أمل الكردفاني - الترياق.. قصة قصيرة

حياة غبية جداً..أن تفكر منذ أن تستيقظ في الصباح في "بماذا سأفطر؟" ثم "بماذا سأتغدى؟" وبماذا ساتعشى؟ ربات البيوت يفهمن ما أقول وكذلك الرجال العازبون.. لذلك كعالم فيزيائي وكيميائي وأحيائي، أنفقت عمري في البحث عن حل لهذه المشكلة. لكنني لم أتوصل فقط لحل لها بل لحل لمشكلة الجوع في العالم بأسره. وخفضت من كل تكاليف استيراد الدول للأطعمة المتنوعة، لقد اخترعت ترياقاً يجعلنا كائنات برسيمية. نعم يا سادة. كائنات تأكل البرسيم فقط. تشتهي البرسيم بدلاً عن اللحوم والدجاج والسلطات وخلافه. وقد تبنت الحكومات كلها اختراعي، وتحولت البشرية لأكل البرسيم. ظهر التمييز الطبقي في الطعام، فهناك ثلاثمائة نوع من البرسيم. يأكل البرجوازيون أفضلها، وياكل الفقراء أسوأ انواع البرسيم. وقد تخصصت الصين في زراعة البرسيم الرديئ، واستولت على سوق دول العالم الفقيرة. لم تقبل أمريكا بذلك الاحتكار الصيني، كما لم ترغب في التنازل وزراعة برسيم من النوع الرديئ الرخيص، لذلك بدأت حرباً بايولوجية، وظهر لأول مرة فيروس "جنون البرسيم". غير أن الصين، توصلت بعد شهر من ذلك لمصل يقي من الفيروس. واسقط الأمر في يد أمريكا التي باتت تنادي بتحرير البرسيم. وبما أن روسيا تنتج قرابة سبعين في المائة من أفضل أنواع البرسيم. فقد تحسن وضعها الاقتصادي، وبدأت في إنتاج النفط البرسيمي، وهكذا بدأت دول الخليج ترتبك من منافسها الجديد. ولأن مصالحها مع أمريكا مشتركة، كما أن أوروبا أصبحت معتمدة بالكامل على البرسيم الروسي، فقد نشأ تحالف البرسيم الدولي، ضد دول المحور البرسيمي. بعض الدول التي يقودها حكام أغبياء انضمت لدول المحور الصين وروسيا وبعض دول آسيا وأوروبا الشرقية. وهكذا حدث توتر شديد في السلم والأمن الدوليين. انعقد مجلس الأمن في محاولة أخيرة منه لمنع الحرب وتقرر قيام مؤتمر البرسيم الدولي في طوكيو، غير أن كل مجموعة كانت تحاول استغلال نفوذها في الأمم المتحدة لفرض شروطها. فشلت الجولات الأولى من مؤتمر طوكيو للبرسيم الدولي، ثم بعد عشر جولات صدرت إتفاقية طوكيو الدولية للبرسيم. والتي انتصرت فيها دول التحالف على دول المحور، وفرضت نسبة محددة يجوز للدول المنهزمة زراعتها من البرسيم. احست دول المحور بالامتعاض من الإتفاقية، وفي المقابل، أطلقت دول التحالف نشطاءها الحقوقيين في جميع دول العالم للمناداة بتحرير البرسيم. وهكذا رفعوا التقارير لمكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بالإنتهاكات واسعة النطاق لحرية البرسيم، وتقارير لهيومان رايتس ووتش، والمجلس الأوروبي لحقوق الإنسان، وهكذا ازداد الضغط على دول المحور، مما أربكهم، فقررت الصين أن مسألة البرسيم تتعلق بسيادتها الداخلية و(لن) تقبل بأي تدخل خارجي فيها. فعلا صراخ دول التحالف حول تحرير البرسيم كأحد أهم حقوق الإنسان. وقامت المعارضة في الدول النامية بالإنضمام لدول التحالف في نداءاتها ضد انتهاكات حكوماتهم لتحرير البرسيم. ونتيجة لذلك التوتر العظيم، بدأت الحرب البرسيمية الباردة الثانية. وظهرت في الفضائيات، قصص انتهاكات تحرير البرسيم. فمثلاً إحدى الصبيات الشقراوات الجميلات الروسيات كانت تربي تيساً أبيضاً مات من الجوع بسبب انتهاكات روسيا لتحرير البرسيم. وبكت الصبية الشقراء، وبكى العالم مع دموعها البيضاء المنسكبة من عدساتها الزرقاء. وكان لا بد لأمريكا ودول التحالف من القيام بمزيد من الضغط على روسيا، وهكذا أوقعت أمريكا وأوروبا عقوبات إقتصادية على روسيا. وغضبت روسيا وأعلنت أن هذه العقوبات لا مبرر لها وأن روسيا سوف تتجاوز الأزمة. الصين بدورها تعرضت لعقوبات قاسية، لكنها تمكنت من التغلغل في الدول الفقيرة، وكان ذلك ما يحميها من الحصار الاقتصادي الأنجلو امريكي. وكان على أمريكا استخدام أسلوب ضغط أكبر، فحركت بارجاتها وحاملات الطائرات حول البحار، ونصَّبَت قباباً حديدية من مضادات الصواريخ الحاملة للرؤوس النووية في كوريا الجنوبية واليابان وتايوان. مما أثار حفيظة الصين، وأعلنت أنها ستوف لن تتوانى عن الدفاع عن نفسها ضد أي عدوان امريكي.
أثناء ذلك، وكعالم فيزيائي وكيميائي وأحيائي، لاحظت أن ميولي لأكل البرسيم قد بدأت تقل. أدركت أن ترياق البرسيم يفقد تأثيره بمضي الزمن. وبالفعل، لاحظت شعوب العالم أنها بدأت تفقد رغبتها في أكل البرسيم. أصابني ذلك بالجنون، فكل جهدي قد ضاع هباء. خسرت دول المحور ودول التحالف ترليونات الدولارات بسبب تعرض برسيمها للركود. فصدر قرار بالإجماع من مجلس الأمن باعتباري إرهابياً مطلوباً حياً أو ميتاً. لم يكن أمامي من مهرب، سوى الغابات. وهكذا تسربت من المدينة إلى الأدغال الأفريقية البعيدة، لأفاجأ وأنا ادخلها بضجيج شديد، أصوات صياح الحيوانات تحيط بي، صهيل وثغاء، وضربات الحوافر على الأرض. ثم ظهرت كل تلك الحيوانات البرسيمية وهي تحيط بي، آلاف من الغزلان والخراف والخيول والبغال والأبقار والثيران وغيرهم، يتحلقون حولي في دائرة، وأعينهم تشع بالسرور. ثم تقدمت نحوي بقرة عجوز وقالت:
- بعد سنوات الجوع، أدى فشل ترياقك في الوقت المناسب إلى تكدس البرسيم حول العالم بملايين الأطنان. لقد شبعنا من أكل البرسيم ونريدك أن تصنع لنا ترياقاً يجعلنا نجرب أكل أطعمة أخرى، هذا أو ننقض عليك جميعا ونبقر بطنك ونحطم عظامك.
قلت بسعادة:
لا عليكم أيتها الحيوانات اللطيفة.. سوف أصنع لكم ترياقاً لتجربوا أحلى طعام في العالم..
وهكذا وكعالم فيزيائي وكيميائي وأحيائي، رفعت امام عينيَّ أول قنينة صغيرة بها ترياق يجعل طعام الحيوانات العاشبة الأوحد هو لحم الإنسان.

(تمت)

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى