم والصحة والبحث العلمي.
فئة أخرى تبحث في التراث عن مخرج لعجزها أمام الكارثة وتسترجع ما قاله الأجداد من حكم ومواعظ، بعضهم يؤكد أنهم تنبأوا بكرورونا. هذه الفئة من النوع الذي يبحث عن خازوق دائما، ليجلس عليه في حالة العجز التام... إننا في أزمة حقيقية ليس بسبب المرض فقط ولكن بسبب هذا العجز في وعي الناس.

على الشاشة يظهر مسؤول إحدى الدول... يتحدث عن مجهودات بلاده العظيمة وعن جهوده لمساعدة الشعب في تجاوز الأزمة، كلامه أصابني بمغص شديد في معدتي.
أطفئ التلفاز وألتفت للكتابة، فأكثر الشرور فداحة هي أن ترى الخواء يتضخم فينا ويرتب أناشيده المملة.
الدول المعتادة على التطبيل والأغاني الوطنية وجدت في هذا المرض وسيلة لتعزيز وضعها، والظهور بمظاهر البطولة والفروسية، تُحمِّل المواطن جميلا لا يجب أن ينساه. بعض النواب نشروا صورهم وهم يوزعون المساعدات ويزورون كبار السن بطريقة غير صحية تهدد حياة كبار سن.

أعتقد أن كرورنا كائن جيد، كشف الثغرات وفضح أصحاب الشعارات والخواء السياسي العالمي والخواء الفكري أيضا.
الكل في مأزق وهذا جيد يضيف شيئا من الإثارة للحياة، أما أنا فأتابع الأخبار وأستعين بشراب العرق سوس، وبإلحاح متواصل أتذكر النبيذ!

***

أصبح الوضع الآن أكثر تصاعديا، فالفيروس يشبه خيال البشرية، إنه [معدي] وينتشر بسرعة ولا يتوقف عند مضاعفات بعينها، ولا يمكن التحكم به، كل فترة يخرج الأطباء بتصريحات جديدة ومخاوف مرعبة.... أصيب الجميع بالهلوسة وأطاحت المواقف بكل القيم الإنسانية التي كان يروج لها المجتمع الدولي.

بدأت أفكر في ترتيب أموري حتى لا يتفاقم الوضع، في ظل هذه الموجة اللعينة من الرعب. فخيالي أيضا أشد فتكا حين ينتشر فيه الفيروس.

علي أن أعترف أن السلطة تزداد شراسة، أتصور كبار السن وهم تحت رحمة الحجز الممنهج والإهمال.

رؤساء الدول العظمى يصرحون بكارثة قادمة وعلى الناس أن يستعدوا لفقد أحبائهم! شعرت بكمية كبيرة من الهمجية في هذه التصريحات... أكيد ستتم التضحية بكبار السن بسبب الإمكانات المحدودة للمستشفيات. أو شيئا آخر يخطر ببالي.
بعض المنابر الإعلامية نقلت أن أمريكا سمحت بالتضحية بذوي الاحتياجات الخاصة. وأعطت الأولوية للحالات التي بصحة جيدة.
هذا ما لم يخطر ببالي؟!
إنني مصدومة أكثر؟ّ!
الخبر أثار غضبي... بعض الأطباء يموتون في ظروف غامضة وغير مقنعة.
هل تمت تصفيتهم؟
بعضهم صرح بمعلومات خطيرة حول أشياء غامضة بخصوص موت المرضى!! شيء مّا يحصل غير طبيعي وبمبررات غير مقنعة.

إنها السياسة تتأبط ذراع الطب والعلم بكل جبروته، نعم نعم إنني أتحدث عن قناعة وتجربة.
سياسة لا تحترم سوى سلطتها وقوتها، وتضحي بالكائنات الضعيفة، والبشرية تتفرج بصمت، على هذه الجرائم، لقد تم إلغاء العواطف، وهاهو الدور يأتي على الجميع وما جرى على الحيوانات والكائنات الضعيفة سيصير على الإنسان "من الفئة الهشة".
إنها تجربة حقيقية للبشرية كي تفهم جيدا أزمة العقل البشري وألوهيته التي ظل يقدسها في مظاهر كثيرة سواء دينية أو علمية أو سياسية أو ثقافية. إن العقل البشري لم ينتج سوى الخراب. كل شيء يدعو إلى الرعب وكأننا في كابوس أو في أحد أفلام الرعب.
أتذكر نظرة الطفلة أومايرا سانشيز وأذكر الله أيضا.... الحياة مجرد عبث... عبث هذا كل شيء.

ما هذا المآل الخرِب، في مثل هذا العمر المليء بالسنين وبالآلام وبالنكسات والإنكسارات.

الأخبار ما زالت متضاربة بخصوص اكتشاف العلاج، كل الدول تتحدث عن اكتشافها لعلاج مناسب للفيروس، وتحتاج لشهور كي يكون في متناول المرضى.
بدأت بعض الدول تصرح انها اخترعت أجهزة للتنفس وستكون جاهزة في غضون أيام.
حتى شيوخ الرقية الشرعية لم تهدأ اكتشافاتهم العظيمة التي يغلفونها بالدين وبالتاريخ. وهم يحاولون اغتنام الفرصة لإيجاد ثغرة يطلون منها على الأتباع.
الكل يخترع الكل وجد علاجا والكل وجد لقاحا؟؟؟

العالم أشبه بكائن ضخم وموبوء لا علاج له.

***

الشارع فارغ ومريح إلا من القطط والطيور، وكأنّ الطبيعة تأخذ حريتها وتعود لوضعها الطبيعي، أشجار السرو تقف شامخة في حديقتي، والريح تداعبها فتتراقص الغصون والعصافير والحمام، ويتشبث رذاذ المطر بأوراق الشجر الخشنة، حتى لا يسقط ويتلاشى... على الشجر تبدو نقط الماء كالنجوم المتلألاة، فتتشكل سمفونية رائقة لصوت العصافير والحمام ومنظر الحبيبات المائية وهي تضيء كلما أزاحت غيمة، جسدها وابتعدت عن الأخريات.
منظر يرطب حلق الروح.

دافعت عن هذه الأشجار كثيرا كي تبقى واقفة مثلي، بالرغم من مؤامرات بعض الجيران عليها، لقطعها، أو تقديم شكاوي ضدي للبلدية، لأن أوراقها تشكل عبئا على بعض ربات البيوت الكسولات، وأيضا ماتت مشاعر البشر اتجاه الطبيعة. فأصبحوا يعتقدون أن بيوتهم الاسمنتية إنجاز عظيم.

حتى الأطفال لا يسمع لهم صوت ولا همس، وكأن الكلام أيضا أو اللعب في حديقة البيت الداخلية يُسبب الكورونا.
النوافذ مقفلة وفي الليل غير مضاءة كما العادة وكأن السكان غادروا الحارة...
فراغ الشارع يذكرني بالهجوم الثلاثيني على العراق، كل الناس اختبأت في بيوتها دون إيعاز من أحد، وأمّنت نفسها بالتموين الضروري وتم تجهيز الملاجيء في حالة وقوع أي طاريء وكأن الهجوم هنا وليس على العراق.

***

الساعات والأيام تمر ثقيلة وبطيئة... هذا الصباح اتصل بعض الجيران للإطمئنان علي وعرضوا المساعدة، شكرتهم كثيرا، وأحسست ببعض الامتنان، ربما، أن يسأل عنك إنسان ما في هذه الجائحة، يعد شيئا مساعدا على التفاؤل.... وأيضا يخفف الضغط...
أما باقي الجيران فهناك من أصادفه فيفتعل عدم رؤيتي في هذا الظرف المخيف.
أعمام أبنائي، تذرعوا بأعذار كثيرة، رغم كلماتهم الطيبة عن التسامح والتآزر والأخلاق التي تتطاير مع الرذاذ في كل مناسبة عائلية.

فشلت في فهم الحياة والأنساق الطيبة التي يتم بموجبها ارتكاب كل هذا الألم... إن هذا يشبه علاقاتي الغرامية، كلها تنتهي بالفشل، بسبب الخذلان...كل الذين أحبوني لديهم كلمات طيبة عن الحب والمبادئ، لكنهم يفشلون في تحقيق طيبتهم ومبادئهم وتبدو مواقفهم سخيفة حين يصادفني حدث عشوائي.


***

أنا وصديقتي نتواصل باستمرار، بالتحدث في الهاتف، وأحيانا بالواتساب... نتكلم عما ما يجري وأحيانا نثرثر حول لا شيء.
قالت صديقتي وهي تشير لشيء ما: لن يحقق لهم كورونا الإنهيار الديموغرافي المطلوب؟!

قلت لها: ربما يحقق لهم التخفيف من العبء الإقتصادي الذي يشتكون منه بسبب صناديق الدعم للفئة الاجتماعية الهشة وربما صفقة القرن أيضا، من يدري؟
ردت صديقتي بصدمة: هل تعتقدين أن دعم البنك الدولي ومنظمة الصحة العالمية هي رشوة ضمنية لتمرير فعل مّا؟
- من يدري كل شيء وارد!
ثم ضحكنا معا بشكل خبيث، من أفكارنا الشريرة!

بدأت أفكر في القادم وأترقب كوارث جديدة قد تحدث، من يدري؟ لم نكن نفكر في نتائج كهذه، لحضارة رفعت شعارات حقوق الإنسان أن تنهار كل قيمها وبهذا الشكل وتنظم لكل الحضارات التي تبني قوتها من آلام الضعفاء.

لماذا أكذب على نفسي؟
لم نر من قيمها سوى الشعارات، أما على أرض الواقع، لم نر سوى الحروب والتجارب على البشر والموت والجشع والهيمنة والصراعات الفارغة...
القيم كانت في مخيلتنا الخرقاء فقط؟
شيء مزعج هذه المخيلة الخرقاء التي تحلم بالصور الجميلة للحياة والقيم التي لم تكن موجودة سوى في الشعارات التي ظلوا يستغلون بها سذاجتنا ويدعمون بها تصرفاتهم الغريبة.
مزعج أيضا أن تقع في أزمة في عز أزماتك الكثيرة، ويزيد هذا من الوضع سوءا.
والأكثر ضراوة أن تكون أحد ضحايا هذه السياسات وفي نفس الوقت شاهد على جرائم كثيرة، وتحمل في جعبتك الكثير من الحقائق المؤلمة عن أشخاص يتصدرون الواجهة الاجتماعية، ويحترمهم المجتمع، بل يعتبرهم قدوة تستحق الاحترام والتبجيل، وهم في الواقع، مجرد قتلة في هيئة متعبدين لشرائع إيراّ، نعم إيرّا، إنه إله القتل الاول في التاريخ، والأب الروحي للطغاة، حين تأتي الفرصة سأحدثكم عنه.

***

الترقب والخوف يعم المدينة... أكثر ما يخشاه الناس الذهاب إلى المستشفيات حيث من الممكن أن تحصل هناك كارثة.
رأيت في القناة المحلية، امرأة ترفض الذهاب إلى المستشفى بعد اكتشاف أنها حاملة للفيروس. "كانت تقاوم الشرطة ورجال الدفاع المدني" تصرخ وترشقهم بالحجارة، قبل أن يعتقلوها ويجرجرونها بالقوة إلى سيارة الإسعاف.
كان المشهد مؤثرا ومؤلما؟؟

أنا كذلك أخشى المستشفيات فلم تعد لديهم عواطف إنسانية والرحمة، القرارات هي التي تتحكم في مصير المريض، بل المصلحة العليا، الإنسان أصبح مجرد رقم من الأرقام تعدده وسائل الإعلام في منابرها وشاشاتها ومواقعها لتملأ الدنيا ضجيجا وهلعا.

***

العاملون في دور المسنين في أوروبا تركوا المسنين وحدهم بلا رعاية... لم يتفقدهم أحد إلا بعد مرور أيام على موتهم وحيدون.... قيل: أنهم ماتوا جميعا بالكورونا لعجزهم.

الأرقام تتزايد مع الأيام والجثامين تمر في مواكب حزينة ومرعبة. دون السماح لذوي الموتى بتوديع الجثامين...

لا أحد يعلم ما يجري كل شيء مشكوك فيه، البيانات تتضارب والمعلومات الطبية أيضا. تقارير طبية جديدة تصرح أن موتى كورونا ماتوا بالجلطة وأن المرض أيضا يضرب الجهاز العصبي.
وخبراء صحة أخرين، يحذرون من أخذ اللقاح، مدفوعين بالشك حول خطورته على صحة البشر.

وأنا لا أذكر سوى تلك التفاصيل المريبة التي تحصل في الخفاء. ولا أستطيع أن أنكر أنني صادفت منها الكثير. وأن الشر يزداد ضراوة والخير ضعيف واتكالي. لكن الشيء الوحيد المهم والحقيقي هو أن البشرية في أزمة حقيقية وعليها أن تتضامن وتتآزر وتكثف جهودها، فالأزمة حسب المصادر الطبية والسياسية ستتفاقم أكثر.

ياإلهي!!
كل شيء يبدو مرعبا ومبررا وطبيعيا.
هذا العالم المشعوذ يقتل المسنين، وذوي الاحتياجات الخاصة ويسجل كارثة أخلاقية بكل المقاييس.
ستستعيد أوروبا شبابها ولياقتها وسينتعش اقتصادها بعد نفض العبء البشري... لكن العالم سيكون قد وضع حجر الأساس لثقافة جديدة في التخلص من الضعفاء.


***

كلام الممرضة التي التقيتها مرة، وجمعتني بها الصدفة البحتة، ما زال عالقا في رأسي كخنجر مسموم.... هذه الممرضة تلقت تدريبها في إحدى الدول الغربية، وكان اختصاصها العناية بقتل المسنين.
حين التقينا لم تترك الفرصة تمر بيننا دون أن تقنعني بما يسمى بقرار الانتحار بسبب الخوف من ضعف العمر الواهن، أو في المرض، كي لا نعيش بؤس الشيخوخة وبؤس المرض؟!
هذا هو عملها تساعد الناس على الانتحار بل وإقناعهم بذلك، وهي تعتبر عملها شيئا حضاريا وعلميا.
كانت الممرضة بشوشة وتضحك لأتفه الأسباب بطريقة مثيرة وتلفت الأنظار بضحكاتها، وتتمايل مثل رقاصة في كباريه، وكل من يراها يعتقدها موهبة الحياة: شكلها، آناقتها، جمالها، لكن منظرها وهي تقنع الناس بالموت تحت إشراف يديها الساحرتين، يصيبك بالإشمئزاز. ويصيب حلقك بغصة لا تزول.

في رأيي كل من يؤمن بشيء، عليه أن يطبقه أولا على نفسه ولا يحاول إقناع الآخرين به. في الانتحار السن ليس ذا قيمة كبيرة ما دام الإنسان المنتحر بصحة جيدة؟؟
هذا ما قلته لها...!!
احمر وجهها[...] وكنت أنتظر أن تقول لي ولو على سبيل الاستدراك والكذب، أنها تؤمن بذلك في سن معين. لكنها لم تتفوه بشيء.

هذا العالم غريب ومريض نفسي؟
هذا العالم يشبه إحدى بطلات هاروكي موراكي... بعد أن أنجزت مهمة قتل رجل... بعد الجريمة مباشرة ذهبت لتمارس الجنس برغبة ومتعة كبيرة وكأنها لم ترتكب جريمة، حتى أنها فكرت مثل عنكبوت، أن تقتل الرجل الذي مارست معه الجنس أيضا.
تصوروا فعل ارتكاب جريمة والشعور بحاجة إلى الجنس!!
إنه إنسان جديد إنسان آلي لا مشاعر لديه بل لديه رغبات فقط.... رغبات!!

***

رجل إسباني يظهر في لايف مباشر، في اليوتوب، يصرح: أنه تلقى استغاثات من كبار السن في المستشفى ويريد نشرها كما جاءته: الاستغاثة تحمل الكثير من التحذيرات وتقول أن مرضى آخرين تلقوا جرعات زائدة من المخدر ات حتى تدفق الموت إلى اجسادهم ودون علمهم، وتحول لأرض صفراء وباردة، وعجزوا عن التعبير عن استيائهم ، ولم يتفوهوا سوى بالزبد المتراكم حول أفواههم، و[هم خائفون من نفس المصير].

عادي جدا لم أستغرب فقد شاهدتهم وهم يقدمون الجرعات الزائدة من الكيتامين والفانتلين ومخدرات أخرى، مركبة بعناية للتخلص من المرضى المجرب عليهم بعد تطور وضعهم للأسوأ. وقتها لم أكن أفهم ماذا يعني؟

سيدة أعرفها، قالت لي: أن عائلة زوجها عالجوا والدتهم وهي مريضة بدواء اسمه الكيتامين، لكنه تسبب في موتها؟!
-أنا مصدومة: الكيتامين لماذا؟!!
-نعم هذا ما سمعت الممرض يقول " الكيتامين هذا اسم الدواء" لقد كانت مشلولة وتعبوا من الاعتناء بها فكان الممرض يأتي كل يوم يغزُّ تحت جلدها جرعة من الكيتامين. ويوما بعد يوم دخلت في شلل كامل و بدأت تظهر عليها أعراض غريبة، ثم الغيبوبة ثم الموت.
- هي تحدثني وأنا كنت في وضع الصدمة.
يا إلهي!!
وتمر بمخيلتي صرختي العظيمة، صرخة إنسان مصدوم وخائف... أتذكر عبوات الكيتامين والفنتالين وعبوة ثالثة معلقة على "ستاند" مكتوب عليها مخدرات أخرى... حين سألت الطبيبة قالت لي هذا ضروري مع العلاج[....] لم أكن أعلم أن هذا الخليط يكون معدا للقتل....
كنت أصرخ، أصرخ، أصرخ...
وكانت هي تموت وتموت وتموت وتموت.
ثم اختلط صراخي بصراخ المرأة التي مات ابنها في الغرفة نفسها بعبوات الكيتامين والفانتلين والبروتوكولات القادمة من معاهد أجنبية للتجريب على المرضى.
وما أكثر الأمهات اللواتي تركن وجع صراخهن في هذه الغرفة المشؤومة في الطابق الثالث من المستشفى الإنساني الكبير.
عقل الطب الرأسمالي لا يستوعب سوى أهدافه، وأصابعه تشق أرواح المرضى وتضع فيها كل بؤس العالم وآلامه.


لماذا أقول الحقيقة دائما؟

إنني أقول كل شيء دون تحفظات... لكن تأكدوا أن هناك أشياء فظيعة لم أقلها وأخرى أشك فيها....
يا إلهي إنني محطمة!

سأقفل على ذاكرتي جيدا... إنها مثقلة بالجرائم والآلام ... لن أستدرج التفاصيل التي ارتطمت بها، سأحدثكم فقط عن الإنتظار الرهيب والحجر.... وحده كفيل بقتلنا واستهداف مناعتنا.

***

أوروبا دائما كانت مصدر الفن والثقافة، وأكيد بين الأموات المسنين من أعطى الكثير للإنسانية، لكن العولمة لا تعترف سوى بالمشاعر الموبؤة. في هذا العالم لم نعد نستوعب ما يجري نحاول تثبيت رؤوسنا في مكانها، لكنها حتما تقع وتخلف دويا مرعبا.

وأنا اليوم في وضع حرج، إن رأسي يقع مني ويفضحني!!

أنظر إلى موقع تعداد الوفيات والمصابين... كانت الأرقام تنساب بطريقة تشبه معزوفة باغانيني الشيطانية.
كرهت تعداد الموتى حسب الجدول المخصص للتعداد العالمي، أشعر وكأنني أتابع أسهم البورصة[...]
ما هذا المآل؟
أغلقها وأفتح صفحتي على الفيس، أصادف كاتبا كبيرا يتحدث في لايف خاص: يقرأ مقطعا من روايته العظيمة على سبيل الإلهاء والتسلية، تابعته حتى نهاية اللايف، بعد القراءة ردّد مواعظ كثيرة وباردة، وكلمات مشذبة تعبر عن الحياد، وتجاهل ما يجري.
أسمعه، دون أن يترك أثرا في نفسي.
وكتّاب آخرون يتصرفون وكأنهم كتابا كبارا قدّموا أعمالا عظيمة للبشرية، يتحدثون عن تفاصيل يومياتهم بحذلقة مفرطة، وكيف يتجولون في غرف النوم ، وآخرون يتحدثون عن الأطعمة التي يلتهمونها في الحجر أو يعدونها في المطبخ.... وآخرون يتحدثون عن علاقتهم بالكتابة ورفضهم لتحويل كتاباتهم إلى سلعة تباع في السوق، ومع ذلك يصرحون بأنهم سيطبعون معلقاتهم في كتاب بالرغم من أن ذلك ضد قناعاتهم، وهناك آخرون يثيرون مواضيع بخلفية شريرة ويثيرون ضجيجا أكثر من ضجيج كورونا.... وأنا أتابع بفم مفتوح ولا أفهم هذه النرجسية والإزدواجية المفرطة.
خواء كبير يلفنا جميعا.

عالم غريب وفارغ غارق في الذاتية والنرجسية المقيتة، في الوقت الذي يشهد فيه العالم تحولات خطيرة تعمل ضد حقوق البشر في الحياة والعمل.

***

أنا الآن أكتب بمشاعر حقيقية وهذا يؤزمني أكثر، كيف أبدو على الحياد دون أن تكون مشاعري قطعة من الحدث؟!

إن رغبتي في الكتابة تشبه تماما الرغبة في الجوع أو الرغبة في الجنس، رغبة ضارية[...] إن الكتابة مبرر قوي يشعرني بالطاقة والحيوية والصفاء الذهني... ويمرر معاناة كنت أحب دائما أن أعبر عنها دون أن أشعر بالإلتباس.

***

اليوم العاشر من الحجر سُمح للناس بالخروج لنصف يوم فقط للتسوق.
فكرت أن أخرج بحذر لأجلب ما تبقى لي من حاجيات ... لبست معطفي، أخفيت وجهي بشال نظيف... في السوق تجنبت الاقتراب من الناس، لم يكن العدد كبيرا بسبب الحظر الكلي، ولم تكن المحلات كلها مفتوحة.
وقفت في الطابور مثل باقي الناس....
المرأة خلفي في الطابور بدأت تتذمر وتنتقد الأوضاع... التفتُ إليها بدافع الفضول، لكن وجهها كان مغلفا بنقاب أسود.... أشارت وهي تنظر إليّ بعينيها المدججتين بالكحل: إن الكورونا عقاب إلهي لأننا تركنا الإسلام!
تفقدتُ شعري بأصابعي، وشعرتُ وكأنها تقصفني [...] وافقتها بإيماءة من رأسي المثقل بالأفكار وبابتسامة متعبة تجر عربات من الألم والجراح دون أن أعلق على الكارثة، قلت مع نفسي كل الكوارث تأتي جميعا، وبعضها يقف خلفك في الطابور.

كلما لمست غرضا أنظر إلى يدي نظرة اتهام وخوف، وأتجنبها هي الأخرى لتبقى بعيدا عن التسبب في العدوى.
الكل يلبس قفازا بلاستيكيا ويستعمل كمامة... أنظر إلى قفاز التاجر وهو يضع الأغراض في الكيس وأفكر في الفيروسات المتراكمة على القفازات والكيس وأرتعب.... أحمل الأغراض وأنا متأكدة أنها، جميعها ممتلئة بأطنان من الفيروسات. وأمشي كمن يجر عربة ثقيلة من الكائنات الدقيقة.

في طريق العودة للبيت يداعبني رذاذ المطر، أنظر في حاوية الأزبال المبللة، وأتذكر بشاعة العالم، أمشي وسط سيل المطر على أمل تنظيف قاع حذائي الرياضي للتخفيف من احتمال حمله للفيروسات إلى البيت...
حين أصل إلى البيت، فورا أعلق معطفي بالعلاقة المخصصة وبه محفظة نقودي التي أتركها فيه، حتى إذا كانت تحمل عدوى ستبقى هناك بعيدة في جيب معطفي المعلق، خصوصا أن النقود وسيلة من وسائل نقل العدوى. أخلع حذائي وأضعه في سطل مخصص يناسب حجمه كي لا أنشر الفيروس.

يا إلهي كل هذه المخاوف تقلقني!!


أعراض القولون ظهرت عندي، أيضا ضيق التنفس، العطس والسعال الخفيف، إنها أعراض كوفيد 19؟! أخبار سيئة تأتي من هنا وهناك، تنضاف إلى المرض، وعليّ أن أتحمل كل ذلك بصمت وكتمان، فلا أحد يستطيع تقديم المساعدة.
كل شيء يتداعى وأنا أراهن على تحمل هذه العوارض وأبرر أنها بسبب الخوف.
حديثي مع ابني المغترب سبب لي الكثير من المغص، وهو ينقل لي تداعيات الكورونا في عمله، ويتصور أن الأزمة في بدايتها... لكنني أطمئنه وأنا أتوجع وأتألم وأسمِعه صوتي وأنا أبتسم بصوت عال، حتى لا يشعر بأزمتي التي بدأت منذ السنة الماضية، وتطورت مع هذه الاحداث.

***

الإعلام الحكومي يعزف على وتر الخوف والعجز، حتى أنهم بدأوا يظهرون براعتهم في توفير صناديق الموتى بوفرة وكأنهم يتوقعون الكثير من الموت.
فظيعون هؤلاء السياسيون!!

أي رعب يصدّرون؟

إن فكرة جعل الإنسان يشعر بالمرض والخوف فكرة تضعه في موقف هش وضعيف ويسهل التحكم فيه.
وهذا هو الهدف!

أتابع التقارير العلمية، أطباء يروجون لمعلومات طبية ثم بعد أيام يغيرون أقوالهم!! ولا أحد يعلم أين الحقيقة؟
وكأنها سياسة لإرعاب البشرية!!

هذا التناقض أعطاني بعض الاطمئنان وبدأت أشعر أن كل ما يروج له الإعلام هو مجرد زرع الخوف والرعب في نفوس البشر، أحيانا أتوقع أنها سياسة مدروسة، وأحيانا أعتبرها وسيلة لإخفاء ما يجري.

إن كثرة الخوف أيضا والشعور بأنك محاصر يجعل الخوف أيضا باردا وغير مُجدٍ، مما يعطيك القوة كي تواجه مصيرك وتحتاط جيدا، حتى تجد طريقا ينقذك من كل هذا الحصار المضروب حولك.

بعد أربعة أيام من الحجر، شفيت من أعراض الكورونا والقولون واكتشفت أن الأمر لا يعدو أن يكون إيحاءات خارجية تسببت في هذه الأزمة النفسية؟!
إنها أسرار جسدية ونفسية قد تهدد المناعة. لكن حين يتبدد الخوف وتفهم ما يجري تبدأ مرحلة المواجهة..... وأنا قوية بما يكفي.
هكذا أقنعت نفسي واهتديت لنتيجة تدعمني وتريحني.

***
الحجر يتم على الشعوب بالضرب والعنف والجميع أصبح يؤيد هذه الظاهرة ولم تعد حرية البشر تعني شيئا أمام الإجراءات العالمية بالحجر على الشعوب، كثير من الناس تعرضوا للإهانات والاعتقال. إنها ثقافة جديدة ربما قد تتطور إلى شيء آخر أكثر ضراوة.

إن هذا يحمّل ذهني عبئا كبيرا في تكبد مشاق فهم جبروت الإمبريالية، كل المآسي تتلألأ أمام عنيني، استعطاف المرضى، خوف المرضى، اختناق المرضى بالموت المفتعل خسائر الناس الاقتصادية، تدمير المشاريع الصغيرة!!

لقد كانت وما زالت وسائل الحجر ضد المعتقلين السياسيين والمجانين تعد جرائم ضد البشرية، إنه شيء فظيع هذا الذي يسمى اعتقال الجسد... إننا الآن نجرب قليلا من معاناتهم.... لقد عرف التاريخ نبذ وإيذاء المجانين والمعتقلين السياسيين والنساء أيضا.
يقول ليون الإفريقي في كتابه عن تاريخ المغرب: إن عدد النساء في المغرب، اللواتي كن يصبن بالجنون أكثر من عدد الرجال، بسبب الحجر الديني والإجتماعي.

إنها فلسفة السلطة والاعتقال.
الاعتقال الذي سمح للسلطة بأن تجبر المساجين اليابانيين رغما عنهم أن يُحقنوا ببعض الأدوية وتجرى عليهم تجارب خطيرة دون رغبتهم ورغم خطورة ذلك على حياتهم؟! وأيضا الجنود في الثكنات العسكرية لبعض الدول الغربية، خضعوا للتجارب الطبية القاتلة مرغمين، رغم استعطافهم. ما زلتُ أذكر ملامحهم وهم يرفضون ذلك. لقد تم تصويرهم باستمتاع كامل.
ثم الحيوانات التي لها الفضل في تحمل كل الأذى بسبب التجارب الطبية التي تُجرى عليها.

يا إلهي...
أي كائنات تحكم العالم وترتكب جرائم ضد الكائنات بدم بارد؟

شيء لا يتصوره الضمير، وبطريقة لا رحمة فيها... يتم تنفيذ سياسات مفترسة، والطب أصبح مثل الشعوذة يخضع للسياسات.

مرضى السرطان أيضا دفعوا الثمن باهضا، تم استغلالهم في الدعاية أسوأ استغلال وما زالوا يستعملون كفئران تجارب تحت سيطرة بروتوكولات الكيماوي اللعين ورعاية السلطة، وبعد ذلك يأتي الموت الرحيم، هكذا بكل بساطة، يرحلون بعذاب، عذاب العلاج وعذاب الموت.
كم رأيت من نظرات الضعف والألم في أعين المرضى ونظرات الرجاء التي تعذب روحي، فأتساءل: لمَ لا يكف الله عن صمته؟.

***

أي ألم وغضب يعج بداخلي؟

في ظل الظروف الحالية أصبح الحجر مناسبا لي، فوضعي الاقتصادي أصبح متهالكا ورغبتي في الكتابة أصبحت الدواء المناسب لحالتي. إن كتابة أي شيء هي وسيلة ملحة لتحمل كل هذه الضغوطات والمفاجآت السيئة.
أظن أن العالم الآن يرتب نفسه وأنا أعيش في منطقة ليس لها وجود في خريطة الدول المتقدمة والمحركة للصراع، لهذا أي أمل، هو مجرد محاولات يائسة لذر الغبار وإيهام نفوسنا بأننا مؤثرين وفاعلين.
النضال لم يعد سوى، نضال أدبي لا يخرج عن مساحة الندوات والأمسيات، وإخراج الرذاذ والزبد من الفم على المنصات[...] إنه أشبه بالمسكن الذي نأخذه لتهدأ نفوسنا وأحاسيسنا المصابة بالفشل والخيبة.
لقد خيبت أمالنا السياسات والخطط الهشة... وقضت على ما بقي من أحلامنا قرارات أجندة 2020-2030.... قضيتنا الآن هي تضامن الفئة الهشة وأن نكف عن الترهات ونعمل من أجل قيمة تسند وجودنا الخرب وبؤسنا الذي ننقله بدورنا لأجيالنا القادمة.

***

سحبتُ سيجارة من علبة الدخان التي أشتريها عادة من بائعي الدخان المهرب، لا أحب سوى السجائر المهربة، إنها رقيقة وسلسة. أضحك دائما على هذا الوصف: "سلسة ورقيقة" السيجارة فعلا حين تدخنها لا تشعر بها... هذه السجائر تباع في الأماكن الشعبية بسعر أقل من الدخان المقنن، كثيرا ما كنت أشتري من النساء على الرصيف، وأحس بعاطفة جياشة نحوهن، نساء غربتهن الحروب والقتل اليومي...

سيجارتي، إنها طقس يومي أقوم به من أجل مطفأة السجائر، لها مكانة خاصة في نفسي، أهدتني إياها ابنتي التي قتلت، وأشعر أن تدخين سيجارة كل يوم لن يجعلها مهملة ويجعل لها حضورا مستمرا في حياتي .
قرأت تحذيرات التدخين على العلبة، إنهم يخافون كثيرا على صحة الناس، إن هذا يبدو مضحكا؟! ولأنني غير مدخنة لا أهتم لحرصهم الشديد على صحتنا...
عليّ أن لا أغير من طقوسي حتى أقاوم هجوم المشاعر المتأزمة وأنا أكتب شيئا يسيرا من أزمتي.

***

كورونا يذكرني بحديث والدتي عن الطاعون.
الطاعون وأيام "البون" كان الطاعون مختلفا، حتى المجاعة كانت مختلفة، ربما والدتي نفسها لم تصادف سوى تلك التداعيات التي تركتها الحرب العالمية الثانية والأمراض المتفشية.
كان الناس في ذلك الوقت يشربون الشاي مع التمر، لأن السكر كان شحيحا في السوق وثمنه مرتفع... وكان الناس يتباهون بشرب الشاي حين يكون بالسكر، وهي هبة اقتصادية لا يحظى بها سوى الأغنياء، أما الفقراء فيحلمون بشرب كأس شاي بالسكر. وكانوا يضعون أمام بيوتهم إبريقا يغلي على نار الأتون، لإيهام جيرانهم بأنهم يشربون الشاي أيضا.... وهي مجرد محاولة للتباهي فأغلبهم لا يملك المواد المطلوبة لعمل إبريق شاي.
في أيام البون كان الأكل يعد رفاهية ووسيلة للتفوق الاجتماعي.
وكانت "البون" (وهي بطاقة تموينية) تخول للناس الحصول على حصتهم الضيئلة من المؤونة.

ذاكرتي تعج بالتفاصيل الحميمة والحزينة، هذا يعطيني طاقة لا محدودة للتفكير واستحضار الماضي، وأحمد القدر على أن ذاكرتي ما زالت منتعشة ومفعمة بالحيوية والألم أيضا.

***

في هذا الوقت من العام أكون في جولات سياحية في الطبيعة بين "الجبال والأنهار" هناك أمارس هواية المشي والتسلق واكتشاف الأماكن الجميلة. هذه الرحلات تغمرني بمشاعر طفولية وأشعر وكأنني في رحلة مدرسية أحاول التشبت بالسماء والشجر كأطفال المدارس الصغار وهم يكتشفون الحياة والأماكن بدهشة.

أفتح اليوتوب لأستمع لأغنية قديمة أحبها، أغني معها، أتصور نفسي مطربة تغني على خشبة المسرح، وأستمع إلى صوتي الجميل والحزين.
لطالما حلمت بالوقوف على خشبة المسرح!

حلم ترتعش له مساماتي، وتنتفض له مخيلتي.

كلما مررت بتجربة قلق بشرية، أشعر كمن يغرق في هوة سحيقة، تشبه ثقب الكون.

عامودي الفقري يؤلمني مع زيادة ساعات الجلوس، أقرأ وأكتب وأقلق. شيء جميل يدعو إلى الإمتنان... الجو أيضا قلق وكئيب وغير ربيعي! يساعد على الإكتئاب. حتى الشجر هذه السنة لم يزهر في مارس كعادته. إنه يبدو شاحبا بسبب الغبار وحزينا وقلقا أيضا بسبب المناخ.
كل حواسي متيقضة، مع الخوف أحسست بخواء وهشاشة كبيرين، لماذا كل هذا الخوف؟
هل أخاف من الموت؟ كيف والحياة خاضعة لتجربة الولادة والموت!
هل أخشى المرض؟
ليس هذا ولا ذاك، إنني أخشى تلك التجربة[...] فخوفي كان من البؤس الوجودي، هذا ما يرعبني، ذاك البؤس الذي رأيته في عيني أبنتي وهي تستعطف الممرضة أن تشرح لها ما يجري ولماذا جسدها أصبح ثقيلا!! والممرضة كانت تبتسم لها بخبث وتطمئنها وهي تدرك تماما أنها تنفذ قرار قتلها بالتدريج حتى لا يثير انتباهي أو انتباهها.
إن هذا ترك وسما عميقا على روحي
أكره هذا البؤس اكرهه كثيرا، وأكره هذه التجربة حتى الموت... البؤس الذي يجعلك تقع تحت رحمة البشر البذيئين. تحت رحمة السفاحين الذين يستطعون ارتكاب أي جريمة دون شعور بوخزالضمير.
أن تقتل إنسانا كي تأخذ راتبك آخر الشهر، وكي تشحذ رضاء أسيادك القتلة، ثم تدعي أنك تحب الحياة، وأنك بقلب طيب، فأنت أكيد لست بنفسية سوية.
الاسترزاق أيضا جريمة فظيعة.

هذه الحادثة تركت بداخلي فراغا مهولا يشبه ظلمة الكون، تتقاذفني الشظايا والمجرات دون أن أستقر في كوكب ما.... لم أجد الله في طريقي أبدا أبدا... لكنني ضيعته من ذاكرتي وسبحتُ في الفضاء الغامض اللامتناهي. حتى شعرت بالتوازن المشوب بالغضب والأسئلة المؤلمة... لهذا، تركت نفسي تفكر، تؤمن، تكفر، وتغضب إلى أبعد الحدود... دون أن أهتم.
لا أريد أن أخسر نفسي.


***

انتهت المدة المقررة للحجر الصحي لكن الدول قررت تمديدها إلى أجلل غير مسمى؟!

مما يعني أن المرض سيظل يعيش بيننا... لقد ذهبت منظمة الصحة العالمية إلى تأكيد أن الشتاء القادم سيتطور الوباء إلى أمراض أخرى كانت موجودة مثل الأنفونزا والحصبة.
بل ذهبت منظمة الصحة العالمية أن حالة الطوارىء ستبقى سارية المفعول لمدة 5 سنوات؟!
شيء مضحك!
البشرية ستبقى لمدة خمس سنوات بين المد والجزر بين الترهيب والترغيب وتحت رحمة القوانين القمعية.

إنه العنف المقنع يتم تحت شعارات حماية الناس ولكن الآلاف تموت لا نعرف بالتحديد سبب موتها هل هو الفيروس أم دوافع أخرى [...] بعض الأطباء الإيطاليين اكتشفوا ان أغلب الموتى كانت منشرة في أجسادهم جلطات شريانية.
إن هذا يذكرني بأعراض الموت الرحيم حين يتعرض المريض لجرعات قاتلة، تظهر على جسده جلطات شريانية؟ هكذا يبدأ الموت الغير الرحيم في التسرب إلى جسد الضحية؟.
يا إلهي ... بعض الأطباء شككوا في موت المرضى بسبب المرض فقط وهناك من ذهب أنه كان بالإمكان إنقاذ حياتهم ... أخبار توجع القلب وترعب النفس.

إن منظمة الصحة العالمية تجد لكل علامة تظهر على المرضى، مخرجا وتحيلها على كورونا.

منظمة الصحة العالمية أصبحت مثل ربان فقد البوصلة... إنها مجرد جسر يصل الإمبريالية بالطب الرأسمالي.
تصريحات متضاربة ضغوطات على الدول: الأمم المتحدة تنتقد تطبيق شروط الحجر الصحي، وتخوّف الشعوب بالتطورات المرعبة لمرض كورونا، وبالتحور الذي عرفه في طفراته الجديدة، وفي اعتراف غريب تقول: منظمة الصحة العالمية أن مناعة الناس قد تغلبت على الفيروس. وأن مناعة الناس عرفت تغيرا غريبا جعلها تقاوم هذا الوباء اللعين؟! ومن جهة أخرى صرح أحد الأطباء في مجال الأوبئة بقول العكس، حيث شكك في عمل جهاز المناعة، وأنه يستحيل أن يقاوم كورونا وعلى الناس أن تخضع للقاح. وآخرونا صرحوا بعد 3 أشهر أن الكورونا هو مجرد مرض عادي من أمراض الأنفلوانزا؟!
وخبير آخر في الفيروسات قال: إن المرحلة القادمة من الفيروسات تشبه المسالخ الألمانية؟!
هل فهمتم شيئا؟
بالنسبة لي لم أفهم شيئا؟!
كل التصريحات حول المرض مشوشة وعشوائية، لقد اعتمدوا على طرق غبية في اختلاق العوارض واستغلال ثقتنا في التحليلات العلمية للتأثير على الرأي العام والعمل على الترويج للقاح.
وحسب المنطق العلمي للفيروسات: إن اكتشاف أي لقاح يحتاج لسنوات من التجارب كي يثبت مصداقيته وسلامته من العوارض السلبية.

ومن المثير أيضا انهم جربوا على عدة فئات من الشعوب بحجة علاجهم من كورونا وقالوا أنهم حتى الآن لم تظهر عليهم عوارض خطيرة.

هذا مخيف فعلا؟
عنف مقنع ينظر للبشرية وكأنها قطيع، كي تخضع للتجارب و لشروط منظمة الصحة العالمية والبنك الدولي واليونسيف، إنها مؤسسات تعمل خلف غطاء الإنسانية ومساعدة الشعوب لتحقيق الشروط والسياسات.

كوفيد 19 أصبح واقعا سياسيا مثله مثل مرض السرطان وكل الأمراض التي أصبحت تخضع لتجارب الطب الرأسمالي وللربح المادي وتحقيق السياسات.
في المستقبل لن يكون لنا الخيار في مسالة عيشنا أو موتنا أو اختيارنا للعلاج، هم من سيقررون ذلك، وما يتوافق ومصالحهم.

***

أصبح الحجر مبررا لقمع المواطنين وشتمهم حتى الذين اعتقلوا بسبب خرق التجول ممنوع عليهم أن يطالبوا بوضع صحي لائق في السجن، لا يهدد صحتهم بمرض كورونا وهم رهن الاعتقال.
كل شيء بدا صادما وعشوائيا.

الخوف على صحة الناس الذي أبدته الأنظمة والمؤسسات العالمية، والخوف على حياتهم خوف غير مُقنِع. هذه الأنظمة هي نفسها التي تترك بلدانا تعاني من المجاعة والبؤس، والأمراض، وترفض مساعدتها بالرغم من أنه بإمكانها ذلك[...] الأنظمة التي تشعل الحروب كي تقتل الشعوب... الأنظمة التي تستغل الشعوب في تجاربها الطبية والحربية والكيماوية، هي نفسها تتظاهر اليوم بالخوف على هذه الشعوب. الأنظمة التي تصدر كل يوم قرارات ضد مصلحة البشرية.
إنها اليوم تخشى على الشعوب من مرض كورونا؟!!!!

هذه الانظمة التي تخشى على المواطن هي نفسها التي تتسبب في فقدان وظيفته وخراب مشاريعه الاقتصادية وحبسه في بيته يتضور جوعا.
شركات تطرد عمالها طردا تعسفيا بسبب الحجر. وتداعيات هذا الفيروس الذي يقف ضد الفقراء وبجانب الأثرياء.
والبنك الدولي يصرح أن 60 مليون شخص سيصبحون قريبا تحت خط الفقر؟
حجر مدروس ومتقن لتحطيم نفسية الشعوب ومصدر رزقها وكتم أنفاس المرضى وجعل ذويهم يضغطون عليهم بحجة الخوف عليهم، أو تركهم للعجز بسبب الخوف من العدوى مما سيزيد من تفاقم الوضع سوءا.
لقد أصبح الناس يعانون من الاكتئاب والخوف من القادم.

أشعر أننا في قفص ولا نستطيع تقرير مصيرنا

إنه البؤس ....
المرضى مرتعبون من عزلهم في الغرف المهملة والمخيفة، والناس خائفون أيضا من أي شخص يصاب بالكورونا، هكذا وضعوا حواجز مخيفة بين الأفراد والأقرباء واستفردوا بالمرضى وسلبوهم حماية المقربين لهم.
بعض كبار السن طالبوا برؤية أبنائهم قبل صعود الروح، لكن أبناءهم رفضوا الحضور خوفا من العدوى، والبعض الآخر يطالب بمشاهدة ذويه من كبار السن، لكنهم يُمنعون بالقوة من مشاهدتهم عند الاحتضار، بحجة العدوى. والبعض يهرب ويترك والديه العاجزين دون رعاية.

إنها القيامة والأرباب تقتل وتحيي من تريد. هناك من يتهم الأنظمة، أنها تستخدم كورونا لتعزيز سلطة وقبضة الدولة العميقة على الشعوب حتى تتحكم بها أكثر.

***

لقد صرحت جهات طبية أن الذي يحمل الفيروس ولا تظهر عليه أي عوارض هو أخطر ممن يحمل الفيروس وتظهر عليه العوارض، والتفسير الطبي لذلك أن الذي لا تظهر عليه العوارض يحمل في جسمه فيروسات أكثر وأخطر من الفئة الثانية التي تظهر عليها أعراض كورونا؟؟

الحقيقة لم أفهم شيئا ؟!

وعلى نحو غير مجدٍ بدأت المعلومات المتضاربة عن المرض تأتي تباعا، من هنا وهناك، ولم يعد المرض له سمة خاصة لقد توزعت المعلومات حسب الدولة وحسب الغاية، فأصبح المرض يشبه النوائب التي نقرأ عنها في الأساطير والحكايات القديمة، وأصبحت مخيلتنا مشوشة، وأصبح المنطق العلمي يخضع للتصورات والتوقعات المتضاربة والتصريحات السياسة المرعبة، لقد تراجع الإنسان علميا وضميريا وعاد الطب لأصله، أي لممارسة الشعوذة.
أصبح قمع الناس وقتلهم هو الهدف، حتى يكتشفوا الصورة المحددة للمرض " كما يدعون" ومع ذلك يتشدقون بإيجاد لقاح له.
كيف؟
ذلك هو السر الإلهي!!
لكن المسألة الوحيدة المؤكدة هي أن الشعوب لا تحس بالمرض ولكن الأنظمة مصرة على وجود خطر غير مرئي!!
هذه ليست حقائق علمية ولكنها تطبيقات سياسية، بالتعاون مع الطب الرأسمالي.
هناك من يوحي ببداية ظهور الدولة الموحدة التي ستلعب فيه دولا بعينيها دور الإله الأكبر؟؟
يجب أن أحدثكم عن الإله إيرّا الجد الأكبر لطغاة العالم... أحدثكم عن الأسطورة المرعبة وقوانينه التي تقول:

"ادهنوا أبدانكم بالسمّ القاتل ودمِّروا كلّ شيء.
ليخفِّف الناس المروَّعون من صخبهم
لترجع إلى التراب الحيوانات المذعورة
بين القطعان، أنا الجزّار
أنا النار في منابتِ القصب والفأس في الغابة
أعصفُ كالريح وأهدرُ كالرعد
سوف أقطع الأعناق.
سوف أقتل وأبيد كلّ كائن حيّ.
لن أعفو عن أحد حتى لا يتجدّد النسل.
سوف أشلّ أجنحةَ الريحِ السيئة وكأنّها طيرٌ داجن.
دارَ الزمانُ ومرّت الساعة.
سوف أزيل سطوعَ الشمس
وفي الليل سوف أحجبُ وجهَ القمر
سوف أسحقُ البلدَ وأصيِّرُه تلالاً
سوف أمسحُ المدنَ وأجعلها صحارى
سوف أهدم الجبال وأقلب البحار
سوف أطلق الأحقاد بين المدن
سوف أفسد قلوب البشر
فلا يهتمّ الأبناء بحياة آبائهم ولا الآباء بأبنائهم.
سوف أجعلُ حيواناتِ السّهوبِ تَجوبُ هائمةً في الشوارعِ.
أستولي على البيوت وأقصِّرُ الأعمار.
سوف أعطِّلُ حياةَ حماةِ العادلين
وأُجلِسُ في مكانِ الشرف الأشرارَ الذبّاحين.
سوف أشجّعُ اللصوصَ على قطعِ الطُّرُق.
سوف أحرِّضُ إلهات الأمومة على إيقافِ التّكاثُر
سوف أحرمُ المرضعات من سَماعِ تَغريدِ الأطفالِ الرُّضَّع
وسوف أنزل الناس بدون كفَنٍ إلى الجحيم
أقتل الإبن وأترك والده يدفنه
ثمّ أقتل الأب فلا يدفنه أحد.
أطمر بالدم الرجالَ والنساء.
هم العصافير وأنا الفخاخ
أمسك بهم وأدمّرهم
أقتل كبيرهم وصغيرهم
ولا أعفو حتى عن الأطفال

***

أشعر بخواء كبير!
وهذا العالم القوي يستهلك مشاعري و يغرس أنيابه في عقلي دون أدنى احساس بالذنب.
الحياة ليست جميلة كما كنا نعتقد، إنها تحمل الكثير من الشر والعنف وتُجمل البشاعة والقوة والأمجاد المكللة بالعار... حتى الدين سار هذا المسار وبدل أن ينقذ البشرية وينتشل روحها من الضياع أغرقها في المشاكل والبؤس، كما أغرقت الرأسمالية الحياة في الوحل والدماء.

***

أخيرا تتصدر الاخبار أن يوهان تنتصر على الفيروس ويتخذ البعض موقفا عدوانيا اتجاه الصين، الكثير شكك في أن الصين انتصرت على الفيروس وأنها مجرد إشاعات!!
ربما المرض إشاعة والشفاء أيضا إشاعة؟
الجميع يعتقد أن الصين تموت وتنهار اقتصاديا وتخفي ذلك وتتظاهر بالإنتصار على المرض!!
لكن السفير الصيني في استكهولم يخرج بتصريح مفاجئ، يقول: اقتصادالصين بخيرو يتعافى أكثر وقد يفاجيء الجميع.
بالنسبة لي لم تعد هناك مساحة فارقة بين الحقيقة والإشاعة، لقد استُعمِلتْ الإشاعة لتحقيق الكثير من الأمور وإخفاء الكثير من الحقائق السيئة، وارتكاب الجرائم ضد الإنسانية والطبيعة، ومع ذلك ننكرها ونتشبث بالإشاعة والشعارات والتحليلات العلمية والمزايدات.
انتصرت يوهان أو لم تنتصر فتلك صراعات الأقوياء، أما نحن مواطنوا الدول البائسة فما زلنا نترقب الأيام والزمن الخاص بالحجر الصحي، ننشد الآمان ونتساءل برهبة وقلق، ماذا يخبئون لنا، وكيف سيكون وضعنا وكيف سيكون مصير البشرية في 2030؟

أنظمة تصنع الشر وتجند لهذا كل شيء: إعلام، شخصيات عالمية، فنانون، ممثلون، رياضيون. ساذجون، وصوليون.
الشعارات الإنسانية أصبحت وظيفتها التستر على ارتكاب الجرائم في حق الضعفاء وأصحاب الحظ العاثر.
ونصبح تحت رحمة العقول المنحطة التي تعتقد أن البعض عليه أن يموت، والبعض الآخر هو أجدر بالحياة، لأنه يملك المال والإمكانات الهائلة للتحكم في مصائر البشر.

***

كرهت هذه اللعبة السخيفة التي دمرت أشياء كثيرة، عامة وخاصة، ومثل الأطفال السبعة في الحكاية الإفريقية: فضلت مواجهة الغول على مواجهة ذئاب الغابة، إن مواجهة الغول أفضل للتخلص من سياسة الذئاب والعنف المقنع الذي يغلفونه في سلفان الشعارات الإنسانية.

كورونا، هي حكاية بلا بداية ولا نهاية. إنه الوباء الذي استخدم من بين آلاف الأوبئة السياسة، كورونا بداية فاصلة بين زمن الثورة الصناعية وزمن الثورة التكنولوجية التي ستتحكم في البشر...
أما نحن كشعوب مستهلِكة فسننتظر، وسيستمر الإنتظار وستكثر الهشاشة في عالمنا، وستغرس الإمبريالية أنيابها أكثر في الضعفاء والشرفاء، وسيُبجل الذكاء الاصطناعي وتحكمنا ربوتات.

ان الحضارة تموت حين تحقق ذاتها: أذكر شبنغلر وهو ينعل المدنية[...] وألعن بدوري المدنية ومعها كل الحضارات.
إننا تعساء هذا كل شيء!

***

يوم 14 ماي كان يوماعالميا للصلاة من أجل الإنسانية، بمباركة رجال الدين ونقل صلاتهم عبر وسائل الإعلام، كمحاولة لتلميع الصورة، صورة سريالية شرسة ترسمُ البشاعة على هيئة ملائكة.
لقد سقطت كل الأقنعة؟
وبدت المؤسسات والمنظمات الإنسانية والدينية، مجرد واجهة لإخفاء الكثير من البشاعة.

بعد 3 أشهر [ مرت وكأنها دهر] أعلنوا انتهاء الحجر والسماح للناس بالخروج حتى منتصف الليل.
الجميع تنفس الصعداء، وفك الحجر جعل الخوف من كورونا يتراجع.

بالرغم من أنني أعيش في عزلة ونادرا ما أغادر البيت إلا إلى العمل، غير أنني أشعر بالحرية، الفرق كبير بين أن تختار العزلة أو يتم الحجر عليك... الشعور بالحرية ومساحة الإختيارشعور جميل.

بدأت المرحلة الاولى من رفع الحجر الصحي بشيء من الإرتباك، فكل مرة تصدر الحكومات قرارات جديدة، ومنظمة الصحة العالمية لا تنتهي بياناتها، أغلبها تخويف ورعب، ربما يزعجهم أن نهنأ بهذه الفسحة من الحرية المقننة، والانطلاق في أرض الله.

