توفيق الحكيم - مؤتمر الحب

كانوا أربعة حول مائدة /قهوة / على شاطئ النيل
ينظرون الى غروب الشمس صامتين ... و يتأملون كالحالمين أشعتها الشاحبة تلون بحمرة خفيفة قلاع المراكب البيضاء , كما كان الحياء فيما مضى يلون وجه العذراء ...
هؤلاء الأربعة هم : صحفي و شاعر و موسيقي وامرأة , كل شي ينم فيهم ان المرأة معبودتهم , لكنهم يكتمون ,أما هي فلم تظهر بعد الي أي منهم مالت ,,, و لا ايهم اختارت
طال صمتهم حتى ضجر أحدهم , فصفق بيديه و صاح :
أفيقوا و افتحوا لنا زجاجة شمبانيا
قالها الموسيقي على عجل فقاطعه الشاعر
_ بل موضوعا نتحدث به
فقال الصحفي :
في السياسة طبعا
_ اعوذ بالله انني اقابل هذا الاقتراح بالرفض , اتريد ان يكون لنا في مجلسنا هذا حق ( الفيتو )
فدخل الشاعر حسما للنزاع :
_ اذا اردتم الانصاف فاني اقترح عليكم ان يكون الموضوع يهمنا جميعا ... ابحثوا عن موضوع يهم الجميع
_ الحب ....؟؟
خرج اللفظ من افواه الرجال , كما تخرج كلمة امين من افواه المصلين
و مضت المرأة تقول :
انه بالتأكيد يهمكم اجمعين ... انه يهم الصحفي , و هل تستطيع ايها الصحفي ان تنكر ان اعجب خبر نشر في القرن العشرين هو حب ملك الانجليز ل ( ليدي سمبسون ) و نزوله عن العرش الضخم لأجل الحب ؟؟
و انت أيها الشاعر هل تستطيع نكران ان الحب هو الذي اشعل حرب طروادة و ألهم هوميروس < الالياذة> اخلد شعر على مر الدهر ...
و انت ايها الموسيقي هل تنكر ان المزمار مذ وجد و القيثارة مذ صنعت .. هل لهما أهداف سوى التعبير عن الحب ؟؟
فقال الجميع بصوت واحد ... صحيح
و سكتت المراة سكوت المنتصر الذي اعتاد الظفر
لكن الرجال الثلاثة ما لبثوا أن التفتوا اليها و سألوها بلسان واحد
و انت ؟؟
انا ؟؟
و بدت الحيرة في وجهها قليلا ... أمجانين هم ؟؟.اتسال المراة عن امر بالنسبة اليها البداهة عينها
لكنها تماسكت و تصنعت و مثلت , و هي بالسليقة خير ممثلة و قالت :
_ الحب ؟؟
لست ادري ما هو أيها الصحفي و انت أيها الموسيقي و ثم انت ايها الشاعر
أخبروني ما هو الحب
و من استطاع منكم اقناعي فاز بقلبي
و غرقت في مقعدها و أسندت راسها الى كتفها
و تأهبت للاستماع الى الرجال الثلاثة و هم يتبارون امامها النيل الجائزة الكبرى
تنحنح الصحفي و هرش براسه قائلا :
اللهم اجعل قلبها من نصيبي
تريدين أن تعرفي ما هو الحب .. الحب هو خبر يستقى من القلب و يسال في العقل فيكذبه لكن القلب يؤمن به و يجازف باعلانه ...
متحملا وحدة مسؤولية النشر
فقال الموسيقي :
بل الحب لحن يعزف على أوتار القلب و كلما قطع العقل منه وترا زاد اللحن طربا
و قال الشاعر :
انما الحب قصيدة تنفجر من القلب معانيها و تخبو روعتها اذا وضع العقل اوزانها ....
فقالت المرأة ..
اني لم اسألكم تعاريف ... انما اريد تجارب
قولوا لي ماذا يحس كل منكم اذا اخترته حبيبا لقلبي
قولو لي ماذا يحس كل منكم ان اخترته حبيباً؟؟
أنت أيها الصحفي بماذا تشعر؟؟
فقال الصحفي :
أشعر انني أغار عليك من هذه الشمس الغاربة... لو لمست أشعتها خديك.. خشية ان تخطف و هي ذاهبة شيئا منك، و لن أسمح بإبتسامة منك تلقى الى هذين الصديقين، بل اللصين...
إنهما سينقلبان في نظري نشالين يتربصان بلؤلؤة من لآلئ بسماتك و كلماتك و نظراتك .... لن أدع مخلوقاٰ يأمل في ذرة من فتات مائدتك الحافلة بالسحر و الفتنة..
كل الرجال يصبحون في عيني قطاع طرق اذا اقتربو من كتوزك
قالت المرأة باسمة :
و ما بالك الآن هادئاً لا تحرص و لا تغار؟؟
أحرص و أغار الآن على ماذا؟؟
ان عطفك علينا الساعة نحن الثلاثة طيف... لكنه لا يدفعني الى شيئ..
و أين ذلك الذي يحرص دون الباقين على ان يسور قطعة أرض بالمشاع مع آخرين؟؟
إذا ملكت أنا وحدي حرصت و غرت و سورت ....
-الملكية إذن هي أساس الحب عندك..
قالتها و التفتت الى الشاعر
-و أنت ما شعورك لو آثرت بحبي ؟
-قال الشاعر :
أحس أنك قد طلعت من مشرق قلبي لتحلى بها الدنيا محل تلك الشمس الغاربة.. أحس أنك ضياء حياتي و ضياء كل الكائنات....
أشعة عينيك دفء لي و لكل المخلوقات
سأدرك ان جمالك لم يخلق لسعادتي وحدي... و انك كهذه الشمس اكبر من أن تملكها يداي بمفردي... و انما انت نعمة للناس، و لن أغار ام ارسلت نسماتك كالاشعة تملأ القلوب نوراً و رحمة و سلاماً...
سأسير الى جانبك مزهواً فخوراً كلما رمقتك العيون...
َ لاني سأعرف ان الجماهير قد رأت فيك ما أرى، و أعجبت بما أعجب و آمنت بما أؤمن، ان آية الله في حسنك يجب أن تبلغ ل للناس كافة..، ما أنت الا كتاب مقدس لم ينزل لأتلوه وحدي دون البشر.
- الشيوعية اذن هي أساس الحب عندك!!
و إلتفتت الى الموسيقي
-أشعر ان شمس الفن قد أشرقت في قلبي و لن يكون لها بعد اليوم غروب...
فان الألحان الذي ستخرج من وحيك لن يسمع مثلها بشر...
ان قيثارة اورفيوس التي قاد بها الضواري و الأنعام لن تلحق بقيثارتي التي سأخلب بها العقول و أستلب الافهام....
لن تعرفي موتاً أبدا أيتها المرأة..
لأن الخلود هو هديتي إليك...
أنغامي تهبط من إلهامك كما يهبط الندى من صميم الفجر :
ستبقى أبد الدهر ترددها الأفواه بعد الأفواه....
-الفن إذن هو أساس الحب عندك؟
و أطرقت في شبه يأس و طال إطراقها
و إستعجلها الجميع في صبر نافد
-تكلمي و احكمي و إنتخبي من بيننا
فقالت :
لا اريد رجلا يحب الامتلاك أكثر مني، و لا أحب رجلا يعبد ذاتي أكثر من ذاته...
و لا أبغى رجلاً يهيم بفنه أكثر من شخصي
و أشاحت بوجهها عن الثلاثة، و طفقت ترسل بصرها الى الشفق الاحمر المراق على مصرع الشمس عند الأفق...
و خيم صمت قطعه الصحفي قائلاً
أرأيتم؟؟
أما كان خيراً لنا أن نتحدث في السياسة؟؟
فوافق الموسيقي بهزه رأسه
و لكن الشاعر قال :
و هل تحسبوننا خرجنا عن السياسة؟؟
يا للمرأة..
انها مثل الدنيا...
لا يدري الانسان كيف تفهم، و لا كيف تحكم..
تضاربت فيها المذاهب و تناقضت النظريات من رأسمالية الى شيوعية الى فنية الخخ...
فما اهتدى احد الى مفتاحها....
و لا وفق الى فك عقدها و معضلاتها..
و لا الى فتح مغاليقها و لا إلى حل رموزها و أسرارها...
فعادت المرأة. اليهم بوجهها قائلة :
-لأنها أبسط من ذلك كله لو تعلمون
أعلى