شاكر لعيبي - ماهو الفن الهابط (الكيتش)؟

هل رأيتم تلك اللوحة التي تباع في أسواق العالم العربي ( للطفل دامع العينين)، هل رأيتم تلك الساعة المنضدية التي تحوي على قبة ومئذنتين، هل رأيتم مصغّرات (التماثيل) البلاستيكية للحيوانات ذات الصناعة الآسيوية، هل شاهدتم ذلك النصب البرونزيّ الضخم في بلدٍ خليجي لجزوة القهوة، هل شاهدتم تلك البطاقات البريدية المغرفة بميوعتها العاطفية، هل تتبعتم (الزرق ورق) الذي تُزيَّن به السيارات في الهند وباكستان وعندنا أيضاً (دك النجف)، هل رأيتم تلك الأعمال التي يعلقها سائقو التكسيات أمامهم، تلك القوارير المنزلية والمخاد المزوَّقة دون رفعة،.... الخ، كل هذا يندرج جمالياً وتشكيلياً بما نترجمه بالفن الهابط أو المبتذل. والمفردة الأصلية هي كيتش (kitsch أو kitch) ذات الأصل الألماني التي أصبحت مصطلحاً عالمياً. تقيّم المفردة نقدياً، في منتوج ثقافي ما، التراكم والاستخدام لا متجانس السمات الفنية، أو التي تُعتبر قليلة الشأن، أو التي عفا عليها الزمن، أو تصف سماته الشعبية. استخدام المفردة ينطوي بالضرورة، للأسف، على حكم قيمة، وبها توصيف سلبيّ مُضْمَر للمعايير التي تحكمه. لعل الدراسة الأساسية المكتوبة عن هذا الفن تلك التي كتبها هانز راينمان بالألمانية "كتاب الكيتش" ودرسه فيها من الناحية النفسية، في فن التصوير خاصةً.
الغريب أن كلمة (كجّة) العراقية تطابق اصطلاحياً (الكيتش) لسبب ما زلتُ أجهله.
دخل مصطلح "الفن الهابط" تاريخ الفن عن طريق الصدفة نحو العام 1860، ويقدّم اشتقاقاً غير أكيد. هناك ثلاث فرضيات لتفسير مصدره. تُربط في بعض الأحيان أصول كلمة "الفن الهابط" بالفعل الألماني verkitschen الذي تعني "بيع"، تصفية سلعة": بيعت بأقل من السعر الملائم، أو "بيع شيء ما بدلاً عن شيء آخر مطلوب." أحيانا يقال إن أصله يقع في الفعل الألماني kitschenالذي يعني "التقاط الفضلات من الشارع." وأخيراً، يرى البعض في الكلمة الإنجليزية sketch وقد لفظت على الطريقة الألمانية أصلاً ممكنا لكلمة "الفن الهابط".
ظهر المفهوم نحو الأعوام 1860-1870، في بافاريا، عبر نمطية أسلوب لويس الثاني. ويرتبط ارتباطاً وثيقاً بفكرة المزيَّف والمثقل بالتفاصيل وبالذوق السيئ. وكان يشير في البداية إلى "المنتوج الصناعي للأشياء الرخيصة"، ولم يكن بالإمكان فصله عن صناعة الاستهلاك الجماهيريّ. يقوم الفن الهابط بقديم تزيين سطحيّ، ويستنسخ غالباً الأعمال المُعترَف بها كأعمال كلاسيكية. لذا فإن الفن الهابط هو جوهرياً نتاج تغيّر اجتماعيّ وتاريخيّ. ويخرج من فترتين محددتين (وهنا ألخّص للفائدة بعض قراءاتي):
قاد المرحلة الأولى من الفن الهابط، في منتصف التصنيع التاسع عشر، التصنيع والمدينية في أوروبا وأمريكا الشمالية التي أنتجت طبقة وسطى جديدة. فالعمال المكتفون سابقا بالفن الريفيّ والتقليديّ، صار بإمكانهم الآن الحصول على منتجات ثقافية مستحدثة. كانت الطبقات الوسطى الجديدة تسعى للترفيه بالوسائل المناسبة لها التي يسميها غرينبرغ "الثقافة المستبدلَةالمخصَّصة لسكان غير حسّاسين للقيم الثقافية الأصيلة، النهمين رغم ذلك للترفيه الذي يمكن أن تقدّمه الثقافة وحدها تحت شكل من أشكالها". سمح الترفيه للطبقات المتوسطة الجديدة، من بين أخريات، بتطوير ذوق يميل إلى أعمال رخيصة تقلّد الفن التقليدي الراسخ.
في منتصف القرن العشرين، تطورت المرحلة الثانية من الفن الهابط، ليصبح هدفا مفضلاً للانتقادات الموجّهة لمفهوم الثقافة الجماهيرية. فقد استخدم المثقفون اليساريون الفن الهابط لإدانة ثقافة المجتمع الاستهلاكيّ المتنامي. هذا المرة لم يُنقد الفن الهابط الجديد لأنه يؤدي إلى تآكل ثقافة النخب المحترَمة، بل أدين بالأحرى لأنه صار الأداة المفضّلة للتلاعب بالقطاعات العريضة من البشر.
بالتوازي مع العولمة التدريجية للأسواق والمنتجات المتداوَلة، أصبح الفن الهابط تلقائياً من الأساليب الأكثر انتشاراً في العالم من خلال عمليات الاستهلاك المعروفة. يقف المصطلح (كيتش) بين التحقير والعاطفية المائعة (أي الذوق "السيئ" المفترَض).
اليوم يمكن القول إن الاتجاهات الجمالية ما بعد الحداثية قد أعادت إلى حد كبير تثمين مفهوم الفن الهابط على أساس نظري طالما وقع السجال معها تشكيلياً بشأنه.
أعلى