أحمد دحبور - كَلامُ الغَريب

بينَ موتِ الغريبِ ودمع الغريب كلامٌ،
وها إنَّني أتكلمُ باسم حرائِقِنا الموشِكَةْ
كنتُ أقْبَلُ بعضَ النصائح ،
لكنني، في زمان المذابح ، أختارُ قلبي،
فأبقي على جمرةٍ طَيَّ ثوبي،
والقي بنفسي إلى التهلكة
فالطريقًُ إلى البيتِ شائكةٌ،
والطرقُ إلى الشوكِ حالكة ،
والطريقُ إلى دمِنا سالكة
فهدوءاً إذنْ:
إنّ خيطَ دم يتجمَّعُ،
هل يتوقَّعُ من وقَّعوا صفقة النَّزْف –
أنّ المحاكمَ لن تستفيقْ؟
إنهم واهمون، إذَنْ، وأراهنُ:
إنَّ الدمَ المُرَّ محتشدٌ في المحاكِم ،
سوفَ نحاسِبُهُم واحداً واحداً،
ونسمِّي الحكوماتِ،
والجنَرالاتِ،
كُلٌّ بأسمائهِ العلنيِّة . . والعلنيَّةِ،
فليهربوا. . إنَّ سيلَ الدماءِ يسدُّ الطريقْ
كيفَ تَرثي الصديقْ؟
كيف تَرثي الصديقَ ولا تفتحُ النارَ؟
هل دارَ في خَلَدِ النار أنكَ تنسى؟
فتقدَّمْ لننسى . .
سنقولُ إذَنْ: إننا لم يبعْنا الملوكُ وأشباهُهُم
مرتين ،
وإنَّ المخيَّمَ لم يتشرَّبْ فُتوَّتَنا
واليفاعَ ،
وإنَّ الجياعَ المهانينَ . .
قد دُفِنوا في دقيق « الإعاشةِ ،»
يا للهشاشةِ،
بل صَمَّمَ الجوعُ أرواحَنا من جديدْ
إنَّ فَقْرَ دم الفقراءَ ليُغني الفدائيَّ،
بالنار والسَّخْطِ،
والنار والسَّخْطِ،
ليسَ يَكُفُّ عن النار والسَّخْطِ،
حتى تصيحَ البلادُ: المزيدَ. . المزيدْ
ثم أدْخلُ سِفْرَ الخفايا
فتجيءُ الطفولة مطفأةً بالمخيَّم ،
أشْعلُها بالحنايا
ثم نكبرُ،
نشتدُّ عوداً وتذكرُ:
كُنَّّا نحبُّ النساءَ فرادى وجمعاً،
وتَسخَرُ: أني أحبُّ العجائزَ! !
فيما تحبُّ الصَّبايا
ونفكِّرُ في الأمر :
إنّا وُلِدْنا شيوخاً،
وطارتْ عصافيرُنا والطفولةُ لم تأتِ،
من أين تأتي؟
وليلُ المخيم يمضي بها نحوَ ليل المخيَّم ؟
إنَّ حزيرانَ،
عمان،
لبنانَ،
كوكبة من مرايا
ورأينا الوجوه بها فكشفْنا الوجوه،
وكانت تُوائِمُ بين العدوِّ العدوِّ،
وبين الصديق العدوِّ،
وكلُّ الرياح تدوِّي . . ولا صوتَ في القافلة
قال لي صاحبي: أدْرَكَ التعَبُ القافلة
فمزيداً من التَّعبِ
إنَّ غربَتَنا في قطار الدَّم العربيّ
تقتضي أن نواصلَ رحلَتَنا الشاملة الطريقُ معذبة ،
وفِلَسْطينُ ليستْ فلسطينُ إلا إذا طُلبتْ كاملةْ
قلْ لِزَوْج الحمامْ
أن يَشِفَّ الهديلْ
فحبيبي قتيلْ
وأنا لا أنامْ
والعواصمُ والغة في دم القافلة
ما رأيتُ الشعوبَ تدينُ بدين الملوكِ،
ولكنْ رأيتُ الملوكَ على دين أسيادِهِم،
يا لأسيادِهِم!
كُلَّما دخلوا قَرْية نَصَّبوا ملكاً،
فَقُرانا عواصمُ عامرةٌ شيدتها الهزائمُ،
والقصرُ قَبْرُ النهارْ
وأعودُ إلى صاحبي،
كان يمشي أمامي،
وشاهدَ أفعى ورائي فصاحَ: الحذار الحذارْ
والتفتُّ. . فكانت أفاع مرقّطةٍ في الصَّحارى،
صرختُ: إذنْ لبسوا جِلْدَنا،
وصرختُ: إذَنْ فاحذروا . . إنهم عندنا،
والتفتُّ إلى صاحبي . .
لم أجدْهُ . . ولكن وجدتُ لهُ صورةً في الجدارْ
قلْ لسيفِ الخشبْ
إنَّ ليلى سرابْ
بدأتْ بالترابْ
وانتهتْ بالذهبْ
إنه النفطُ يا صاحبي ،
إنه السُّمُّ في قِرَبَ القافلة
كلما أقبلتْ حاملٌ أطْعمَ القابِلة
غير أ أعودُ إلى قاربي،
مُبْحِراً،
والطريقُ إلى دمنا سالكة
وأمامي صديقي يموتُ وينهضُ ،
يطلبُ أن يتهجَّى دمي مَسْلكَة
فلقد مَلَّ من موتِهِ خارجَ المعركة
قلْ لسيفي أنا
رغمَ نفطِ المجونْ
إنَّ ليلى هنا
وأنا لا أخونْ
كنتُ أقْبلُ بعضَ النصائح ،
لكنني في زمان المذابح أختارُ قلبي،
وأختارُ شعبي،
فلا بأسَ إن أغْضَبَ العلمَ الأمريكيَّ صوتي،
وإن أعجبَ الجنَرالاتِ موتي،
ولا بأسَ إن نقمَ الحاكمونَ عليَّ،
فباسمك يا صاحبي،
سوف أتلو حرائقَنا الموشكة
ثم ألقي بنفسي إلى التهلكة


أحمد دحبور
منَ "شهادةٌ بالأَصابعِ الخَمْس"
أعلى