محبوبة عطية خليفة - الجنرال.. قصة قصيرة

جاء دوري في محل بيع اللحوم فأعطيتُ الشاب صاحب المكان ورقة طلباتي التي بدأ في تحضيرها ثم وللحظة لمحتُ ابتسامة ترحيب منه عندما فُتح باب المحل ودخل زبون آخر لاحظت سعادة الرجل بِمَنْ قَدِمَ، وطلب مني بلطف أن يخدم الجنرال قبلي فوافقتُ على الفور وابتسمت وقلت إلّا الجنرال!! هم دائماً على (الراس والعين)وتنحيت جانباً .

إلّا الجنرال!! وأنا خافضة الرأس ولم أتبين منه سوى نعله العسكري الذي رجّ بدني وأربك مزاجي وتسلسُلُ أفكاري، وأخذني إلى سيرة لا أحبها.
كم جنرالاً أزعج منامنا وقيامنا؟ وكم جنرالاً هزّ أبداننا جزعاً ورعبا؟، وكم جنرالاً مرّغَ أنوف شعوبنا في التراب؟وكم وكم؟

جنرال يعقبه جنرال ،كل واحد منهم يأخذ زمانه وزماننا معه.نسَطّر ُله الأهازيج وندق الطبول ونرقص ونغني، ونلهج بحمدالله على نعمة وجوده بيننا ويمضى هو ونبقى نحن نستجمع بقايا ذاكرة مثقوبة، تنسينا مافعل ونواصل التمجيد بلا حياء!!

بعض الجنرالات لا يزرعون إلا الصَبَّار
ولا يسقونه إلا بماء عيوننا ونقف نحن طوابير بجوار النبتة المُرة، نأخذ معها الصور التذكارية لنحفظها (لغوالينا )من بعدنا فللجنرال فضلٌ ممتد لا ينقطع.

كم من جنرال نراه وسيماً على الرغم من بشاعته فنحن لا نرى إلا الهِبَة الأولى التي أهدتنا إياها حياة سنعيشها في رفقته، وتحت ظله ، فلا يجب أن ندقق في التفاصيل. ويا ويل عيوننا إن رأت البشاعة أو وصفتها فلابد أن خطأً ما شاب أبصارنا وبصائرنا.

وكم من جنرال دشَّن مسارباً للدماء امتدت وأغرقت حيوات كانت لتعيش لولا عنفوان الكبير وقَدْرِه، فهو يرى ما لا نرى فلنقبل ببعض خسائر عابرة ليُنجز هو ويعيد عجلة التاريخ إلى مسارها ببعض دمٍ إن لزم الأمر فهو يعرف مالا نعرف ويدرك مالا نُدْرِك .

وتسألني رأيي ؟ نعم فليأخذ الجنرال دوري أيها الشاب الوسيم. أنت أيضاً لا تختلف كثيراً حتى بسواطيرك وسكاكينك المسنونة فأنت تخضع لجنرالٍ عابر وتعيدني للوراء فهو جنرال وأنا من أنا؟ وورقتي بين يديك لا أطلب سوى ماتحتاجه أسرتي وإن شاء الجنرال أن أؤجل الطبخَ إلى يومٍ آخر فلاعليه ولا عليك.

مازلتُ في خيالاتي التي أتعبتني وأغضبتني وإذا بصوتٍ ناعمٍ ورقيق يشكرني بلطف لأنها في عجلة من أمرها لتحضر ابنتها من المدرسة المجاورة !!فانتبهتُ ورفعتُ رأسي لتفاجئني ابتسامة امتنانٍ لطيفة على محيّا أجمل جنرال رأيته في حياتي .
محبوبة خليفة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى