ثروت الهادي علي - ملح القرية.. قصة قصيرة.

إنها التاسعةُ مساءً مازال الليل طفلاً يحبو ، أصوات الملاهي تُسمع على بُعدِ اميال كاسرةً سكون الليل على من يقطِنونَ اطراف القريةِ ، راسمةً عليهم تلك البسمة الخفية التي تتبادلهُا النفوس دون ان تتحرك الشفاه مهديةً لهم بعض الأُنسِ الممنوع على من يخوي جيبه من الدنانير .
مازالت تِلك العجوزُ بائسةُ الوجهِ ذابلة الملامحِ راسمةً البؤس على من جاورها ، تبدو كمن اهداهُ الزمن بعضاً من البهجةِ التي اضفت عليها شيئًا من الالق ، ليأتي القدر خاطفاً منها تلك اللحظات الهنية رامياً بها كمن هم جوارها مسقطاً بها في (قطيةِ) تحمل احزانها كما حملت احزان من سبقوها.
تأتي الحادية عشرة تهب الرياح حاملةً نسيماً عليلاً يضفي علي الثمالة بعضاً من البهجة التي ما إن يقضي وقت السمر حتى تتبخر وترمي بهم في واقع مضني لا يقوى عليه سوى الذين ولدوا من اجله ، تدور عجلة الليل وتنخفت اصوات الملاهي وماتزال تلك العجوز هائمةٌ على وجهها تنتظر حضور فارسها الذي قُطِعت اخباره بعد ان فارق القرية واتجه الى عالم آخر رامياً بالعجوز في حضن الوحدة التي لا تكسرها سوى مكالمة الهاتف التي تحمل اخبار ابناء القرية ، وتتمثل تلك المكالمات في تحويلات الدنانير القليلة التي يقوم بها الابناء لأُسرِهم.
وتبقى تلك العجوز في مكانها تنتظر سماع صوت ابنها الذي لم يبعث بالتحاويل ولم يظهر على القرية ، ومع ذلك السكون يرن صوت الهاتف لتلتقطه العجوز كالطفل الجائع لنهد امه ، تتقبل التحية من المتصل بلهفة لتصدم من صوت المتصل الذي لم تتعرف عليه ،لم تمر سوى ثواني معدودة حتى تتكئِ على باب القطية الذي كان خير سندٍ لها في تلك اللحظة التي لم تقدر على تحملها ، تتعالى اصوات الكلاب ضاربةً صافرات الإنذار باقتراب بعض الثديات الجائعة وتعود تلك العجوز الى جلستها الاولى بانتظار الوقت الذي تجاور فيه ابنها الحبيب.

4 اغسطس 2020

ثروت الهادي علي



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى