صلاح عبد الصبور - أغنية من فيينا.. شعر

كَانَتْ تَنَامُ فِى سَرِيْرِى ، والصَّبَاحْ
مُنْسَكِبٌ كَأَنَّهُ وِشَاحْ
مِنْ رَأْسِهَا لِرَدْفِهَا
وَقْطْرَةٌ مِنْ مَطَرِ الخَرِيْفْ
تَرْقُدُ فِى ظِلاِلِ جَفْنِهَا
وَالنَّفَسُ المُسْتَعْجِلُ الحَفِيْفْ
يَشْهَقُ فِى حَلَمَتِهَا
وَقَفْتُ قُرْبهَا أحُسُّهَا ، أُرَاقِبُهَا ، أَشُمُّهَا
النَّبْضُ نَبْض وَثَنِى
وَالرُّوحُ روْحُ صُوفِى ، سَلِيْب البَدَنِ
*
أَقُولُ ، يَا نَفْسِى ، رَآكِ اللهُ عَطْشَى حِيْنَ بَلَّ غُرْبَتَكْ
جَائِعَةً فَقَوَّتَكْ
تَائهَةً فَمَدَّ خَيْطَ نَجْمَةٍ يُضِىءُ لَكْ
يَا جِسْمهَا الأَبْيَضَ قُلْ : أَأَنْتَ صَوْتْ ؟
فَقَدْ تَحَاوَرْنَا كَثِيْرًا فِى المَسَاءْ
يَا جِسْمهَا الأَبْيَضَ قُلْ : أَأَنْتَ خُضْرَةٌ مُنَوَّرَهْ ؟
يَا كَمْ تَجَوَّلْتُ سَعِيْدًا فِى حَدَائِقِكْ
يَا جِسْمهَا الأَبْيَضَ قُلْ : أَأَنْتَ خَمْرَهْ ؟
فَقَد نَهَلْتُ مِنْ حَوَافِ مَرْمَرَكْ
سقَايَتِى مِنَ المُدَامِ والحبَابِ الزَّبَدْ
*
يَا جِسْمهَا الأَبْيَضَ مِثْلَ خَاطِرِ المَلاَئِكَهْ
تَبَارَكَ اللهُ الذِى قَدْ أَبْدَعَكْ
وَأَحْمَدُ الله الذِى ذَاتَ مَسَاءْ
عَلَى جُفُونِى وَضَعَكْ
لَمَّا رَأَيْنَا الشَّمْسَ فِى مَفَارِقِ الطَُّرُقْ
مَدَّتْ ذِرَاعَيْهَا الجَمِيْلَتَيْنْ
مَدَّتْ ذِرَاعَيْهَا المُخِيْفَتَيْنْ
وَنَقَّرَتْ أَصَابِعَ المَدِيْنَةِ المُدَبَّبَهْ
عَلَى زُجَاجِ عُشِّنَا ، كَأَنَّهَا تَدْفَعُنَا
نَذْهَبُ ، أَيْنْ ؟
*
تَشَابَكَتْ أَكُفُّنَا ، وَاعْتَنَقَتْ
أَصَابِعُ اليَدَيْنْ
تَعَنَقَتْ شِفَاهُنَا ، وَافْتَرَقَتْ
فِى قُبْلَةٍ بِلَيْلَةٍ مَنْهُومَهْ
تَفَرَّقَتْ خَطَوَاتِنَا ، وَانْكَفَأَتْ
عَلَى السَّلاَلِمِ القَدِيْمَهْ
ثُمَّ نَزَلْنَا لِلطَّرِيْقِ وَاجِمَيْنْ
لَمَّا دَخَلْنَا فِى مَواكِبِ البَشَرْ
المُسْرِعِيْنَ الخَطْوَ نَحْوَ المَوْتْ
فِى جَبْهَةِ الطَّرِيْقْ ، انْفَلَتَتْ ذِرَاعُهَا
فِى نِصْفِهِ ، تَبَاعَدَتْ ، فَرَّقَنَا مسْتَعْجِلٌ يَشُدُّ طِفْلَتَهْ
*
فِى آخِرِ الطَّرِيْقْ تُقْتُ – مَا اسْتَطَعْتُ – لَوْ رَأَيْت
مَا لَوْنُ عَيْنَيْهَا
وَحِيْنَ شَارَفْنَا ذُرَى المَيْدَانِ ، غَمْغَمَتْ بِدُونِ صَوْتْ
كَأَنَّهَا تَسْأَلُنِى .. مَنْ أَنْتْ ؟
يَعْلَمُ ، حِيْنَ نَلْتَقِى بَعْدَ سِنِيْن أَوْ شُهُورْ
هَلْ سَيَكُونُ فِى العُيُونِ وَجْدُهَا
هَلْ سَيَكُونُ فِى العُيُونِ وَجْدُهَا
أَمْ نَلْتَقِى كَالأَصْدِقَاءِ القَدَمَاءْ
أعلى