كل دولة عملت على إصدار تطبيق خاص باكتشاف المرض... يقوم بتنزيله كل مواطن وسيعمل التطبيق على اكتشاف المرضى في الأماكن العامة. وهكذا أصبح كل مواطن ينزل التطبيق، ويدعو الآخرين لتنزيله على هواتفهم النقالة.
البعض استهوته اللعبة ووجد نفسه يحمل مسؤولية مساعدة الدولة على تعقب المرضى كاللصوص، في الأماكن التي تكون فيها التجمعات، معتقدا أنه يقوم بعمل وطني ويسدي خدمة باكتشاف ضحايا جدد لكورونا... وهناك من أصابه الهوس كلما بقي لديه وقت فراغ كان يقضيه في الأماكن العامة مؤمنا أن تطبيقه سيلتقط أكبر عدد ممكن من المصابين، وهكذا أصبح في نظره كل شخص يقف أو يمر بجانبه مريض يجب على التطبيق التقاطه.

بدأ الناس يخرجون بحذر وبدأت التطبيق يرعب الناس، أغلبهم أصبح يغلق البلوثوت، وبعضهم يغلق تلفونه نهائيا خوفا من انتهاك حريته.

بعد أيام تطور الأمر أكثر باستخدام شرطة السير، لاكتشاف المرض، لقد أوقفت دوريات السير الكثير من الباصات حيث تقوم بفحص الركاب بالجهاز وأحيانا بالمسحة الأنفية. حتى السيارات الخاصة عند الإشارات وفي الطرق الرئيسية، يتم فحصهم من طرف دوريات الشرطة المخصصة لذلك.

هذا أقلق الناس وأصبح البعض يذهب مشيا على الأقدام إلى عمله إذا كانت المسافة معقولة، وأصبحت الأغلبية تخاف المستشفيات أكثر من مخافر الشرطة.
***

مع بدء الخريف أعلنت الحكومات بدء المرحلة الثانية من الحجر الصحي وهي الأصعب، إنها عاصفة السيتوكين وهي مختلفة عن المرحلة الأولى كل شيء فيها مطور وأحمق.... لكن الناس بدأت تضجر من الاعتقال وحجز حريتها، لا أحد كان مهتما للمرض أكثر من اهتمامه بظروفه الإقتصادية التي تتدهور باستمرار مع كل مرحلة من مراحل الحجر.

بدأت أعداد الموتى تتكاثر بعد فترة من الهدوء النسبي، وبدأ قمع المواطنين من جديد من أجل سلامتهم .... لكن هذه المرحلة عرفت موت الشباب والأطفال أكثر من كبار السن مما سبب الخوف والهلع بين الناس وتساءلوا حول الأسباب الحقيقية لموتهم، أسر كثيرة فجعت في أبنائها.

خرج الكثير من المهتمين بالشأن العام وأعلنوا رفضهم لما يجري وشيئا فشيئا بدأ مسألة الرفض تتوسع وتكبر وبدأت الدعوات للاحتجاج ضد الموت والتجويع الممنهج كما صرح معظم المناضلين المعروفين بمناهضتهم للقمع واللقاح الغير مأمون.

خرج العالم للشوارع ....

الشرطة عجزت عن احتواء تذمر وثورة الناس ضد الإعتقال المقنع والموت المشبوه، ونددوا بما يقع في المستشفيات. هكذا تحول الحجر إلى ثورة سياسية عارمة، تشابك فيها رجال الأمن بالشعب الثائر.... وحين لم تستطع الشرطة احتواء الغضب الجماهيري قررت إنزال الجيش للشارع، وخلال المواجهات أصيب الكثير من الناس وأصبح الوضع ينذر بكارثة قادمة.

بعد أيام من الثورة الشعبية وعدم الاستقرار في البلاد، اقترحت دولة أجنبية صديقة، التبرع للدولة بشرطة من الروبوتات على سبيل التجريب، لإرغام الناس على الالتزام بقوانين الحجر الصحي وأيضا لما تمتاز به هذه الروبوتات من ذكاء ودقة في التقاط الخارجين عن قانون وقرارات الدولة، والتحكم فيهم.... وأيضا لاكتشاف المرض بشكل دقيق.
جاءت الدفعة الأولى من التبرع بالروبوتات، وبدأ نزول أجساد حديدية وغريبة للشوارع "هذا يشبه ألعاب البلاستيشن" تعترض طريق الناس بارسال إشارة ضوئية لتفتيشهم، وصاعق كهربائي يشل حركة الشخص إذا أظهر أي حركة غير مريحة للروبوت...

هكذا أخمدت الثورة بالتدريج وأظهر الناس صدمة كبيرة، وظهروا كقطط خائفة.
أما الدولة فقد أظهرت ارتياحا كبيرا لعمل الروبوتات، و الدولة الصديقة راضية أيضا... وأصبح لديها حرية لتجرب علينا ما شاءت، تجويع، أودواء، أو سلاح، أو لقاح، فنحن هم فئران وقرود تجاربها.
***

أطل من النافذة فتظهر الروبوتات تمشي في الطريق العام، تصوب طاقتها لكل من تصادفه، وأي حركة مريبة من البشر، تصدر طاقة كهربائية تشل حركة الشخص... كان جسمها يلمع في الليل بنقط ضوء، حمراء وزرقاء تطلق إشارات مخيفة. هذا جعل بعض الأطفال يسعدون لرؤية الروبوتات على أرض الواقع.

ما هذا المآل؟

كنا ننتظر أن نفوز بهدوء القلب وبرعشة الحياة القليلة، لكننا في كل نظرة حزن تتنظرنا منعطفات من الألم، تذكرنا بهذا الفراغ المهول، وكيف يمضي، وكيف تصبح الحياة غبارا ولعنة تخذل المشاعر الطيبة والأحاسيس الدفينة.

كيف أرتب بقايا الألم في كلمات وأحلم بثورة تحررنا؟ وفي نفس الوقت أتمنى عميقا، أن يتلاشى هذا العالم، وننعم بالخلاص جميعا... ما فائدة كل هذه الحكايات الجميلة وسط هذا الطوفان من الوجع والخراب والدمار.

أحس بالهزيمة الآن!
حملت نفسي وذهبت إلى شاطيء البحر، لعله يغسل كدمات روحي التي لا يطيقها قلبي.
الهزيمة تشعر بها في بلدك قبل أي مكان آخر.
على الشاطيء أنصت للريح، إنها الكائن الوحيد الذي ينعم بالحرية، إن عدم قدرتي على التحمل، تجعلني أفكر بإلقاء نفسي في مياه البحر، خلف الكثيرين، ممن وثقوا بالبحر، أكثر من ثقتهم في الوطن.

لن تعود تأملاتنا بعد الآن، تفيد شيئا في هذا العالم المجنون، ولن يعود هدوء وجهي يعبر عن أي شيء، وبداخلي جرح مكابر.

أفقد إحساسي بالزمن، لقد تلاشى من مخيلتي، أعصابي تراوغني، وعقلي يهزمني، لا يترك مساحة للروح ، بأن تستعين بأوهامها، فكل شيء بداخلي يتعلق بالإنتظار والقمع والقلق، ما يجري أمامي لا يقل خطورة عما أفكر فيه، رعب عام يختلط بالألم الخاص، لم أستطع أن أوفق في استعاب كل هذا، لكنني تفهّمتُ نفسي، وأن مشاعر القلق مهمة في مواجهة المخاوف، والكتابة عن مشاعري وأنا أنتظر.
لكن هذه المرة ماذا أنتظر ؟
إنه اللا شيء.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى