عبد الزهرة خالد - النظر إلى الأرض.. قصة قصيرة

ما الذي سيقدم عليه هذه المرة ، وقد انبجست من خواصر الصبر خرافة القصيد أو السرد العتيد . وهل تخمد كلماتُ المقالة اللهيبَ المنبثق من قلبٍ جريح . هو وقميصه متلازمان ويؤسسان شقوق الازرار ليثبت الستار وراء قضبان الاختباء . تتدحرجُ كراتُ الضجيج من قممِ الصمتِ ، وتتجمع الآهات كلما ازدادت شدة الانحدار نحو سفح الدهشة . الدموعُ الراكدة بعيون الاوز هي التي تحرك أجنحة التفكير بالتحليق حول بركة النعاس تفرز العتمة من ذبالة الاحتراق ، أنهار من سهر يسقي ذلك الحقل المحاط بكثبان التعصب وأدغال المجهول وظلال الوسواس يخدم أقدامَ القدوم ، كان يتعدى على أشباحٍ بلونِ السواد تتمثل بعباءة الحياءِ أو بعباءة الأنوثةِ التي تعودت على السلام من بعيد جراء رفعها من ضفائر بمسافة كفٍّ أبيض بينما الفؤاد يراقب الخط المرسوم على سكة الغاية .
لم يدرك مفعول الخطبة التي سمعها كانت نزلت إليه من منبر خشبي ملفوف بقطعة قماش حزينة ، فكل الأديان والمذاهب تتسابق بسباق الماراثون إلى الله ، دون النظر إلى العاقبة التي ينشدها الدعاة ويحفظ سورة الفاتحة عند الدعاء وسورة الإخلاص عند الضنك ساعة العاطفة تنزع المراهقة من الروح .
دعته أمه إلى التمعن في طولها ومشيتها وجهها الذي يتوارى مع وهج النهار ، شاطرها الرأي ، واذ استسقى لنفسه الجرأة فانفجرت من جبته اثنتا عشرةَ عينا من الخجل، وارتعش جسده الهزيل لم يكن من الفاسدين ولا هو من أصحاب القرار الثابت .أراد أن يبتعد عن غضب الله حينما استل قدمه اليمنى في الطريق المؤدي إلى مدرستها القريبة من مركز الشرطة التي تتابع المتسكعين من الشباب أثناء عودة الطالبات بعد آذان الظهر .وابتلى بصره في حافة الرصيف مبرقعة الألوان بين الأسود والأبيض من ألوان مديرية المرور وللنظرِ شواذٌ لحظة استجابة دعوة الأم.
لم يرَ غير لوحة سواد تتخطى مداه بهدوء إلى دوامٍ مفعمٍ بالعلم والرياضة وكركرة الفتيات الزكية .تذكرَ ، في هذا الطريق المكتظ بمنبهات العجلات وأجراس الدراجات ، الشارع الخلفي للمكتبة المركزية ذات ليلةٍ عندما استوقفته امرأة توبخه بصوت تسمعه أبوابُ الدورِ الموصودة بوجهِ الغرباءِ قالت له بنبرة استعلاء:
كل ليلةٍ يقفُ نصفي بين الباب والجدار، بينما انت تمرّ، ولم تلق التحية ولو بنظرة ، يا لغباء قلبك ولغباء عينيكَ . أجابها ببرود منْ أنتِ "يا خالة" ..
قالت ( خلخالة بقلبك ) وانصرفت .
ألحت عليه أمه صباح يوم التالي ، وهددته بالذهاب وحدها وتعقد العزم والإصرار على النسب وتحقيق المصاهرة . اليتم الذي علّمهُ الوحدانية والدلال علّمهُ الوجدانية والوحدة علمته الانفراد بالأمومة ودفء الشتاء وبرودة الصيف ، النسوان بالنسبة له شلال يهبط منها الرذاذ الذي ينعش الجسد ، الخرير الذي يبحث عن انحدار الضلوع ، هي قسمة ربّما عادلة أو ضيزى ، المهم رضا الأم من رضى السماء ، رافقها تلك الليلة الباردة وضاعت على الأريكة تسمية الارتعاش ، مقابلة المطلوب كمقابلة القبول في الدراسات العليا عليه إجابة الاسئلة الموجهة إلا أن القضية معكوسة ، المطلوب منه أن يطرح اسئلته الصعبة وعليها الإجابة فورا كي تنال الدرجة المقبولة أو على الأقل الإيماءة تعني كثير من التفاسير كانت أسئلته بسيطة جدا ربّما تكون الحصيلة ضربة حظ كركلة الجزاء في الوقت الضائع فالإجابة بـ ( نعم أو لا ) تحتاج الى نتف الأهداب مثل ما فعلها في الدراسة عند حيرة الجواب .
لم تنته بعد تلك الليلة المكسوة برشقات المطر الباهتة وقد مزقتها الرياح الشمالية الغربية لو أعلنتها قبل يوم القناة الوحيدة في البلاد ، قبل أن تغطيه بلحافه المائل إلى السمرة كسمرة بشرة عامل البناء قال لها : ( يوم ) يعني -أمّي - سامحيني لم أركز على تفاصيل وجهها سمراء بيضاء شقراء حنطاوية جميلة متوسطة الجمال والله لا أعرف كيف أوصفها لأصدقائي
. قالت له أسكت ، فأنه من المعيب عليك .. ماذا نقول إلى أهلها ..
لم تكن الليلة صعبةً - بعدما وضع خاتم الخطوبة في الكف اليمنى -في كتابة رسالة من ورق دفتر ملاحظاته ، يرسم علامات حبّه العميق رغم أنّه لا يعرف مدى دقات قلبها ، كانت الجملة في نهاية الرسالة وصية لها بأن تحتفظ برسائله كي يتلوها بتروٍ بعد الزواج ولتصبح من الذكريات التي تثير السخرية عند النضوج ولو أنها اعتذرت له - فيما بعد - بفقدان الرسالة الأولى حيث طلبتها صديقتها لقراءتها وحفظها عن ظهر الغيب ولم تعرف ما الغاية من ذلك ، تذكر المثل القائل بما معناه الغبي من يعيد الكتاب الذي استعاره والاغبى من أعار الكتاب .
جعجعة السنين في باله طحين أسمر لا ينضج إلا بتنورٍ ومن يسجر التنور عليه أن يروي النار بالخشب . تذكر الشارع المؤدي إلى دائرته في تلك المدينة الحدودية التي تفصلها عن الجارة قوات الأمم المتحدة ، على شمال الطريق صباح كلّ يوم تسير المعلمات وموظفات منهن ترتدي عباءة ومنهن تنثر شعرها على أكتاف الفستان . حاسة شمه قوية تحسسه نوع العطر الذي يسير خلف تلك وتلك ، يعلم أن لو يسأله أحد عن اسم المعلمة أو الموظفة حتما أنّه يجهل حتى وجهها ..
هو الذي لا يعرف كيف نما طبعه مع عظامه وكلما أشتدت عليه العادة والتطبع تذكر أنّه يسير دائما وعيناه تحدق في الأرض ولم يكترث يوما بما يعثر عليه .
غالبا ما يعتذر ابنه لأصحابه حيث لا يركز أبوه الاهتمام على الغادي والبادي ، على عكس ابنته التي تعاتبه على عثراته المتعددة في المطبخ وصالة الجلوس فهو الكاسر الوحيد للأقداح والمواعين في البيت المعمور .




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى