عبدالله البقالي - السير على الجثث

لا تجد الكلمات طريقها إلى حلقه. و حين يستدعيها بإصرار، يشعر أنها ذات حواف مسننة ، ترسم مجرى داميا يزيده ألما. كما تتتابع الأفكار عبر شريط متقطع يتوالى بعسر شديد، و كأنه يشفق على حاله حين سيرى بعينيه في النهاية موت آخر أحلامه.
لن تجده هذه المرة. و هي على الأرجح ما عادت في حاجة إلى هذا الوجود الذي صار مثل علامة سير استنفذت مهمتها بعد أن تم تجاوزها. ولذا صار وجوده مجرد مساحة شاحبة تقلص امتداد الحياة اليانعة التي تعشقها بلا حدود. كما أنها صارت من زمان تنفر من سجالاته التي هي مجرد زوابع تعكر صفو الطقوس الجميلة.
هي تريد الانطلاق حيث تتحدى الآفاق الحدود. تريد أن تشهد العالم بما لديها. تحصد الثناء و الشهادات. ترتوي من عبارات الإعجاب التي ماعادت تريد سماع غيرها. تريد أن ترتقي في السماوات لتنازع النجوم توهجها، و تضاهي ضياء الأقمار. و أن تكون دون سواها من تتركز عليها الأعين و تتحدث عنها الألسن وتنسج حولها الحكايات.
هو لم يرد أن يتخيلها حطاما. كان يراها الامتداد الذي يحفظ الحياة بعد حلقته. الربيع الذي يزهر على مهل، لكنه طويل العمر يسمح بتجدد الحياة، وتنكسر موجات القحط على أبوابه. و يبعث للأزل رسلا، و للخلود أسرارا، و للآدميين رسالة في كون الجواد الذي يجهده فارسه، ينهار دائما على مشارف نهاية السباقات.
ينظر خلفه. يرى تاريخا هائلا يتوارى. تاريخا مؤثثا بالانتظارات والتطلع و الحزن الغارق في محاورة الفرح. و النجاح المتحدي للإحباط. و الآمال المنفلتة من رحم الانكسارات.
يفتح رجليه وهو يعي تماما أنه يمشي على جثة، لكن دون أن يهتم بمعرفة ما إن كانت تلك جثته أم جثة التاريخ الذي أبنه قبل حين.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى