جمعة شنب - رياضة صباحيّة

لم يكنِ الرجلُ في مزاجٍ مختلفٍ هذا الصباح.. لقد انتعل حذاءً رياضيًّا، وملابسَ فضفاضةً، تنمُّ على ذوقِ رجلٍ أربعينيٍّ، يتميّز بالرّصانةِ، والأخذِ بالأسبابِ، وشرع في هرولتِهِ الصباحيّةِ، كما اعتادَ أن يفعلَ منذُ سبعةٍ وسبعين يومًا، حينَ قابل الطبيبَ، ذا السّمعةِ المدوّيةِ في المدينةِ، والذي أشار عليه بالركضِ لمدّة ساعةٍ كل يومٍ، على أن يقومَ بمراجعتِهِ، بعد ثلاثةِ أشهرٍ، يكون ركضَ خلالها تسعين ساعةً كاملة..
بعد خمسٍ وأربعين دقيقةً، وكان في ربعِ المسافة الأخيرِ من البيتِ، سيطرت عليه فكرةُ أنّ الركضَ الذي يقومُ به كلَّ صباحٍ، هو عملٌ مقيتٌ، وأنّه قد وقع ضحيّةَ ترويجِ أفكارٍ عدميّةٍ، لا طائلَ منها، فما الذي يحدو مخلوقًا مثلَه على الّلهاثِ مثلَ كلبٍ طريدٍ، وبصورةٍ يوميّةٍ، سيّما وأنّ لسانَه كان يتدلّى في شوطِ العودة؟
ثمّ فكّرَ أنّ العرقَ الذي يرشحُ من مساماتِ جلدِه، هو مسألةٌ مُهينةٌ، بصورةٍ ما، سيّما وأنّه كان يصلُ إلى البيت، وقد ابتلّت ملابسُه الداخليّةُ والخارجيّةِ أيضًا. وقد سيطرت عليهِ فكرةُ أنّ الطبيبَ الذي أشار عليه بالركضِ، رجلٌ مريضٌ، ويعاني من ارتفاعٍ في الضغطِ والسّكرِ، والأرجح أنّ البنكرياس المخبّأَ في جسدِه معطوب أيضًا..
صحيحٌ أنّه يحظي بحمّامٍ ساخنٍ، وقتَ عودتِه من رياضتِهِ الصباحيّةِ هذه، ويشربُ قهوةً ساخنةً، ويُفترَضُ به أن يشعرَ بالرّضا، سيّما وأنّ زوجتَه تكونُ غاطسةً في نومٍ عميقٍ، وأطفالَه يكونون قد ذهبوا الى مدارسِهم.. صحيحٌ.. وصحيحٌ..
"عبث" تمتمَ بصوتٍ مسموعٍ، وكان اقتربَ من الحفرةِ العظيمةِ التي شقّتها آلاتٌ جبّارةٌ، على مدارِ الأسبوعين الفائتين، وكان يحيدُ عنها في هرولتِه، بعد أن يخطفَ نظرةً عابرةً، ليلحظَ أنّها تزدادُ عمقًا واتّساعًا كل يوم..
اليومَ، وكان رآها بكاملِ بهائِها، في مشوارِ ذهابِه، وأحسَّ بتقديرٍ شديدٍ لما تقوم به الجرّافاتُ والمجنزراتُ في بناءِ المدنِ الفتيّة..
اليومَ، ودون ابطاءٍ أو تسريعٍ لهرولتِه، لم يَحِدْ عنها !

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى