محسن الطوخي - استمتع بالكابوس

حكى لي اثنان من معارفي في الفترة الأخيرة عن معاناتهما من الكوابيس. لذلك رأيت أن استعرض ذكرياتي عن كابوس قديم من سبعينيات القرن الماضي. كنت وقتها قد تخطيت بالكاد العشرين من عمري، كنت مستبعدا من الكلية الجوية لأسباب فنية بعد مايقرب من العام، تدربت فيه على طائرة تدريب مروحية تسمى " الجمهورية " . كنت محبطا بالطبع، وحزينا، وعانيت أكثر ماعانيت من عدم قدرتي على إظهار معالم الإحباط والحزن لأهلي وأصدقائي. فكنت أبدوا أمامهم صلبا، ومتجاوزا للأزمة، كأن شيئا لم يقع. أيقظتني أمي رحمها الله في ليلة من الليالي، وجدتها تهزني وتقول: مالك.. باين عليه كابوس.
أفقت، وطمأنتها، فانصرفت بعد أن ربتت علي.
كانت تلك الليلة الثالثة على عودتي المهينة مبعدا، أو لأسمي الأمر بالمسمى الحقيقي، مفصولا من الكلية. وكنت قبل أن توقظني أهوي من حالق، أسقط سقوطا حرا بلا مظلة، لا زلت حتى الآن أتذكر آيات الرعب التي شملتني يوما بعد يوم وانا أسقط، وأبحث عن مقبض الباراشوت فلا أجده، ولا أجد البارشوت نفسه، فقد دأب هذا الكابوس على زيارتي يوما بعد يوم. لكنني بالتدريج بدأت أعي بشكل غامض أنني في حلم نوم. وأن ما أمر به ليس حقيقيا. فانتقلت إلى محاولة إيقاظ نفسي بدلا من البحث عن المظلة، ولم أكن أنجح بالطبع في الخروج من حالة الكابوس، لكنني بدأت أنتبه إلى أنني لا أصل إلى الأرض أبدا، ففي النهاية استيقظ بطريقة طبيعية قبل لحظة الارتطام.
كان هذا الاكتشاف بمثابة نقطة تحول، فبدلا من الهلع والرعب صرت أتأمل حالة السقوط، وأنتشي بها، تحول الأمر إلى مايشبه لعبة أمارسها حال النوم.
ثم راحت النوبات تتباعد، فبدلا من الزيارات اليومية، صار يأتيني على فترات، حتى نسيته، أو نساني.
وانا الآن بعد مرور خمسين عاما على هذه الأحداث، أدرك بوضوح أن هذا الكابوس لم يكن ليجد طريقه إلي لو أني شاركت الآخرين أحزاني، لو كنت بكيت على صدر أمي. أو أظهرت ألمي لصديق، وكنت محاطا بالكثيرين منهم.
العبرة المستخلصة هي أن على الإنسان ألا ينطوي على ألمه. مشاركة الألم لا تنتقص من قيمة الشخص، إنما تؤكد إنسانيته، وتقيه من غائلة القهر النفسي.
لكن هناك على الدوام شخص سوف يجد حائلا نفسيا يعوقه عن مشاركة الآخرين آلامه، وأحزانه. لهذا الشخص أقول: صادق الكابوس، واستمتع به، يهجرك.



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى