محمود شقير - رصاصة واحدة..

يورام تخفّى كما لو أنّه أحد المستعربين. بدا في ملابسه المنتقاة كأنّه مقدسيّ ممّن يعملون في تجارة الأجواخ. مشى نحو باب العامود، وهو يتوقّع أن يعثر على فرقة الخيّالة. وكان اتفق مع قوّة من الشرطة بأن تبقى على أهبة الاستعداد، في انتظار مكالمة من هاتفه النقّال، لتأتي إليه في الحال لتصفية الفرقة برصاص البنادق السريعة الطلقات.
يورام فوجئ وهو يرى المدينة تتطاول نحو السماء. تذكّر وهو في غمرة انفعال، أنّها دُمّرت سبع عشرة مرة، ثم أعيد بناؤها بعد كلّ مرّة. الآن تنهض المدينة بكلّ ماضيها من جديد. وسيكون على يورام أن يتولّى أمر ثماني عشرة مدينة في مدينة.
يورام هالته المهمّة الموكولة إليه. بدت المدينة مثل مبنى بالغ الضخامة بطوابقه الثمانية عشر، الصاعدة نحو السماء. يورام رأى شعوباً وأصنافاً من الخلق وتجّاراً ووكلاء شركات وسماسرة ومضاربين ورجال دين وعلماء ومفكّرين ونسّاكاً ومهرّبين وحشّاشين ولصوصاً ونساء بمختلف الأزياء، وجيوشاً تخرج من أبواب المدينة وأخرى تدخل إلى قلبها، وعلى أبوابها حرّاس.
يورام أدرك أنّه غير مؤهّل لضبط الأمن في مدينة مثل هذه (قيل فيما بعد إنّ علاقته مع زوجته كانت سيّئة جدّاً في الآونة الأخيرة، وأنا عرفت ذلك من نشرات الأخبار). وهو في قمّة بؤسه النفسي، استلّ مسدسه من تحت زيّه المقدسي، وأطلق النار على نفسه. اكتفى برصاصة واحدة سقط بعدها على الرصيف، والمدينة واصلت حياتها ولم تطلق على نفسها الرصاص.

محمود شقير

* من: "القدس وحدها هناك"/ دار نوفل، بيروت 2010




أعلى