عبد المنعم عامر - في المقبرة الصَّغيرة أوَّلَ البيت...

في المقبرة الصَّغيرة أوَّلَ البيت...
تأتي غرفتي
لا تدخلها شمسٌ، ولا تخرجُ منها عتمة، مليئةٌ بالدُّموع كحلقةٍ أخيرةٍ
قفلُ بابها الحذر، من خُطوات القادمين
تتدفقُ الأغاني الحزينة
يمرُّ أهلي عليها كأنَّها قبرٌ قديمٌ
يقول أخي الصَّغير لأصدقائه: "إنَّه حزين"
إخفضُوا أصواتكم...
تقول أختي لصديقتها: "وزَّع قلبهُ أكثر من اللَّازم"
يقول أبي لإخوته: "أكلهُ الوهم ونسيَ نفسهُ في قطار الخيال"
أتمنَّى أن يعود ويدخلَ كالفضيحة من كلّ الأبواب
يقول أصدقائهُ القُدامى وهم يقلبون ليل النَّبيذِ الحزين
كانَ بخير قبلَ أن يصبحَ شاعرًا!
تبكي حبيبتهُ في حمام النِّساء
حينَ يمرُّ اِسمهُ بينَ الشِّفاه الشَّبقة كشفرةِ حلاقة
تقول إحداهنَّ: "اليومَ يمضي عامٌ على غيابهِ
هذا ما قالتهُ النَّوافذ التي تحفظُ مواعيد عطرهِ..."
وحيدًا أمام نفس الجدار
عاطلاً عن الحياة والمسافة
مطمئنًا للهاوية كقاربٍ سحبهُ التِّيار
يتفقَّدُ دموعهُ كلَّما نسيَ وجودَ يده
سارحًا في السَّقف
مبتسمًا لحبل النَّجاة...
حتَّى أمهُ التي تدخل واضعةً يدها على أنفها
تقفُ من بعيد
حابسةً الدَّمع في حلقها
مطمئنةً أنَّ الجُثَّة على قيد الحياة!
/
عبد المنعم عامر




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى