د. محمد الدفراوي - أخبرتني أمي..

أخبرتني أمي ، أن آلالام ستمر عندما أكبر ، و ها أنا ذا كبرت و انعقد براسي البياض و ما زلت أتألم ، و انتظر الألم و لا أعرف من أين يأتي و لا متي يرحل ! أنه يشبه العناكب من غير جهد تعرف كيف تنسج البيوت ، فالعنكبوتة ليست عبقرية كي تخترعه ، ما بداخلها يدفعها إليه . كذلك الألم لا نخترعه لأنه يسكننا !
أتطلع إلى أعلى ، أراقب الغيم ، غارقا في نجوى تعرفها السماء جيدا .. متأثرا بما أخبرتني به أمي صار في عهدي أن الألم غريزة يالغرابة الوصف .
قبل أن أدير ظهري ، اترك حزنا لافائدة فيه .
و تكمل أمي بحنو عجيب :
يا ولدي فألتفت إليها في انحناءة لطيفة خففت ألما لم أنس طعمه .
نعم يا أمي.
انتبه للطريق ، جراحك لم تبرأ ، دمك مازال ينزف دافئا منذ أتيت للحياة !
بنبرة واثق لم يستوعب قلق أم ، لا تخافي ، لا تخافي !
بتحسر _ وكيف لا أخاف؟!
إلهي ، من الأبناء تأتي الأفراح و الأحزان!
كانت متعبة من كونها حملت في قلبها خوفا مضنيا عليه ، لم تعد تستطعم بسببه شيئا ، حتى تساوى كل شيء عندها و العدم ، كانت وزارة الصحة قررت تطعيما في بدأ العام الدراسي ، بوجهها الكالح حقنته الممرضة بالخطأ دونما اهتمام ، فتسببت في تجمع صديدي بذراعه الأيمن ، مصحوبا بارتفاع في الحرارة ، و ارتعاشة في الأطراف .. فلجأت بقلب واجف إلى الطبيب ذاك اليوم و الذي بدا كالمخبر السري الذي يقف في زواية مظلمة يطالع الوجوه ، يتحفز لقبض الرقاب .. لكنه اكتفى بعد إجراء الفحص أن يوجه لومه لي : لا يجهد نفسك يا صغيري في الخطو و اللعب .. آه آه يا ولدي تخرج من جوف أمه تملأ الأرجاء !
هل تحققت هواجسها ؟ لكنها تغالبها باصرار عجيب ..تقول للطبيب بصوت منكسر النبر :
إثبات الجرم ليس سهلا ، لا وقت لدينا للبحث عن يقين ، وسط ركام من الإحباط ، لا تصدق مدعيا ؛ فلاشيء يعود على حاله .. سنتنازل عن الجريمة كي تقبلنا الحياة ، و تتراكم داخلنا الخيبات ، حتى نظنها نضجا ، نحن في حقيقة الأمر حمقى لا نشعر حماقتنا !
آه لو تعلم - ياصغيري - الالتياع الذي يسببه لي ألمك الآن ! تحملق في سقف حجرتها المغطأة بعبق الأدخنة ، تكاد تطبق على صدرها ، و تغادر ، متكفية بالدموع ، فليس الفرح وحده ما يغيرنا ، بل الألم كذلك .. قلها أنت يا صغيري !



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى