جاك داريدا - الترحال الفلسفي نيتشه - كهف زارادشت.. ترجمة: عبد الوهاب البراهمي

قد يكون اسم نيتشه بالنسبة إلينا اليوم نحن في الغرب، الاسم الوحيد ( ربما على نحو آخر مع كيرجارد، وربما أيضا مع فرويد )الذي كتب في الفلسفة والحياة والعلم وفلسفة الحياة مع اسمها وباسمها. وربّما كان الوحيد الذي استخدم في ذلك اسمه، - أسمائه- وسيرته الذاتية. تقريبا مع كلّ ما يحتمله ذلك من مخاطر: "عليه " و"عليها"، على حياته، وأسمائه ومستقبلها، المستقبل السياسي بالأخصّ لما تركه للإمضاء.
كيف لا نأخذ ذلك بعين الاعتبار حينما نقرأه ؟ إنّنا لا نقرأ إلاّ لنأخذه بعين الاعتبار. أن يَسْتَخدم اسمه ( مع كلّ ما يعنيه ذلك من التزام لا يردّ إلى مجرّد أنا)، وأن يقوم بإخراج إمضاءات وأن يجعل كلّ ما " كتبناه عن الحياة أو عن الموت تأشيرا ضخما لسيرة ذاتية، فهذا ما كان سيفعله وما يجب أن نحيط به علما. لا لجعله يعيد ما أصابه من فائدة في ذلك: أولا لأنّه ميت، هو، بداهة تافهة، لكنها في الأصل أبعد ما يكون عن التصديق، وجِنِّيُّ الاسم هنا كي ينسينا. أن نموت يعني على الأقلّ هذا ، أنه ما من فائدة أو لعنة ، محسوبة أو لا، لا تعود إلى من يحمل الاسم ولكن فقط إلى الاسم، فيما يكون عليه الاسم دوما، وليس الاسم بحامل، ما قبليا، إسما لميّت. وما يعود إلى الاسم لا يعود بالمرّة إلى الحياة، فلاشيء يعود إلى الحياة. ثمّ إنّنا لا نمنحه الاستحقاق لأنّه ترك ميراثا، باسمه ، شبيها ككلّ ميراث (واسمعوا هذه الكلمة بأيّ أذن شئتم) بلبن مسموم سبق امتزاجه بالسمّ، وسنذكّر بذلك فيما بعد، في أسوء أوقاتنا. فلم يكن هذا الامتزاج محض صدفة. لن أقرأ نيتشه، كما قد يقال قبل النظر على الأقلّ في كتاباته، ولا بوصفي واحد ( من الكائن، من الحياة أومن الموت)، ولا بوصفي عَاِلما ، ولا بوصفي بيولوجيّا إذا كان لهذه الأنماط الثلاثة ما تشترك فيه من تجريد للسيرة الذاتية و الزعم بعدم انخراط حياتهم وأسمهم في كتاباتهم. سأقرأ نيتشه، في هذه اللحظة، منذ مشهد "هو ذا الإنسان" Ecce homo لقد عرض فيه جسده واسمه، حتى وإنْ قدّمه تحت غطاء أقنعة أو كُنْيَات دون أسماء أعلام ، أقنعة أو أسماء بصيغة الجمع لا يمكن أن تقترح نفسها أو تُنْتِجَ، مثلما هو شأن كلّ قناع بل كلّ نظرية للشّبيه؛ بجلبه دوما فائدة الحماية، قيمة مضافة حيث يتعرّف مكر الحياة على نفسه. مكر خاسر طالما أنّ القيمة المضافة لا تعود أيضا إلى الحياة، بل إلى اسم الأسماء ولجماعة الأقنعة.]...[
إنّ هويته الخاصّة، تلك التي يتوق إلى الإفصاح عنها، والتي لا شأن لها، طالما هي متناسبة معهم، بما يعرفه المعاصرون تحت هذا الاسم، تحت اسمه أو بالأحرى من يحمل نفس اسمه، فريديريك نيتشه، هذه الهوية التي يدّعيها، لم يحصل عليها من تعاقد مع معاصريه. لقد تلقّاها من عقد غير مسموع مع نفسه. لقد استدان من نفسه وورّطنا فيها بما تبقّى من نصّه وبقوّة الإمضاء.على الائتمان الخاص بي auf meinen eignen Kredit،ذاك أيضا أمر يعنينا. هذا الائتمان اللامحدود، غير القابل للقياس بما وفّره له معاصروه، أو رفضوه تحت اسم ف.ن. هذا الاسم هو بعدُ اسم مزيّف، اسم مستعار، ونفس الاسم الذي جاء ليخفي، بفعل الخداع، فريديريك نيتشه الآخر.
*
Jacques Derrida, Otobiographies : l'enseignement de Nietzsche et la politique du nom propre, retranscription de la conférence de 1976 à l'université de Charlottesville, I déclaration d'indépendance, p 42-47 extrait.





أعلى