المستشار بهاء المري - تقتل والدها وتُشعل النار في جثته.. أدبٌ قضائيُّ ومَرحمَة.

- الواقعة بمنهج التجسيد كما حصَّلتها المحكمة:
تتحصل الواقعة في أن المجني عليه..... - كهلاً - تمَّ الأربعين من عُمره أو يزيد - المُفترض فيه أنه أحد الساهرين على حماية الشرعية، وحراسة القانون، بحسبان أنه يَعمل شرطيا برتبة "مساعد" بمركز شرطة ...... راع لأسرة له فيها زوجة يُقال لها ..... أنجبت له ذرية من بنات وبنين، أكبرهن المتهمة ..... فتاة تجاوزت العشرين ربيعًا بقليل، نالت قسط متوسط من التعليم فحصلت على دبلوم المدارس الزراعية، يليها شقيقتها ... في نهاية العقد الثاني من عمرها، طالبة بالمدارس الثانوية، وأخوين من الذكور، تعيش تلك الأسرة في كنف المجني عليه بعزبة .......
مرَّت بهم الأيام والسنوات، وما أن بلغت المتهمة نهاية إتمام المرحلة الثانوية وباتت في طريقها إلى النضج، وتفجرَّت أنوثتها تحمل بين ضلوعها قلب أخضر يزخر بالأحلام الوردية، وأمنيات تمنت أن تُحققها في كنَف أسرتها، وقد مَنَّ الله عليها بمِسحة من جمال بنت الريف، واكب ذلك وزامنه ذبول الأم وشحوبها، فقد حصدت الأمراض ما تبقى لها من مظاهر الأنوثة، ونهشَ الداء العضال جسدها، وباتت تقضي وقتها مناصفة ما بين الفرار من المسكن وقد غلبها اليأس وأقعدها فأصبحت من زوجها المجني عليه غير مرغوبة، فلم يوليها إلا قسوةً وصُدودًا، ولم يشأ أن يحنو عليها ليُنعش الأنثى الكامنة في عروقها، أو يُحيي ما مات في كيانها من أحاسيس.
ورغم ذلك عجز عن كبح جماح رغباته المسمومة، واستيقظ شيطانه وعصفت به الشهوات، سلبت منه دينه ويقينه فخلط بين الحرام والحلال، وأعماه الهوى فهوى في دياجير الإثم والفُجور ينهل منها حتى الثُّمالة، فقد حمل عليه شيطانه فأعمى بصيرته وبدد حياته؛ فتظاهر على الناموس الطبيعي لتخلف البشرية، وتمرَّد على فطرة الإنسانية، وسولت له نفسه بما جبلت عليه من خِسَّة ودَناءة وسوء النشأة وفساد التربية، أن يذبح شرف ابنته الكبرى "المتهمة" غيلةً وغدرًا، ورأى فيها مَرتعًا لشهواته الدنسة، وتحوَّل الراعي إلى ذئب بشري يتربَّص للفتك بالرعية، وانحلَّ الدم الذي يربطهما إلى ماء مَهين، وراح يَنهش جسدها بنظراته الغادرة، فكلما أخذت أطوارها تكتمل في طريقها للنضج كامرأة؛ اجتاحته رغبة عارمة تُعربد في حناياه غير آبهٍ بقداسة الرباط بينهما، وغلبَت غرائزه الحيوانية عاطفة الأبوة؛ فتبدلت سلوكياته نحو الفتاة، فإن قبَّلها أو احتضنها جعلها تشعر أنه يُخاطب أنوثتها مدفوعًا بغريزته الجنسية، وليس بعاطفة الأب الزكية؛ فارتابت في أمره، فأسرَّت إليه في استحياء منها أنَّ ذلك أمرًا غير مألوفٍ بين الأب وابنته، ولم يكن جوابه إلا تلميحًا لمرماه ومقصده.
وعصفت به شهواته فخلع عن خُلِقه رداء العِفَّة، وتجرَّد من الحياء فألقى على مَسامعها طلبه الآثم تصريحًا مفضوحًا، يراود ابنته عن نفسها متوعدًا إياها إن لم تمتثل لرغباته الدَّنسة ليَفتكنَّ بها، ويُطلِّق أمّها، وتكونَنَّ من الصاغرين.
فكان لما فرَطَ منه نحوها وقع الصاعقة التي زلزلت أعماقها وتملكها الفزع، فأسرَّت بأمرها إلى شقيقتها الصغرى، وزاد من فزَعها أن علمِتَ منها أنه أيضا يُقبِّلها قُبلة شهوانية، فأيقنت أنا باتت تعيش في كنف أب تحوَّل إلى وحش كاسر ينساق إلى خراب بيته دون أن يشعر، وحشدت كل خوفها على أمها المريضة وسُمعة أسرتها إنْ ذاع الأمر أو انكشف ، وراحت جاهدة تُذكِّره بأنَّ ما يَصبو إليه أمر غير طبيعي فيه تظاهُر على شريعة الأرض والسماء، وتمردًا على فطرة الإنسان، فأنَّى له أن يتذكر أو يَخشى وقد أطاحت بعقله الشهوات ومات منه الضمير، وتجرَّد من كل مشاعر الأبوة الجميلة النقية، وضعف أمام أنياب غريزة قاتلة؛ فأعاد عليها الكرَّة مرة أخرى وراح يتحين الفرصة التي يخلو بها ليُعاود مراودتها عن نفسها، ويَسعى جاهدا لإقناعها بأن ذلك أمرًا يسيرًا فأيقنت الفتاة أنه سادر في غِيِّه الأثيم حتى النهاية.
وكانت قد انتهت من دراستها واستقر بها المقام في بيت أسرتها فغلبها اليأس والحزن، وأيقنت أنها قد أُحيط بها ولا ملاذ لها إلا أملاً أن يتقي والدها ربه أو يخشع.
ولاحت لها فرصة للنجاة فتقدم لخِطبتها شاب يدعى ..... فوافقت من فورها لتنجو من براثن ذلك الأب الظالم لنفسه ولبيته، واستعانت بمن يُقنع الأب بزواجها، وانتقلت إلى مسكن الزوجية بذات القرية، واعتقدت أنها قد نجت من الهلاك بمنأى عن شَرِّه الآثم، ولم يكن اعتقادها إلا ظنا، ذلك أنه لم يمض على زواجها إلا أيام وشهور معدودة، حتى أتاها والدها الذي بات كشيطان مَريد يستبيح الحرمات ويسعى في الأرض فسادًا، فراح يتردد عليها في مسكن الزوجية مُصرًا على الإثم يتحين الفرصة التي يخلو بها ليراودها عن نفسها، واهمًا إياها أنها بزواجها يستطيع أن يُعاشرها جنسيًا وهي في مأمن من الفضيحة، فلم تُزعن لرغباته الدنسة.
وحاولت جاهدة أن تثنيه عن مقصده، الإجرامي وباتت تشعر بنفسها حسيرة مُحطمة، تريد من أبيها أن يَفهم أو ينتبه إلى فَداحة الجرم وهول الكارثة التي لا توشك أن تعصف بها، ولكن أنَّى لمن أعماه الهوى وجمَحت به الشهوات أن يُبصر أو يعتبر، فعمد إلى التفريق بين الفتاة وزوجها حتى تعود إليه في قبضته ثيِّبًا لتكون مَرتعًا لشهواته القذرة؛ فبذر بذور الشِّقاق بين الفتاة وزوجها ليُكدِّر صفو حياتها ويَهدم بيتها الوليد، ذلك أنه لم يمض على زواجها إلا سنة واحدة وبضع شهور تركت خلالهم منزل الزوجية غَضبَى أربع مرات.
وحاولت الفتاة جاهدة أن تحمي زواجها من الانهيار، وحشدت كل خوفها على بيتها وحرصها على ألا تتمزق، واستعانت بمَن يشفع لها عنده أن يُعيدها إلى زوجها، ويعيد إليها مَصاغها الذي سلبها إياه مما أثار حفيظة الزوج وصار أمرها إلى الطلاق، فلم يأبه إلى توسلاتها واستمر في غِيِّه الآثم، وانتهى أمرها إلى طلاقها من زوجها، وعادت إلى وكر الشيطان ذليلة كسيرة، كأن هموم الدنيا من نصيبها وحدها.
وما أن دانت له تحت ولايته واستقر بها المقام في بيت أسرتها حتى عاود الأثيم الكرَّ عليها مرة أخرى فأيقنت أنها هالكة لا رَيب، فلاذت بخال لها وهجرت منزل أسرتها ولجأت إليه طالبة الحماية والإقامة حتى تكون بمنأى عن بطش ذلك العربيد الفاجر، ولم تشأ أن تفصح لخالها عن الدافع الحقيقي لتركها منزل أسرتها مَخافة أن يفتضح الأمر ويُقوِّض أركان البيت، وتموت الأم المريضة من هول الصدمة.
ولم يمض إلا أيام قليلة حتى أتاها الشيطان وأوهمها أنه قد أقلع عن غايته، وأنها ستكون آمنة في رعايته، وأقسم لها أنه من الصادقين، فانخدعت بحيلته وعادت إلى وكره مرة أخرى، وظلت الفتاة قابعة في حجرة صغيرة بالبيت والصمت أصبح صديقها الوحيد، تدعو الله خوفًا وطمعًا أن ينجيها من محنتها، ولم تشأ أن تفضي إلى الأم بعلَّتها مَخافة أن ينهار البيت ويتفكك رباط الأسرة الواهن، ولم تجد إلا شقيقتها التي تلازمها الإقامة بالحجرة مؤنسًا.
وكان من شأن مبيت الفتاة رفقة شقيقتها أن تحُول بين الشيطان وأن يخلو بها، فتفتَّق ذهنه المريض عن حيلة قذرة، ذلك أنه أصر على أن تبيت معه في ذات الحجرة التي ينام فيها مع زوجته، وأعدَّ لها مَضجعًا بأحد أركان الحجرة، وحجَب بساتر من القماش يَحجبه عن مَضجع الأم، وكان له ما أراد، ودأب على أن يتسلل إلى فراش الفتاة كلما جَنَّ الليل واستغرق النوم أهل البيت يُحاول جاهدًا أن يعاشرها جنسيا، وتطاولت يده القذرة إلى أماكن العِفَّة منها ليحسر عنها ملابسها، إلا أنها كانت تُقاومه ولا تُمكنه أن يَفعل حتى يُمني على نفسه ويلوث فراشها وجسدها بمائه القذر المهين، وراح يوسوس للفتاة يحاول جاهدا أن يُقنعها بأن تُمكِّنه من معاشرتها جنسيًا، وحصد جنون الرغبة ما تبقى له من عقل، وبات الأب يهيم بابنته متناسيًا الرباط الذي يجمعهما وأوغل في الاثم إلى غايته.
وتَقدَّم للفتاة بائع متجول يكبُرها بسنين سبق له الزواج، فرحَت به زوجًا رغم الفارق بينهما ليكون لها ملاذًا وتنجو من قبضة ذلك الفاجر العِربيد، وانتقلت إلى بيت زوجها الثاني في غضون شهر أكتوبر سنة 1994 بقرية ميت رومي إحدى قرى مركز دكرنس، ولم يمض على زواجها بضع أسابيع إلا وتَعقبَّها الشيطان الذي بات غارقًا في غِيِّه يشتهي ابنته فتحين الفرصة التي يخلو فيها مع الفتاة في مسكنها ليُراودها عن نفسها مُهددًا إياها بطلاق أمّها ولَيبطش بها إنْ لم تمتثل لرغباته، فاستعصمت إلى أنْ أتاها في ذات ليلة واهمًا زوجها أنه يزورهما، وتَعمَّد إطالة وقت الزيارة إلى وقت متأخر من الليل وطلب المبيت عندهما، وكانت تعلم مقصده الإجرامي فخافت افتضاح الأمر فأعدت له فراشا بصالة المسكن ورافقت زوجها بحجرة نومها، وإذا بالشيطان يطرق بابها ويطلب أن يبيت بالحجرة متعللا أنه يعاني مَرضًا فأصر الزوج أن ينام الأب مع ابنته في فراشها ولم تُجدِ محاولة الفتاة أن تثنيه عن ذلك.
وما أن انفرد الأب الشيطان بابنته حتى شرع في اغتيال شرفها وعِرضها غدرًا وظلمًا، حسَر عنها ملابسها قسرًا عنها، وأُسقط في يد الفتاة، فإن صرخت افتضح أمرهما، وعلم الزوج بقصد الأب الشيطان لقتلهما سويًا في مخدع الرذيلة فأسلمت نفسها كارهة لوالدها الشيطان، فتمكنَّ منها مدفوعًا بجنون الرغبة وعاشرها معاشرة الأزواج، وكان من شأن تَردُّد الأب الفاجر على الفتاة في بيت الزوجية أن أدَّى بها إلى الطلاق، طُلِّقت من زوجها الثاني وعادت إلى وكر الشيطان مرة أخرى ليحاول مرة أخرى أن يفتك بشرفها ويذبح عِرضها وحاولت جاهدة أن تثنيه عن مَقصده الإجرامي؛ فلم يكن جزاؤها إلا القسوة والبطش بكل مَن في البيت.
وفي يوم 1/4/1994 اصطحبها إلى مدينة القاهر مُتعللاً أنه سَيُقدم أوراق الحاقها بالعمل بهيئة التشجير، فرافقته بعد أن وعدها بأنه لن يُعاود مراودتها عن نفسها، وظل طيلة الطريق يحاول جاهدا أن يُقنعها بمشروعية مَقصده الدَّنس وتَوصَّل بالحيلة إلى أن يَبيت ليلته معها بأحد الفنادق بميدان رمسيس وما انفردَ بها حتى شرع في اتيانها كرهًا عنها، فأفضَت إليه أنها تعاني آثار حَيض الدورة الشهرية لعله يُقلع؛ فإذا به يُعلمها أنه يعلم ذلك وأعدَّ للأمر عُدَّته وأحضر واقي ذَكري، وتَمكَّن منها كرهًا عنها وعاشرها جنسيًا رغم أنها مُلوثة بدماء الحيض وامتثلت له.
وعاد بها إلى المسكن وراح يُحاول معها الكرَّة إلا أنها كانت تُجاهده؛ فَجُنَّ جنونه، وراح يسئ معاملتها ويبطش بأهل البيت، فاستعانت بأحد جيرانها ليشفع لها عنده دون أن تَفضح الأمر، حتى كانت ليلة الحادث، أسَرَّ إليها أن تحضر إليه في دورة مياه المسكن أثناء انشغال أفراد الأسرة بمشاهدة التليفزيون إلا أنها رفضت، فقضى الليل يفتك به جنون الرغبة، وفي صبيحة يوم الحادث 19/4/1995 انصرف إلى عمله وهبت الأم لزيارة أختها المريضة وذهب أشقاؤها إلى المدارس، وباتت بمفردها بالمسكن، أتاها المجني عليه وقد بدا مُصرًا على تنفيذ رغبته الإجرامية، ودلف إلى حجرته واستدعاها فحضرت إليه وقد بدا الشر يكسو ملامحه، وألقى الرعب في صدرها، وحملها قسرًا عنها على أن تستلقي على ظهرها على المَخدع، وحسر عنه ملابسه إلا من فانلة، وأحضر قطعة من القماش المطاط طولها حوالي نصف متر وعرضها حوالي عشرين سنتيمترًا ليتخلص فيها من منيه، ووضعها بجوارها على المخدع، وحسر عن الفتاة سروالها فكشف عن عورتها من قُبُل وهمَّ بها غيلةً وغدرًا ووطئها فُحشًا وفُجورا، وأولج قضيبه في قُبُلها إيلاجًا كاملا كرهًا عنها حتى فاض ماؤه القذر فانسلخ منها وقذف بقطراته النجسة في قطعة القماش التي أعدها لهذا الغرض، وبعد برهة عاود الكرَّة مرةً أخرى فضجعها على ظهرها وجثم فوقها جاثيا على ركبته وأولج قضيبه في فرجها من قُبُل، وبات الأب كوحش كاسر انفلتَ من عِقاله، وأضحى شيطانًا مَريدًا ينهش الأعراض ويستبيح الحُمات، مُتجردًا من كل مشاعر الأبوة النقية، وعصفت به الشهوات وتحطمت من تحته الإبنة، وحاولت أن تُقاوم أسباب الإحباط واليأس الذي أعجزها حتى جاءت اللحظة التي تذكرت أن مَن يَجثم فوقها ليس الأب وإنما شيطانٌ عِربيد، واجتاحها إحباطٌ مُدمر، وغلب عليها اليأس حسيرة مُحطمة، واجتاحتها ثورة عارمة، وجاشت نفسها بالاضطراب، وأيقنت أنَ التعايش مع ذلك الوحش العِربيد بات أمرًا مستحيلاً، وأنه لا ملاذَ لها إلا بالقضاء على أي منهما، فجمح بها الغضب بعد أن أيقنت أنها لا تستطيع أن تستمر، وأنها تتمزق وتشعر كل لحظة أنها ترتكب الخطيئة فالتقطت قطعة القماش الملوثة بماء الرذيلة، وكان عُنق يقترب من رأسها مائلا فوقها، وقد بات منغمسًا في شهوته مشغولا بملذاته، وبسرعة خاطفة أحاطت عنق المجني عليه بعنف قاصدة من ذلك إزهاق روحه والقضاء عليه والتخلص منه، فخارت قُواه وتمكنت من أن تنفلت من تحته وهي مُمسكة بطرفي قطعة القماش جاذبة طرفيها بعنف بنية تنفيذ قصدها الذي عمدت إلى تحقيقه، فسقط المجني عليه مستلقيا على ظهره على مخدع الرذيلة، وباتت المتهمة تعلوه وكان من أثر الضغط بالقماش على عنقه أن نشأ سريعًا ضغط على الشرايين الرئيسة العُنقية على الناحيتين فمنعت تدفق الدم إلى المخ فانهارت مقاومته ودان لُقمة سائغة للمتهمة فاستمرت في جذب الرباط حول العُنق فأحدثت به كسرًا في الغضروف الحنجري أودى بحياته.
ومَخافة أن يُفتضح أمرها عمدت إلى سكب سائل الكيروسين على الرباط المُحكم حول عنقه وأحضرت سرواله وملابسه وألقت بها على الجثة وأشعلت فيها النيران بقصد محو آثار الجريمة كي تُصور الواقعة على أن مَرَد الوفاة الحريق.
*************************************************************
- وانظر روعة التمهيد لاستعمال الرأفة:
وحيث إن المحكمة إذ تضع مَوازين القسط وهي بصدد تقدير العقوبة بعد أن أحاطت بوقائع الدعوى عن بصر وبصيرة، وباتت كل نفس بما اكتسبت من الجرم والإثم رهينة، تأخذ المتهمة بقسط وافر من الرأفة عملا بالمادة 17 عقوبات، لِما وقرَ في عقيدتها أنها أُحيطت بظروف قاسية ساقتها دَفعًا مغلوبة على أمرها لمقارفة الجريمة بعد أن حسرها اليأس وحصدها الإحباط وتحطمت إرادتها، وظلت تقاوم حتى جاءت اللحظة التي استوي فيها عندها الموت والحياة وانهارت لديها كل المعاني والقيم النبيلة.
وما كان حصاد جريمتها إلا أب مجرد من كل مشاعر الأبوة النقية الجميلة، وراعٍ تحوَّل إلى ذئب يتربص للفتك برعيته، طمحت به الشهوات وعصفت به جنون الرغبة المدمرة؛ فألقت به في أتون الخطيئة؛ فخلط بين الحلال والحرام، واستبد به شيطانه فسلب منه دينه ويقينه؛ فبات كوحش كاسر انفلت من عقاله، وشيطان مَريد يستبيح الحُرمات ويسعى في الأرض فسادا، لا يعرف للأعراض حُرمة ولا للحرمات قداسة.
ولم تكن ضحيته إلا إحدى محارمه، وأضحى غارقًا في غِيِّه وشهواته ونسى أنه الأب، والحامي للعِرض، والقدوة والملاذ، وانحل رباط الدم الذي يربطه بها ويجرى في عروقها، إلى مَاءٍ مَهين؛ فخرج عن الناموس الطبيعي لفطرة البشرية، وذبح بجُرمه أجمل القيم الإنسانية، يأكل لحم بيته حيًا، وينهش عِرضه في جُرأة غير مسبوقة، فيها تَظاهر على شريعة السماء وتمرد على قانون الأرض.
لقد منَّ الله عليه بالبنات والبنين، فبدَّل نعمة الله عليه كفرًا وأحل نفسه وقومه دار البَوار، فمات في مَخدع الزنا والفجور، مَخنوقًا مُطوقًا بمَني الرذيلة غيلة وغدرا وبئس القرار.
لقد أراد الله أن يَفضح سِتره، ويَذيع بين الناس جُرمه، ليكون عبرة لأولى الأبصار، واستحالت حياة المتهمة معه إلى مَشاهد متوالية من الصنف الأسود والفجور والشذوذ والمعاناة حتى الموت.
ولتلك الظروف جميعها ولِما أحاط بالدعوى من ملابسات، ولما رأته المحكمة من جانب المتهمة أنها لن تعود لجريمتها التي سيقت إلى التردي فيها دفعًا، واستحسانًا من الجماعة في استعمال حقها في المُساءلة والعقاب ونزولا على اعتبارات الملائمة وحُسن التقدير وسترًا لتلك النفوس العارية التي تحتاج لمن يسترها وتضميدا لتلك الشروخ العميقة التي عصفت بتلك الأسرة وتحتاج لمن يَسترها، وتضميدًا لتلك الشروخ العميقة التي عصفت بتلك الأسرة وتحتاج لمن يرحمها.
ومن ثم فإن المحكمة تأمر بوقف تنفيذ العقوبة عملا بنص المادتين 55/1، 56/1 عقوبات، لعل المتهمة تتوب إلى بارئها وتتطهَّر من رجس الخطيئة، وتستقيم من بعد على الطريقة المُثلي، مع إلزامها المصروفات الجنائية عملاً بنص المادة 313 أ. ج ولتطوى صفحات تلك النفوس العارية التي احترقت في أتون الشهوات.




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى