محمد حساين - إسمها لالوش..

مغرفة عملاقة، هبة من مدام ديكتو، جاء بها والدي ضمن ما جاء به محمولا على عربة من عربات الرُّضّع حوّلها الحمّال بوشنافه لعربة لحمل الأثقال الخفيفة بدل الأطفال: ساعة حائط ومكواة جديرة بإسم "لحديدة" وإناء أبيض من جالوق وڭلّاس ذي شفاه غليظة زرقاء، ابيض كذلك ومن جالوق كذلك والكل "سيماهم في وجوههم من أثر السقوط" .
ابي هو الذي أخبرنا أن إسمها الكامل "لالوش".
كانت أكبر من فم طنجرة كسكس لدينا وأكبر من فم طاوَتنا والطاوة، للمعلومة، في لغتنا نحن في إقليم مكناس، هي المرميطة الصغيرة وهي التي تسمى القِدر في التلاوة.
كبيرة كانت لدرجة أني تخيّلتها مغرفة عملاق كتاب "إقرأ" ذلك الذي يحمل طفلا فوق كفّه ولا أكبر منه سوى الله.
الحمولة التي حملها بوشنافه الحمّال كانت عقيمة:
فالإناء فيه ثقب وقعره في إجراءات الطلاق من قاعدته،
والڭلّاس قُطره أكبر من قُطر مؤخرة أختي الرضيعة،
والمكواة...؟ لدينا مكواتان وليست لدينا ملابس للكي
والساعة ذات الأرقام لاليمان كما قيل لنا، لا لولب لضبطها ولا انسجام لها مع حائطنا ذي البقع التي تشبه رؤوس الشياطين وذي الثقوب التي يسكنها البق في موسم البق وذي المسامير الصدئة وذي الطلاء الذي يطبع ظهر من لا يعرفه وذي كل شيء عدا تِكْ تَكْ تِكْ تَكْ دوماً أبدا.ً
أما المغرفة فكانت "مغرفة الخيرية" حسب قول والدتي وهي الأعرف بالملاعق والمغارف.
ارتأى ابي ان يتبرع بها لصالح "أصحاب" الحليب.
في ايفران تلك السنة، في رمضان، نادى البرّاح موحى بويْقلُّوشنْ بما مفاده انه، لا إله الا الله محمد رسول الله، ولا شيء الا الخير ان شاء الله وانه، كإعانة من البلدية، في لاكاب مدرسة تمدّقين، كل يوم، بين العصر والمغرب سيوزَّع الحليب على من يريد الحليب مجانا.
في دائرتنا، قليل من قال عن الباشا "أكرمه الله" وكُثرً من قالوا ومن قلن أن البلدية "شفّاره" وانهم بدل أن يوزعوا دقيق الحليب الذي يرسله لنا الأمريكان، يخلطون نصفه ويسرقون ثلاثة أنصافه وهم بذلك "كروش لحرام".
لم نكن معنيّين، بحديث الحليب، ولا رغبة لنا كانت في حليب البلدية، ليس لأننا، لا نفطر كأغلب سكان الحي، بالخبز والأتاي في سائر الأيام ولكن لأننا تعوّدنا أن نشتري حليب البيضانصي من السجن الفلاحي تماما كسكان الفيلاج وحي la famille française
ولأننا تعودنا كذلك ألا نشتري الحليب إذ يصلنا لترٌ في زجاجة عريضة يقول والدي انه أخذها بالفور يا الشيفور من ڭراندوطيل حيث كان يشتغل.
ذلك اليوم لم يكن لدينا حليب ولا بد للصائمين والصائمات من الحليب.
سألت امي جارتنا فتحرجت للارقيه وتأسفت وأقسمت وحرّمت واقترحت كَحلّ ان أذهب أنا "بحال عباد الله"، الى حيث يُعطى الحليب فابوراً.
ردت والدتي على الاقتراح بالسؤال الذي يفيد الرفض: "حليب الغبره؟ حليب كينيدي؟ كلّو غير مياهات...."
نهرتها الجارة المكناسية وبالمناسبة رمت جارتنا الأخرى بعين قاتلة: "ومال لحليب دكينيدي؟، ها ولاد حادّه عاشور حداك حناكهوم غدي يطرطقو بالدم"
أعطتني والدتني الوعاء اللّامِنيو وكعباد الله المصطفين اصطففتُ.
الحليب في برميل كبير مغروسة فيه، بدل مغرفتنا، عصا غليضة،
علّا بوكمّوس، داخل وزرة ممرّض ضيقة جدا، يملأ لهذا قنينة مستخدما محقنا كبيرا ويكب في مقراج هذه ويصب في مرجل تلك وبين الحركات يدير الخليط بتلك العصا التي تشبه عصا الخطيب على منبر الجمعة.
أجمل ماعون، طاستنا ذات الفم الواسع وذات الغلاقة المقعّرة وذات اليد التي يلفها قضيب خشبي وذات اللمعان المرآة الذي يشهد لأختي ولعجينة الطماطم والرماد .
لالوش شامخة معلقة بالقرب تزيّن المكان بل ولولاها لما استُخرِج، دون دَنَسٍ يصيب الحليب، لما استخرج الغرّاف من قعر البرميل حين، امام الشهود، انفلت وغرق الغرّاف.
أنا الطفل كنت أرى أنه لا بد لنا من امتياز فنحن أصحاب لالوش،
لكن عسو اليزيد، الكابران، الذي كان يراقب العملية ويعدُّ المستفيدين، رمى سيجارته واستهدفني.
كانما الكلام موجّه لطاستنا النظيفة الجميلة البريئة أمرني بالانصراف.
طردنا عسّو كما يطرد المتطفلون أو المختلسون "سير لداركوم أولد صالح.... مزيان !! جايّين تزاحمو مع الموساكين؟"
في تلك الثواني، رأيت احمرار وجهي واحسست بالدم فيه كما السعدية ابنة عمي عاشور التي لها عينان كأنهما كأسان وخدود كأنهما البلّعمان.

محمد حساين



  • Like
التفاعلات: فائد البكري

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى