ديوان الغائبين ديوان الغائبين : خورخي جيتان دوران Jorge Gaitan Duran - كولومبيا - 1925 – 1962

"تؤكد أعمالي ببساطة أنّه في جميع الأوقات يجب على الإنسان أن يكون واعيا بأنّه سيموت، مما يعني بأنّ الجنس، مثل الشعر، هو اللحظة الوحيدة التي يمكننا فيها أن ندمر تأريخا جامدا." بعد سنتين فقط من وصفه الخاص لشعره بهذه الطريقة مات خورخي جيتان دوران قبل الأوان، في الثامنة والثلاثين من عمره. وبالرغم من عمره القصير، فقد أصبح معروفا على نحو واسع كعلامة ثقافية رئيسية، نشطة في عديد من الحقول المختلفة.
ولد خورخي جيتان دوران في بامبلونا، نورت دي سانتاندر، في كولومبيا، في الثاني عشر من فبراير/شباط، 1924. سافر إلى بوغوتا ، المدينة الكبيرة، في السادسة عشرة من عمره، لدراسة القانون. وهناك بدأ بالاشتراك في حياة كولومبيا الثقافية، وفي 1945، بدأ بنشر النقد الفنّي والأدبي، بالإضافة إلى القصائد والقصص، في أهم الصحف. بعد مقتل القائد السياسي التحرّري خورخي اليسير جيتان، في التاسع من أبريل/نيسان, 1948شارك في الاستيلاء على محطة الإذاعة الوطنية الكولومبية، مما أدى إلى اتهامه بالعصيان .

بعد تبرئته، ونجاته من محاولة اغتيال ضدّه، توجّه إلى أوروبا في 1950. وسافر إلى عدّة بلدان، وحيثما ذهب، كان يندمج في الحركة الثقافية مباشرة، تأثر كثيرا في ذلك الوقت بالمناظرات الإيديولوجية والفلسفية التي تلت الحرب حول الوجودية والماركسية، والحروب الاستعمارية والحرب الباردة. عاش أغلب الوقت في باريس، حيث تلقى دورات في السينما في "معهد الدراسات العليا السينمائية" وحضر محاضرات لموريس ميرلو بونتي في الجامعة الفرنسية.

في عام 1954، وبعد إقامة قصيرة في البرازيل، عاد إلى كولومبيا لينشئ، مع الناقد الكولومبي، هيرناندو فالينسيا جويلكل، دورية "ميتو". بين عامي 1955 و1962، التي نشر فيها الكتّاب الكولومبيون وكتاب أمريكا اللاتينية أعمالهم، مما جعلها أحد أهم الدوريات في القارة. ومن خلالها، احتج مثقّفون كولومبيون على قيود الحرية في كولومبيا ومناطق أخرى من العالم.

وبينما كان يدير عملية النشر في دوريته، كان خورخي جيتان دوران أستاذا في الجامعة. وأخذ، بالإضافة إلى ذلك، مكان غابريل جارسيا ماركيز في صحيفة الاسبكتاتور، حيث نشر مراجعات الأفلام والكتب، بالإضافة إلى كتابة عمود دوري، اهتم بالموضوعات المتعلّقة بالسياسة والشؤون الخارجية. وكتب لصحيفة "الشارع"، أسبوعية الحركة الثورية التحرّرية، التي كانت جماعة منشقّة عن حزب الأحرار أثناء السنوات الأولى للجبهة الوطنية التي أنشأها القادة السياسيون لوضع حدّ للعنف في الخمسينات.

سافر إلى باريس في يونيو 1962. وفي رحلة عودته، في 22 يونيو/حزيران, 1962، قتل عندما تحطمت الطائرة التي كان عليها، قبل أن تهبط مباشرة على الجزيرة الكاريبية غواديلوب.

عند موته، كان دوران قد نشر دواوينه الشعرية التالية
إصرار على الحزن (1946)،
رجل موجود (1947)،
دهشة (1951)،
اللامنتمي (1954)،
عشاق (1959)
إذا استيقظ الغد (1962)؛
مجموعة مقالات:
الثورة الخفية (1959)
ساد: اللامنتمي والثورة (1961)؛
ونص كلمات أوبرا "الكاتب" (1961)، التي عرضت في بوغوتا، وأعد موسيقاها لويس أنطونيو اسكوبار وأعد المشاهد الرسّام ديفيد مانزور.

تأثّر شعر دوران بقراءته لمؤلفين مثل أوكتافيو باز، وخورخي لويس بورخيس، وبيرتولت بريخت، وجان جينيه، وأنطونيو ماتشاو، وهنري ميلير، وفيكتور سيجالين، ورينيه شار، وجورج باتاي خاصة في ديواني "عشاق" و"إذا استيقظ الغد". وكان اهتمام باتاي الأساسي، الإيروتيكي، موجودا في كلّ أعمال دوران.

في الحقيقة، تظهر في شعر دوران الأجساد كوحدات منفردة تشترك باللحظة الإيروتيكية في محاولة لتجنّب الفناء عن طريق الرغبة. يثورون ضدّ شرط فنائهم ويحاولون تحرير أنفسهم من أي عائق يمنعهم من اتباع غرائزهم الحيوية ومعايشة وجود أصيل. ولهذا السبب صرّح في عام 1959 قائلا: "أحيانا أشعر أنّ الشمس المرتجفة للرغبة والسعادة هي فقط التي يمكن أن تشرق في لحظة ما من ليل الحياة الحديثة الأخلاقي."

هذا الاهتمام بالأخلاق المرتبط بعلم الجمال هو ثيمة أخرى متكرّرة في أعمال دوران. إنّ الشاعر يفترض بأنّه رجل لحظته، ويواجه احتياجاته بالإضافة إلى احتياجات بيئته، ويعترف بأنّه "يجب أن نتخلّص من الفكرة العادية البشعة التي تنفصل قيمتها المعرفية عن القيمة الإنسانية". ذلك يظهر مساومة مع حالة إنسانية وليست مع أيديولوجية ضمن مفهوم واسع جدا من الواقعية والفنّ.

الأفكار الأخرى المهيمنة في هذا الشعر تنشأ عن اهتمام الشاعر بدراسة البيئة الاجتماعية والثقافية والتاريخية في عصره. ومن خلال هذه الثيمات، واستقلاليته وفضوله المعرفي، يمكننا أن نفهم لماذا يعتبر دوران، كما قال جان بول سارتر لألبير كامو، "الارتباط الجدير بالإعجاب بين شخص وعمل فني".

أولئك الذين يعشقون في هذا العالم يموتون ألف مرة كلّ يوم.

موريشيو راميريز

ترجم المقدمة للإنجليزية: نيكولاوس سويسكين
ترجم الأشعار للإنجليزية: راؤول حاييم
ترجمها عن الإنجليزية: أحمد يحيى

***
لن يهزمني الموت

لن يستطيع الموت هزيمتي.
صارعتُ وعشتٌ.
جسدا قلقا ضدّ روح،
من أجل رحلة اليوم البيضاء.
في خراب "تروي" كتبت
“ كلّ شيء إما موت أو حبّ ”
ومنذ ذلك الحين لم أسترح.
قلت في روما:
“ ليس هناك آلهة، فقط زمن ”
ومنذ ذلك الحين لا خلاص لي.
أسكتّني في إسبانيا،
لأن صوت الغضب تحدّى
النسيان بأعماقي،
بمزاجي،
بدمّي؛
ومنذ ذلك الحين
لم تتوقّف النار.
ربما تصبح الأرض الغريبة
مكان استراحة للبطل.
ربما يغني العشب الطازج
مثل نحلة الغبار
على جفونه.
أنا لا أستسلم:
أريد أن أعيش معركة كلّ يوم،
كما لو كان اليوم الأخير.

قلبي يصارع البحر.

***

أتمنى...

توقّف البرد سريعا، مثل موسيقى.
مرت الطيور والخضرة خلال البرودة
أخبروني، إنكَ ستموت
مرضكَ عضال
فقط المعجزة
التي تنكرها يمكن أن تنقذك
لكنّني أتمنى فقط
أن أحترق مثل شمس حمراء في جسدك الأبيض.

***

أعرف أنني حيّ. . .

أعرف أنني حيّ في هذا اليوم الجميل
أضطجع بجانبكِ
إنه الصيف
الثمار الساخنة في يدّيكِ
تصبّ رائحتها النفاذة في منتصف النهار.
قبل أن نستلقي هنا،
لم يكن هذا العالم المتألق موجودا.
أبدا دون جدوى
لم نمرق بعيدا عن الرغبة
عن الحبّ الإنساني الذي يتحدّى النجوم!
أركض عاريا نحو أزرق البحر.
أعود إليكِ كما أعود إلى الشمس
وأعقد نفسي فيكِ،
لقد ولدت من عظمة معرفتك.

أحسّ عرق القيلولة
نشرب النبيذ الأحمر
ذلك هو العيد
الذي نتذكّر فيه الموت أكثر.

***

عشاق

نحن مثل أولئك الذين يعشقون بعضهم البعض.
عندما نتعرى نكتشف غريبين وحشيين
يتلاحمان بقوة،
ندب الرغبة القاسية تظهر
أننا نعشق بلا هوادة:
السأم،
والشكّ الذي يربطنا بقوة،
كإلهين خاطئين في شرك.
كعاشقين مجنونين،
كنجمتين متعطشتين للدماء،
كسلالتين
تتنازعان جوعا على مملكة،
نريد أن نكون عادلين،
نطارد أنفسنا بشراسة،
نخدعها،
نؤوّل الإهانات الحقيرة
التي تهين بها السماء أولئك العشاق.
فقط هو عناق يشعلنا ألف مرة
أولئك الذين يعشقون في هذا العالم
يموتون ألف مرة كلّ يوم.

***

عشاق 2

عرايا نواجه الجسد
مثل ملاكين خاطئين،
مثل شمسين حمراوتين في غابة مظلمة،
مثل مصاصيّ دماء عند بزوغ الفجر،
شفتان تبحثان عن جوهرة اللحظة بين فخذين،
فم يبحث عن فم،
تماثيل منتصبة
تشعل القبلة في الحجر
فقط هذا البرق من الدماء الممتزجة
يمكن أن يتخطى الموت المنيع الذي ينادينا.
واقفان مثل شجرتين كسولتين في الصيف،
جالسان كإلهين ثملين
ولكي تشعلني نجمتاكِ إلى رماد
نتمدد كمقاتلي بلدين يفصلهما الفجر،
وفي جسدك أكون نار الكينونة.

***

لحظات ليلية

راقبت الوقت وعرفت الليل.
أشعلَ عقلي نارا في اللاشيء.
كانت شموس غفيرة تملأ السماء.
كل شيء كان سماء.
كل شيء كان ملكي، سوى الآلهة في سعادة لا تبلى.
انتشيت طربا في انسجام العوالم المتألق.

من نجمة إلى نجمة، إلى اللانهاية
بعض العيون الميتة
تستطيع في النهاية قياس ضآلة البشر.
من مجرة إلى مجرة، ذهبت الروح وراء المدى نحو السماوات
حيث لا شيء ينمو ولا ينتهي.

غنى الأزرق في سماء الليل
والعندليب فر من عتبة الوقت.
نادت التلال النجوم مع موسيقى هائمة.
مر الآيل الأبيض في سر الغابة الرطب،
وفي الظل استيقظ عريكِ.
وثانية تصبح الأرض رغبتي.

***

الأرض التي كانت لي

فقط لألتقي بصوفيا كوهن
نوفاليس، حبيبها ذو الثلاثة عشر عاما، يؤمن بالعالم الآخر؛
أما أنا فأؤمن بالشموس، والثلوج، والأشجار،
بالفراشة البيضاء على الوردة الحمراء،
بالعشب المتماوج
وباليوم الذي يموت،
لأنني هنا فقط أستطيع أن أضمك كهدية عابرة،
وفي النهاية،
مثل إله أخلق نفسي في بؤبؤ عينيك،
لأنني فقدتك مع الأرض التي كانت يوما لي.



* منقول عن مدونة احمد يحيى





خورخي جيتان دوران



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى